مقالات

آلية اختيار العضو المستقل: هل يتحول حامي حقوق الأقلية إلى أداة لهيمنة الكبار

بقلم: المحامي د. سعود ناصر الطامي

محكم وموفق لدى مركز الكويت للتحكيم التجاري

 

المقدمة

يشكل وجود الأعضاء المستقلين في مجالس إدارات الشركات ركيزة أساسية في صرح حوكمة الشركات الحديثة، حيث يُنتظر منهم أن يكونوا حراساً لحقوق المساهمين، وخاصة صغارهم (الأقلية)، وضمانة للشفافية والموضوعية في اتخاذ القرارات. في الكويت، أدرك المشرع هذه الأهمية من خلال قانون الشركات رقم 1 لسنة 2016 وتشريعات هيئة أسواق المال. ومع ذلك، فإن الفجوة بين النص القانوني والتطبيق العملي تبدو واسعة، حيث تظل الآلية الحالية لاختيار هؤلاء الأعضاء مليئة بالثغرات التي تقوض استقلاليتهم الحقيقية وتفقدهم الثقة التي من أجلها وُجدوا.

أولاً: الإطار التشريعي الموجود ونقاط الضعف الكامنة

ينص قانون الشركات الكويتي في المادة 187 على أنه “للجهات الرقابية أن تشترط أن تضم الشركات الخاضعة لإشرافها في مجالس إدارتها عضوًا أو أكثر مستقلًا مؤهلاً وذو خبرة ينتخب من الجمعية العمومية العادية”. كما تؤكد المادة 188 على أن المساهمين الذين يعينون ممثلين لهم لا يشاركون في انتخاب بقية الأعضاء إلا بأسهمهم غير المعينة.

من جانبها، أصدرت هيئة أسواق المال لوائح حوكمة تلزم بعض الشركات المدرجة بتخصيص نسبة (كـ 20%) من مقاعد المجلس لأعضاء مستقلين.

الملاحظ على هذا الإطار التشريعي ما يلي:

1- عمومية النص وغياب التفصيل:يكتفي القانون بالإشارة إلى أن العضو المستقل “ينتخب من الجمعية العمومية” دون أن يحدد آلية انتخاب تضمن حيادها. هذا الغياب للتفصيل يترك الباب مفتوحاً للتطبيقات التي قد تناقض روح النص.

2- الهيمنة الطبيعية لكبار المساهمين:في الواقع العملي، تكون الجمعيات العمومية للشركات المساهمة الكبرى مسيطراً عليها من قبل المساهمين الرئيسيين (مالكي 5% فما فوق). وبموجب الآلية الحالية، يشارك هؤلاء الكبار بكل ثقلهم في التصويت لاختيار العضو “المستقل”، مما يجعلهم الطرف الأقوى والأكثر تأثيراً في عملية اختيار من يفترض أن يكون محايداً منهم.

 

ثانياً: الثغرات الأساسية في آلية الاختيار الحالية

1- تضارب المصالح المُؤسسي:
تكمن الثغرة الأساسية في أن من يُفترض أن يكون العضو المستقل حاجزاً ضد هيمنتهم (كبار المساهمين) هم أنفسهم من يملكون القرار في تعيينه وإعادة انتخابه. هذا يخلق تضارب مصالح مدمجاً في آلية الاختيار. حتى وإن كان العضو ذا نزاهة شخصية، فإن الشعور بالامتنان أو الرغبة في ضمان البقاء في منصبه قد يؤثران – ولو بغير وعي – على قراراته واستقلاليته النقدية.

2- فقدان الثقة وإفراغ الدور من مضمونه:
عندما يرى المساهمون الأقلية أن العضو المستقل قد تم انتخابه بأصوات المساهمين الكبار primarily، فإن ثقتهم في هذا العضو تتهاوى. يصبح وجوده في نظرهم “غطاءً شكلياً” لاستيفاء متطلبات الحوكمة، وليس أداة فعالة لتمثيل مصالحهم أو مراقبة أداء الإدارة والملاك الكبار. هذا يفقد الدور الأساسي للعضو المستقل قيمته الحقيقية.

