مقالات

ساناي تاكايتشي تصنع التاريخ: أول رئيسة وزراء في اليابان تكسر الحواجز!

 

أول امرأة تقود الحكومة في تاريخ البلاد الذي امتد لقرون من الهيمنة السياسية الذكورية.

أثار صعود أول امرأة إلى قمة السلطة ارتياحًا في الأسواق اليابانية.

تولي ساناي تاكائتشي رئاسة الوزراء يرمز إلى ميلاد مرحلة جديدة تتحدى التقاليد السياسية والاقتصادية الجامدة.

اليابان واحدة من أقل الدول تمثيلًا للنساء في المجال السياسي، حيث تشكل النساء 16% فقط من مقاعد البرلمان.

قفز مؤشر «نيكاي 225» بنسبة 1.5٪ فور إعلان فوزها، مسجّلًا ارتفاعًا قياسيًا لم تشهده البورصة منذ عامين.

تواجه تاكائتشي تحديًا ثلاثي الأبعاد: ترميم ثقة المواطن الياباني في مؤسسات الحكم، إنعاش الاقتصاد المحلي الذي يعاني من الشيخوخة والاستهلاك الضعيف.

من المتوقع أن تسخر رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة مزيج من الأساليب في تعاملها مع الرئيس ترامب.

كونها أول امرأة تتولى هذا المنصب، وفي لحظة سياسية حساسة، قد يمنحها هامشًا شعبيًا ودبلوماسيًا للاستفادة من “القوة الناعمة” في إدارة الحوار مع واشنطن.

يُرجَّح أن تركز في المرحلة المقبلة على تحقيق توازن أوضح بين المصالح اليابانية والأمريكية في مجالات الطاقة، والصناعات الدفاعية، والرسوم الجمركية على السيارات.​

بروز رئيسة وزراء يابانية ذات موقف حازم قد يغيّر دينامية التفاوض المقبلة، من خلال تعزيز موقف طوكيو للمطالبة بإعادة النظر في بعض الشروط الحمائية التي فرضها الجانب الأمريكي.​

فجوة الأجور بين الجنسين قد تضعها أمام اختبار سياستها الاجتماعية والاقتصادية في آن واحد.

 

 

تشهد اليابان لحظة تاريخية بتولي ساناي تاكائتشي منصب رئاسة الوزراء، كأول امرأة تقود الحكومة في تاريخ البلاد الذي امتد لقرون من الهيمنة السياسية الذكورية. هذا الحدث يحمل في طياته أبعادًا سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، ويشكل نقطة تحوّل في هوية اليابان المعاصرة، سواء على مستوى الإصلاح الداخلي أو توازنها في مواجهة التحديات العالمية.

صعود امرأة في مملكة الرجال

ولدت ساناي تاكائتشي في محافظة نارا عام 1961، وعُرفت منذ بداياتها كمُناضلة سياسية ذات نزعة محافظة قوية، متأثرة بفكر الراحل شينزو آبي وبالتقاليد القومية اليابانية القديمة. قبل انتخابها، فازت تاكائتشي برئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي بعد جولات تنافس محتدمة، مظهرة قدرة عالية على المناورة وقراءة المزاج الشعبي الذي يبحث عن قوة قيادية وسط الاضطرابات الاقتصادية وارتفاع التوترات الأمنية في المنطقة.

تاكائتشي، التي تصف نفسها بـ«مارغريت تاتشر اليابان»، تمكّنت من بناء تحالف غير متوقع مع حزب الابتكار الياباني (JIP)، وهو اتفاق سياسي أنهى أسابيع من المفاوضات وأوصلها بسهولة إلى مقعد رئاسة الوزراء بعد حصولها على 237 صوتًا مقابل 149 لمنافسها من الحزب الديمقراطي الدستوري.

الارتدادات الاقتصادية: موجة تفاؤل حذرة

أثار صعود أول امرأة إلى قمة السلطة ارتياحًا في الأسواق اليابانية. فقد قفز مؤشر «نيكاي 225» بنسبة 1.5٪ فور إعلان فوزها، مسجّلًا ارتفاعًا قياسيًا لم تشهده البورصة منذ عامين. يعود التفاؤل إلى اعتقاد المستثمرين أن تاكائتشي ستتبنى سياسات تحفيزية تحد من ركود الأسواق وتدعم القطاع الخاص، خصوصًا بعد إعلانها نيتها تعليق ضريبة الاستهلاك لعامين وتوسيع التعليم المجاني الثانوي.

