النموذج الاقتصادي الاسكندنافي: وصفة للنجاح العالمي؟

بقلم – ليما راشد الملا
عندما تُذكر الدول الاسكندنافية – السويد، النرويج، الدنمارك، وفنلندا – يقفز إلى الذهن مباشرة نموذج اقتصادي واجتماعي ناجح، استطاع أن يوازن بين قوة السوق ورعاية الدولة، وبين التنافسية العالية والعدالة الاجتماعية. هذه الدول الصغيرة نسبياً، تحولت خلال عقود قليلة إلى مرجع عالمي في إدارة الثروة، تحقيق العدالة، وضمان الاستقرار الاقتصادي. والسؤال الذي يُطرح: لماذا نجحت؟ وهل يمكن أن يكون نموذجها صالحاً للتطبيق عالمياً؟
كيف استطاعت الدول الاسكندنافية أن تجمع بين العدالة الاجتماعية وقوة السوق؟
1 العدالة الضريبية:
يقوم هذا الاقتصاد على نظام ضريبي تصاعدي عادل، حيث يتحمل أصحاب الدخول المرتفعة النصيب الأكبر من العبء الضريبي. ورغم ارتفاع الضرائب نسبياً، إلا أن المواطن يراها استثماراً في الدولة لأنه يلمس نتائجها مباشرة في الخدمات العامة.
2- رفاهية شاملة:
الخدمات الصحية والتعليمية شبه مجانية وعالية الجودة، والضمان الاجتماعي يغطي الجميع. وهذه البنية التحتية الاجتماعية القوية قللت من معدلات الفقر، ورفعت الإنتاجية عبر خلق قوة عمل متعلمة ومؤهلة.
3- اقتصاد تنافسي بعدالة اجتماعية:
رغم حضور الدولة القوي، إلا أن اقتصاد الاسكندنافيين يقوم على رأسمالية منفتحة، تدعم المنافسة والابتكار، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة. وهنا يبرز سر التوازن: حرية السوق مع ضمان العدالة الاجتماعية.
4- الشفافية والحوكمة:
الفساد شبه منعدم في هذه الدول بفضل أنظمة رقابية صارمة، وثقافة عامة تقدّس النزاهة، وتعلي الثقة بين المواطن والدولة هي حجر الزاوية، وهي ما يجعل السياسات الاقتصادية فعّالة ومستدامة.
ما الذي يميز التجربة الاسكندنافية عن غيرها؟
النموذج الاسكندنافي لا يقتصر على خلق الثروة، بل يضمن وصول ثمارها إلى الجميع بعدالة. ففي الوقت الذي تتسع فيه الفجوة الطبقية في معظم دول العالم، نجد أن الاسكندنافيين يحتفظون بمجتمعات متماسكة ومستويات عالية من الرضا الاجتماعي. هذا بدوره يقلل من التوترات السياسية ويخلق استقراراً طويل الأمد، وهو عنصر أساسي لجذب الاستثمارات وتنمية الاقتصاد.
هل يمكن للعالم أن يتبنى هذا النظام؟
رغم اختلاف الظروف السياسية والثقافية بين الدول، إلا أن الأسس التي يقوم عليها النموذج الاسكندنافي – الشفافية، العدالة الضريبية، الاستثمار في الإنسان، وتوازن السوق والدولة – قابلة للتطبيق في أي مكان في العالم، لكن نجاحها يحتاج إلى إرادة سياسية صادقة، وثقافة اجتماعية تؤمن بأن مصلحة الجماعة لا تقل أهمية عن حرية الفرد.
الخلاصة
الاقتصاد الاسكندنافي يقدم للعالم رسالة واضحة: النجاح الاقتصادي ليس مجرد أرقام نمو مرتفعة، بل قدرة على بناء مجتمع عادل، منتج، ومستدام. وإذا ما تبنت الدول الأخرى جوهر هذا النموذج، فقد نكون أمام مرحلة جديدة من الرأسمالية الذكية، حيث تلتقي الكفاءة الاقتصادية مع العدالة الاجتماعية فيتولد نظام اقتصادي مزدهر متنامي مستدام ابتكاري إبداعي متنوع.