التدقيق الداخلي في قطاع العقار – ضمان الشفافية وحماية الاستثمارات

بقلم: محمد عثمان – مدير تدقيق داخلي
CPA,CIA,CMA,CRMA,CISA,CRISC,CERM,CFE, PMP,PBA.
يأتي هذا المقال استكمالاً لسلسلة المقالات السابقة التي تناولت دور التدقيق الداخلي في القطاعات الاقتصادية المختلفة. وفي مقال اليوم نسلط الضوء على قطاع الشركات العقارية حيث يُعد من ضمن أهم القطاعات في سوق الكويت للأوراق المالية، إذ يضم 29 شركة من إجمالي 140 شركة مدرجة، ويتنوع نشاط هذه الشركات بين تملك وبيع وتطوير العقارات، إدارة أملاك الغير، صيانة المباني، الاستثمار العقاري، تشغيل الفنادق والمرافق السياحية، وتنظيم المعارض والمزادات العقارية، بالإضافة إلى إنشاء وإدارة الصناديق العقارية واستغلال الفوائض المالية في المحافظ الاستثمارية.
كيف يحقق التدقيق الداخلي القيمة للشركات العقارية؟
تلعب وظيفة التدقيق الداخلي دورًا جوهريًا في ضمان الحوكمة والشفافية لهذه الشركات من خلال تطبيق نظم وإجراءات رقابية متخصصة تتناسب مع طبيعة القطاع العقاري. فيما يلي امثلة لنماذج تطبيقية عامة علي سبيل المثال وليس الحصرتبرز دور التدقيق الداخلي عمليًا في هذا النوع من الشركات:
الرقابة على تقييم الأصول العقارية واعتماد المقيمين
تعد عملية تقييم الأصول وإدارتها من الوظائف الأساسية للشركات العقارية كونها تمثل جوهر نشاطها التشغيلي والاستثماري وهنا يتولى التدقيق الداخلي التأكد من وجود سياسات وإجراءات واضحة وموثقة لإجراء تقييمات دقيقة للأصول العقارية عند الشراء أو البيع، وذلك لضمان صحة القيمة السوقية وعدم التلاعب بالأسعار أو وجود تضارب مصالح.
وهنا يحث التدقيق الداخلي الإدارة بالاستعانة بمقيمين عقاريين معتمدين داخليًا أو خارجيًا حسب الحاجة، ويشدد على أهمية الحفاظ على قائمة معتمدة لهؤلاء المقيمين لضمان التأهيل والاحترافية. كما يتابع التدقيق توثيق كافة قرارات التقييم ويحث على إبلاغ الإدارة العليا بها، مما يعزز المساءلة ويقلل من المخاطر المرتبطة بسوء التقييم أو الاعتماد على خبرات غير مؤهلة.
مثال تطبيقي سابق من الصحافة الكويتية في إحدى الحالات التي خضعت للتدقيق خلال السنوات الماضية، ألزمت هيئة أسواق المال الكويتية عددًا من الشركات العقارية المدرجة بإعادة تقييم أصول تم شراؤها من أطراف ذات صلة، بعد أن تبين وجود فروقات كبيرة بين القيمة الدفترية والقيمة السوقية الفعلية. وقد كشفت إجراءات التدقيق الداخلي عن ضعف في توثيق عمليات التقييم، واعتماد مقيمين غير مدرجين ضمن قوائم معتمدة، مما أثار شبهات تضارب مصالح وأدى إلى تدخل الجهات الرقابية.
هذا المثال يعزز أهمية دور التدقيق الداخلي في:
* التحقق من سلامة تقييم الأصول العقارية
* ضمان عدم وجود تضارب مصالح في عمليات الشراء
* فرض الرقابة على المقيمين العقاريين المعتمدين
* توثيق العلاقة بين الأطراف ذات الصلة والإدارة
متابعة الدراسات السوقية وتحديث الأسعار
تعتبر متابعة الدراسات السوقية وتحديث الأسعار من المهام الأساسية المطلوبة من الشركات العقارية لضمان دقة قراراتها الاستثمارية والتشغيلية .
وهنا يوجه التدقيق الداخلي الجهات التنفيذية لإعداد توقعات منتظمة حول تحركات السوق والأسعار، وإجراء دراسات دورية حول قيم الإيجارات، حتى تظل سياسات الشركة متماشية مع التغيرات في قطاع العقار وتضمن تحقيق عوائد عادلة ومستدامة .
تنظيم شكاوى المستأجرين
تعتبر إدارة شكاوى المستأجرين من المهام الأساسية المطلوبة من الشركات العقارية للحفاظ على رضا العملاء وتعزيز سمعة الشركة في السوق.
هنا يقوم التدقيق الداخلي بمراجعة مدى وجود آلية واضحة لتسجيل شكاوى المستأجرين ومتابعتها بشكل منظم. يشمل ذلك التحقق من توثيق الشكاوى، وتقييم سرعة الاستجابة والإجراءات التصحيحية المتخذة، وما إذا كانت التقارير المتعلقة بالشكاوى ترفع إلى الإدارة العليا لتعزيز الشفافية وتحسين جودة الخدمة.
ملاحظة: بعض شركات التطوير العقاري في الكويت بدأت بتفعيل أنظمة إلكترونية لتسجيل الشكاوى، مما يسهل على المدققين تحليل الاتجاهات ومعالجة الأسباب الجذرية.
تحسين قرارات الاستثمار وضبط الصلاحيات
تعد آلية ضبط قرارات الاستثمار وتحديد الصلاحيات من المهام الرئيسية المطلوبة من الشركات العقارية لضمان إدارة مواردها المالية بكفاءة وتقليل المخاطر المرتبطة بالاستثمارات غير المدروسة.
هنا يراقب التدقيق الداخلي مدى توثيق واعتماد قرارات الاستثمار في المشاريع العقارية من الجهات المخولة مثل لجنة الاستثمار (ان وجدت)حسب مصفوفة الصلاحيات، مما يمنع تمرير معاملات غير مصرح بها ويعزز الحوكمة الداخلية.
مثال حديث: وفقًا لتقرير احد مكاتب الاستشارية الكبرى في الكويت، فإن المعايير الجديدة للتدقيق الداخلي تشدد على ضرورة مواءمة قرارات الاستثمار مع الأهداف الاستراتيجية للمنظمة، مما يعزز دور التدقيق كشريك في صنع القرار.
التخطيط الاستراتيجي ومتابعة الأداء
تعد عملية إعداد الخطط الاستراتيجية ومتابعة تنفيذها من المهام الرئيسية المطلوبة من الشركات العقارية لضمان استدامة أعمالها وتعزيز قدرتها التنافسية.
وهنا يقوم التدقيق الداخلي بدور رقابي واستشاري في ما يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي من خلال مراجعة مدى وضوح الخطط المعتمدة وآليات تنفيذها، وتقييم ما إذا كانت مؤشرات الأداء الموضوعة تعكس أهداف الشركة الواقعية في قطاع العقار. كما يساهم في تقديم ملاحظات للإدارة حول التحديات والمخاطر المحتملة التي قد تعيق تحقيق الأهداف، ويقارن بين النتائج الفعلية والخطط الموضوعة بشكل دوري. هذا الدور يعزز قدرة الإدارة على تعديل استراتيجياتها في الوقت المناسب، ويضيف قيمة مباشرة عبر تحسين كفاءة الأداء وزيادة مستوى الشفافية.
المعايير العالمية الجديدة الصادرة عن المعهد الدولي للمدققين الداخليين (2024) تؤكد على أهمية ربط التدقيق الداخلي بالأداء الاستراتيجي.
أثر التطبيق العملي لوظيفة التدقيق الداخلي
من خلال هذه الآليات، يتحول التدقيق الداخلي من وظيفة تقليدية إلى:
* شريك استراتيجي في حماية الأموال
* أداة فعالة لضبط المخاطر
* داعم لاتخاذ قرارات رشيدة
* محفز لتحقيق النمو والاستدامة
بذلك يصبح التدقيق الداخلي عامل أمان وكفاءة رئيسي في نجاح شركات العقار المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية وتطور القطاع العقاري الوطني.