لكن محللين اقتصاديين حذروا من أن الحراك الإيجابي في الأسهم قد يكون مؤقتًا؛ إذ تواجه الحكومة الجديدة تضخمًا مستمرًا وتراجعًا في قيمة الين، فضلاً عن فجوة الأجور بين الجنسين التي قد تضعها أمام اختبار سياستها الاجتماعية والاقتصادية في آن واحد.

السياسة الخارجية بين الواقعية والتحالفات

تتولى تاكائتشي الحكم في فترة حساسة، قبيل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى طوكيو، ما يعكس ضرورة تعزيز التحالف الأمريكي-الياباني في مواجهة تمدد النفوذ الصيني في بحر الصين الشرقي. في الوقت ذاته، يتوقع مراقبون أن تتبنى نهجًا أمنيًا صارمًا يعيد بناء القوة الدفاعية اليابانية، متماشية مع موقفها القومي الذي يدعو إلى مراجعة مادة السلم في الدستور الياباني.

تولّي أول امرأة في تاريخ اليابان رئاسة الوزراء من شأنه أن يضيف بعدًا مختلفًا إلى العلاقة الاقتصادية والسياسية بين طوكيو وواشنطن، خصوصًا في ظل استمرار المفاوضات التجارية الحساسة مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

فمن المتوقع أن تلعب رئيسة الوزراء الجديدة دورًا أكثر استقلالية في مقاربة الملفات الاقتصادية الكبرى، إذ إنّ شخصيتها المحافظة القوية ونهجها الوطني الحازم يمنحها القدرة على التفاوض بندّية مع واشنطن، بخلاف أسلوب الحذر التقليدي الذي اتبعه أسلافها الذكور في التعامل مع الملفات التجارية. ويُرجَّح أن تركز في المرحلة المقبلة على تحقيق توازن أوضح بين المصالح اليابانية والأمريكية في مجالات الطاقة، والصناعات الدفاعية، والرسوم الجمركية على السيارات.​ حيث أن إدارة ترامب كانت قد فرضت في الأشهر الماضية تعريفات جمركية بنسبة 15٪ على معظم الواردات اليابانية، بينها السيارات وقطع الغيار، مقابل استثمارات يابانية بقيمة 550 مليار دولار داخل الولايات المتحدة، وفق اتفاق وُصف بأنه “الأضخم في تاريخ العلاقات التجارية بين البلدين”. وفي ظل هذا الواقع، فإن بروز رئيسة وزراء يابانية ذات موقف حازم قد يغيّر دينامية التفاوض المقبلة، من خلال تعزيز موقف طوكيو للمطالبة بإعادة النظر في بعض الشروط الحمائية التي فرضها الجانب الأمريكي.​

كما يشير محلّلون في طوكيو إلى أنّ كونها أول امرأة تتولى هذا المنصب، وفي لحظة سياسية حساسة، قد يمنحها هامشًا شعبيًا ودبلوماسيًا للاستفادة من “القوة الناعمة” في إدارة الحوار مع واشنطن، بحيث تدمج بين الصرامة الاقتصادية والرؤية التعاونية التي تتجنب المواجهة المباشرة.​

بمعنى آخر، المفاوضات المقبلة بين ترامب والقيادة اليابانية ستكون أقوي وأبعد من تفاوض حول الأرقام، بل اختبارًا لمعادلة الإرادة السياسية الجديدة في طوكيو، حين تواجه دبلوماسية رجل القوة في واشنطن، بدبلوماسية امرأة تعرف تمامًا كيف تحوّل الحزم إلى ورقة تفاوض رابحة.  فستحاول تاكائتشي بحرفنة سياسية بإدخال البعد النسوي ضمن سياق تقليدي محافظ، فتدعو إلى «تمكين النساء في ظل الانضباط العائلي الياباني»، ما جعل بعض الأصوات النسوية تعتبرها «اختراقًا رمزيًا لا يعيد التوازن الحقيقي للمجتمع السياسي.