3- ضعف الفعالية والتراجع عن المواجهة:
العضو المستقل الذي يعلم أن بقاءه في المجلس مرهون بأصوات من قد ينتقده، سيميل بشكل طبيعي إلى تجنب الصدام أو طرح الأسئلة الحرجة أو التصويت ضد مقترحات المساهمين الكبار أو الإدارة التنفيذية. نتيجة لذلك، تتراجع فعاليته في مراجعة السياسات المالية، تعيين المدراء التنفيذيين، أو منع التصرفات التي قد تضر بالشركة لصالح فئة محددة.

4- غياب العزل الإجرائي:
بينما يتحدث القانون عن “الانتخاب”، فإنه لم يضع إجراءات عملية لعزل تأثير الكبار. لم ينص، على سبيل المثال، على أن التصويت للعضو المستقل يجب أن يكون مقصوراً على فئة معينة من المساهمين، أو أن يكون هناك حد أقصى للأصوات التي يمكن لمساهم واحد إلقاؤها في هذه العملية بالذات.

ثالثاً: الآثار المترتبة على استقرار مجلس الإدارة والشركة

1- عدم الاستقرار الخفي:قد يبدو المجلس مستقراً شكلياً، لكن عدم الثقة من قبل الأقلية يخلق توتراً خفياً. وقد يدفع هذا المساهمين الأقلية إلى اللجوء لوسائل خارجية لمطالبة بحقوقهم، كرفع الدعاوى القضائية أو استخدام المنصات الإعلامية، مما يهز صورة الشركة ويؤثر على سمعتها واستقرارها.

2- ضعف جودة القرارات:مجلس الإدارة الذي يخلو من الآراء النقدية الحقيقية والمستقلة يصبح عرضة لـ “تفكير الجماعة”، حيث تسيطر عليه رؤية واحدة، مما يزيد من مخاطر اتخاذ قرارات استراتيجية خاطئة أو غير مدروسة بما يكفي.

3- إضعاف جاذبية الاستثمار:يولي المستثمرون المؤسسيون والأجانب أهمية بالغة لممارسات الحوكمة. حين تظهر ثغرات في استقلالية الأعضاء المستقلين، تنخفض ثقة هؤلاء المستثمرين بالشركة، مما قد ينعكس سلباً على تقييمها وقدرتها على جذب رأس المال.

الخاتمة والتوصيات

الخلاصة أن الثغرة الأكبر لا تكمن في الاعتراف بضرورة العضو المستقل، بل في الآلية التي تسمح لمن يجب أن يراقبهم بأن يكونوا هم من يختارونه. لسد هذه الثغرة، نقترح:

1- تعديل اللوائح التنفيذيةلهيئة أسواق المال وقانون الشركات لتضمين آلية انتخابية خاصة بالأعضاء المستقلين، تُمنح فيها حق التصويت حصرياً للمساهمين الذين لا تزيد حصصهم على 5%، أو الذين لا يمثلون في مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية.

2- تفعيل دور “لجان الترشيحات” المستقلةبشكل إلزامي في الشركات الكبرى، على أن تضم في عضويتها ممثلين عن المساهمين الأقلية وخبراء مستقلين من خارج الشركة، لتقوم بترشيح قائمة بالأعضاء المستقلين وتعرضها على الجمعية العمومية للتصويت بالآلية المذكورة أعلاه.

3- تعزيز الشفافيةمن خلال الإفصاح العلني والمسبق عن السير الذاتية للمرشحين المستقلين وإعلان أي علاقات سابقة أو حالية قد تتعارض مع استقلاليتهم.

4- تحديد مدة ولايةالعضو المستقل (ثلاث سنوات مثلاً) مع تحديد عدد مرات التجديد، لتقليل الخوف من فقدان المنصب كعامل ضغط.

من خلال فصل عملية اختيار العضو المستقل عن نفوذ كبار المساهمين، يمكن تحويل هذا المفهوم من كيان شكلي إلى حارس فعال لحقوق جميع المساهمين، وضامن حقيقي لاستقرار مجالس الإدارة وازدهار الشركات في الكويت.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى