هل الوظيفة عبودية العصر الحديث؟

بقلم المهندس مشعل الملحم
يتردد دائماً بأن الوظائف هي عبودية العصر الحديث، وأنها نوع من أنواع الرق البشري تتم فيه مساومة الإنسان على حاجاته الأساسية، نعم لا خلاف على ذلك، غير أن الهرب من الوظيفة الحكومية للعمل الحر هو فرار من العبودية إلى الرق. فالأمر سِيَّان بينهما؛ الوظيفة لا تسجن الإنسان، والعمل الحر لا يعتقه. فالمرء في واقع الحال عبد لحاجاته، تسيِّره رغباته وتوجهه نزعاته. إلا أنه حين قررت فك رقبتي من الوظيفة لم أجعل مرادي كامن في مطاردة الحرية أو الارتقاء في هرم الثراء، إنما صبوت للنجاة بعقلي من العقول المحبِطة للآمال، والفرار من الكائنات المثبِّطة للأحلام. خرجت كي لا أغدو فيما غدوا فيه من تشاؤم ونمطية. خرجت خوفًا على عقلي من سخافة عقول بعضهم. فررت رهبة على أحلامي الكبيرة من أن تخنقها سلبيتهم الوضيعة. هربت لأحافظ على روحي مما ساروا فيه من انحدار أخلاقي. ففي تلك الكهوف كانت الحظوة في الارتقاء لمن تفوق في النفاق، وكانت الأولوية في الاعتلاء لمن تألق في الرياء. ولا شيء يحطم النفس ويضنيها سوى التنفس في مكان تدرك أنه يخنقك ببطء. أقر بأن العمل الحر مجازفة جسيمة على الأموال، إلا أن الوظيفة مخاطرة وخيمة على العقل، وعلى الإنسان أن يقرر أيهما أثمن لديه!