المعادن النادرة… الورقة الذهبية في صراع العمالقة

بقلم – ليما راشد الملا
يبدو أن الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة تفتح فصلاً جديدًا من التوتر والمناورة، بعد أن أعلنت بكين عن فرض قيود موسعة على تصدير المعادن النادرة — وهي العناصر التي تمثّل العمود الفقري لصناعات التكنولوجيا المتقدمة والدفاع والطاقات المتجددة. وردّت واشنطن سريعًا عبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي هدّد بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على الواردات الصينية، في ما يشبه الشرارة الأولى لحرب تجارية من نوع جديد.
لكن ما الذي يجعل هذه الخطوة الصينية تحمل كل هذا الثقل الاقتصادي والاستراتيجي؟
الجواب هو في طبيعة المعادن النادرة نفسها. فهذه العناصر التي تُستخرج بصعوبة وتُكرّر بتقنيات معقّدة تدخل في صناعة الشرائح الإلكترونية، والمغناطيسات الفائقة، والبطاريات المتطورة، وحتى أنظمة التوجيه في الطائرات والصواريخ. وبعبارة أدق: من يملك هذه المعادن يملك مفتاح التكنولوجيا الحديثة.
تسيطر الصين على ما يزيد عن ثلثي الإنتاج العالمي من هذه المعادن، إضافة إلى احتكارها نحو 85% من قدرات التكرير والمعالجة التي تجعل المواد الخام صالحة للاستخدام الصناعي. هذا التفوّق يمنحها قدرة ضغط غير مسبوقة على الاقتصادات المتقدمة، وخصوصًا الولايات المتحدة التي تعتمد عليها في قطاعات الإلكترونيات والطاقة والدفاع.
في المقابل، تسعى واشنطن منذ سنوات إلى تنويع مصادرها، من خلال فتح مناجم جديدة في أستراليا وكندا والولايات المتحدة نفسها، إلا أن هذه الجهود ما زالت في مراحلها الأولى ولا تستطيع تعويض الإنتاج الصيني في المدى القصير.
قرار بكين لم يأتِ من فراغ. فالصين تواجه منذ فترة ضغوطًا متزايدة من الغرب، سواء عبر القيود على شركاتها التكنولوجية مثل “هواوي” و”بايت دانس”، أو من خلال فرض قيود على استثماراتها في الخارج. لذلك، يبدو أن بكين اختارت هذه المرة أن تردّ بالمثل ولكن بسلاح أكثر حساسية: سلاح المواد الخام التي يحتاجها العالم الصناعي كله.
الأسواق العالمية التقطت الإشارة بسرعة. فقد تراجعت أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، وارتفعت أسعار بعض المعادن الصناعية البديلة، كما شهدت العملات المشفّرة تقلبات حادة نتيجة تصاعد المخاوف من اضطراب سلاسل التوريد. حتى مؤشرات الثقة الصناعية في أوروبا والولايات المتحدة أظهرت تراجعًا ملموسًا، وهو ما يعني هشاشة الاقتصاد العالمي أمام أي خلل في تدفق المواد الأولية الحيوية.
ورغم أن واشنطن أعلنت أن «باب الحوار لا يزال مفتوحًا»، فإن خطاب ترامب الأخير بدا أكثر حدّة حين قال إن الولايات المتحدة «لن تسمح للصين بابتزازها تكنولوجيًا»، في إشارة واضحة إلى احتمال التصعيد. إلا أن الصين من جهتها أكدت استعدادها «للقتال حتى النهاية» دفاعًا عن مصالحها، في لهجة غير معتادة من بكين التي تفضّل عادةً الدبلوماسية الهادئة.
التحليل الأعمق يكشف أن الحرب لم تعد مجرد نزاع تجاري حول الرسوم الجمركية، بل تحوّلت إلى منافسة استراتيجية على الموارد المستقبلية. فالمعادن النادرة ليست مجرد سلع، بل هي عصب الاقتصاد الرقمي، وبدونها تتوقف مصانع الشرائح والبطاريات والسيارات الكهربائية والطائرات المسيرة. لذا، فإن أي خلل في تدفقها يمكن أن يعيد رسم خريطة القوة الصناعية العالمية.
في المقابل، يدرك صانع القرار الصيني أن الاستخدام المفرط لهذه الورقة قد يسرّع جهود الدول الغربية في البحث عن بدائل تكنولوجية أو مصادر أخرى، وهذا الأمر دون شك قد يقلل من نفوذ بكين على المدى الطويل. لذا، يبقى التحدي أمام الصين هو تحقيق التوازن بين الضغط التكتيكي والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي العالمي الذي تستفيد منه هي أيضًا.
على المدى القريب، من المرجح أن تواجه الأسواق العالمية تقلبات حادة، وأن تتسع الفجوة بين الاقتصادات التي تمتلك المواد الخام وتلك التي تعتمد عليها. أمّا على المدى البعيد، فقد تكون هذه الأزمة حافزًا لإعادة هيكلة سلاسل التوريد وتأسيس نظام عالمي جديد أقل اعتمادًا على طرف واحد.
وفي النهاية، يبقى السؤال المطروح على الخبراء والقراء معًا:
هل ستنجح الصين في استخدام المعادن النادرة كورقة ضغط استراتيجية تفرض بها معادلة جديدة في الاقتصاد العالمي؟ أم أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام سباق تكنولوجي عالمي يهدف إلى كسر احتكارها لهذه الثروة الحيوية؟