اختبار القيادة: بين التاريخ والواقع

رغم الزخم التاريخي، تواجه تاكائتشي تحديًا ثلاثي الأبعاد: ترميم ثقة المواطن الياباني في مؤسسات الحكم، إنعاش الاقتصاد المحلي الذي يعاني من الشيخوخة والاستهلاك الضعيف، وإعادة توحيد الحزب الليبرالي الديمقراطي المنقسم داخليًا. تصريحاتها الأخيرة حول «اليابان الجديدة التي تقودها الإرادة لا الجندر» لاقت صدى لدى شريحة من الشباب، لكن مراقبين أشاروا إلى أنها ستحتاج أكثر من الرمزية لكسب الشارع الذي ملّ وعود الإصلاح.

تاريخيًا، كانت اليابان واحدة من أقل الدول تمثيلًا للنساء في المجال السياسي، حيث تشكل النساء 16% فقط من مقاعد البرلمان. واليوم، برغم أن رياح التغيير تهبّ أخيرًا من القمة، فإن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذا الحدث إلى نقلة مجتمعية واقتصادية مستدامة، لا إلى لحظة عابرة في سجل التاريخ السياسي.

أمثلة تاريخية على تفاوض قادة أنثويين مع رؤساء جمهوريات قوية

في التاريخ السياسي الحديث عدة أمثلة بارزة على تفاوض قادة إناث مع رؤساء جمهوريات وبرلمانيين أقوياء، حيث أظهرت هذه القادة قدرة تفاوضية عالية في إدارة العلاقات الدولية المعقدة:

1- مارغريت تاتشر (رئيسة وزراء بريطانيا سابقًا) مع رؤساء الولايات المتحدة مثل رونالد ريغان وجورج بوش الأب
تاتشر كانت تعرف بـ “المرأة الحديدية”، وتفاوضت بحزم مع قادة أمريكا خلال فترة الحرب الباردة، وكان لها دور فعال في تعزيز التحالف الأمريكي-البريطاني، رغم اختلاف رؤى بعض السياسات الاقتصادية.

2- أنجيلا ميركل (مستشارة ألمانيا السابقة) مع رؤساء فرنسا وأمريكا، ومنها إدارة باراك أوباما ودونالد ترامب
ميركل تميزت بأسلوب تفاوضي هادئ لكن صارم، وبنت علاقات قوية ساعدت في تمرير سياسات اقتصادية أوروبية ودولية معقدة، رغم مواجهة ضغوط من بعض القادة الأقوياء.

3- بيجيندا أرودير (رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة) مع الرؤساء الأمريكيين أثناء تفاقم الأزمات البيئية والاقتصادية
أرودير برزت كقائدة شابة وطموحة تفاوضت على دعم القضايا البيئية في المحافل الدولية مع الولايات المتحدة، وهو نموذج لكيفية الجمع بين الدبلوماسية النسائية والقوة السياسية.

4- كريستينا فرنانديز دي كيرشنر (رئيسة الأرجنتين السابقة) مع رؤساء الولايات المتحدة وبرازيليا
واجهت ملف التفاوض مع دول ذات نفوذ اقتصادي وسياسي كبير، وظهرت كطرف قوي يدافع عن مصالح بلاده في المفاوضات الاقتصادية والتجارية.

هذه الأمثلة تظهر أن النساء القائدات لسنّ أقل تأثيرًا في المفاوضات مع القادة السياسيين الأقوياء، بل على العكس فإن أساليبهن التفاوضية تحمل أحيانًا سمات مميزة مثل المرونة السياسية، والقدرة على بناء تحالفات واسعة، واستخدام القوة الناعمة بفعالية في مواقف الضغط. وهذا ينعكس على المتوقع في دور رئيسة وزراء اليابان الحالية في التعامل مع الرئيس ترامب في المفاوضات القادمة.

 

تحليل أساليب التفاوض لدى زعماء نساء ضد قادة أمريكيين

تحليل أساليب التفاوض لدى زعماء نساء مع قادة أمريكيين يظهر تباينًا واضحًا في الاستراتيجيات لكنه يتميز بعدة سمات مشتركة تبرز القوة الناعمة والمرونة السياسية للنساء في مواجهة نهج تصعيدي أو مباشر:

1- بناء العلاقات والثقة كقاعدة للتفاوض
الزعماء النساء غالبًا ما يعتمدن استراتيجية تقوم على بناء شبكة علاقات دبلوماسية وثيقة، تساعد على خلق بيئة تعاون أقل عدائية، وهو ما انعكس في مفاوضات مثل مادلين أولبرايت مع الإدارة الأمريكية. هذا الأسلوب يتيح المجال لتفاهمات تتجاوز الصرامة والتوتر.

2- التركيز على النتائج المستدامة بدلاً من المكاسب اللحظية
تختلف النساء في التفاوض من حيث حرصهن على استدامة الاتفاقات وتأثيرها الإنساني والاجتماعي، مع ميل أقل للسيطرة المطلقة مقارنة بالنهج الذكوري الذي يركز على مكاسب آنية. دراسات أشارت إلى أن اتفاقيات التفاوض التي تشارك فيها النساء تكون أكثر ديمومة.

3- استخدام التفاوض التعاوني بدل التصادمي
زعماء نساء يظهرن قدرة أعلى على التفاوض التعاوني والتعامل مع مواقف الصراع بشكل يحافظ على العلاقات ويبحث عن حلول وسط. بالمقابل، تعاملت بعض الإدارات الأمريكية مع هذه المواقف بنهج تصادمي وقوة صلبة، خاصة في عهد ترامب.

4- التكيف والابتكار في أساليب التفاوض
النساء يتطن أن يكونوا أكثر قدرة على استخدام وسائل غير تقليدية، مثل استثمار التأثير في الدوائر الاجتماعية والسياسية غير الرسمية، وممارسة ضغط سياسي أو إعلامي متعدد الأبعاد، مما يجعل التفاوض عملية أكثر تعقيدًا وفعالية.

5- الرهان على القوة الناعمة في حالة المواجهة مع أساليب القوة الصلبة
عندما تواجه قيادات نسائية أساليب أمريكية صلبة أو لغة ضغط، غالبًا ما تلجأن إلى القوة الناعمة المكملة كالديبلوماسية الثقافية، واستقطاب الرأي العام العالمي، مما يزيد من الضغط على الجانب الأمريكي لتحقيق توافق.

بالتالي، من المتوقع أن تسخر رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة هذا المزيج من الأساليب في تعاملها مع الرئيس ترامب، موازنة بين الحزم السياسي والاستخدام الذكي للقوة الناعمة، خاصة في ظل طبيعة الاستحقاقات الاقتصادية والتجارية الكبرى بين البلدين. هذا الأسلوب قد يجعل من المفاوضات القادمة أكثر تعقيدًا لكنه في الوقت نفسه يحمل فرصًا لتحقيق نتائج متوازنة ومستدامة.

اليابان عند مفترق التحول

إن تولي ساناي تاكائتشي رئاسة الوزراء يرمز إلى ميلاد مرحلة جديدة تتحدى التقاليد السياسية والاقتصادية الجامدة. فاليابان، التي انتقلت من عزلة القرن التاسع عشر إلى قوة صناعية كبرى، تبدو اليوم في مواجهة اختبار آخر: هل يمكن أن تتعايش هويتها المحافظة مع طموحات التغيير والانفتاح؟ أم أن قيادة امرأة ذات فكر قومي ستكتفي بإعادة رسم الواجهة دون المساس ببنية السلطة القديمة؟

الاقتصاديون في طوكيو يعتقدون أن الإجابة لن تتأخر طويلاً، لأن الأسواق، كما الجنس السياسي الجديد، لا تنتظر من التاريخ سوى دلائل ملموسة. وبينما تستعد اليابان لهذه المرحلة الفارقة، يبقى صدى الحدث يتجاوز السياسة إلى عمق الثقافة اليابانية التي بدأت تعيد تعريف نفسها… تحت قيادة امرأة، للمرة الأولى في تاريخها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى