“كيف تحوّل الشركات الكويتية مخاطر التحوّل الرقمي إلى ميزة تنافسية؟”
بقلم/ سـيد ترهـــوني ـــ مدير إدارة مخاطر
CMA, PMI-RMP
المقدمة: التحوّل الرقمي ليس خيارًا… بل ضرورة محفوفة بالمخاطر
في ظل تسارع خطط التحوّل الرقمي على مستوى الكويت — من مبادرات «رؤية 2035» إلى توسع القطاع الخاص في الأتمتة والخدمات الذكية — يبرز سؤال جوهري:
هل نُدير مخاطر التحوّل… أم أن التحوّل هو الذي يُديرنا؟
في كثير من الحالات، تتبنى الشركات حلولًا رقمية بسرعة تفوق قدرتها على تقييم مخاطرها الفنية أو التشغيلية أو الأمنية، لتتحوّل الاستثمارات الضخمة إلى عبء مالي وتشغيلي، بدل أن تكون أداة لتعظيم الكفاءة.
أولًا: أين تكمن المخاطر الحقيقية في الرقمنة؟
التحول الرقمي ليس مجرد تبني تطبيقات أو أنظمة ذكية، إنه تغيير جذري في طريقة العمل. ولهذا فإن المخاطر الحقيقية لا تظهر في كتيبات المواصفات التقنية، بل في ثلاثة محاور رئيسية:
1- مخاطر تقنية: أنظمة لا تتوافق مع البنية التحتية القديمة، أو ثغرات أمنية تُهمل تحت شعار “السرعة في التنفيذ”. مما يجعل المؤسسة عرضة للانقطاعات أو الاختراقات.
2- مخاطر بشرية: مقاومة الموظفين للتغيير، أو افتقارهم للمهارات اللازمة لإدارة الأدوات الجديدة، مما يحول أفضل الأنظمة إلى أدوات معطلة.
3- مخاطر استراتيجية:الاعتماد على مورّد تقني واحد يضع المؤسسة تحت رحمته، أو اتخاذ قرارات استثمارية عاطفية دون تحليل العائد المعدّل حسب المخاطر (Risk-Adjusted ROI).
في أحد القطاعات الخدمية بالمنطقة، دشّنت شركة منصة رقمية متطورة دون ضمان جاهزية فرق الدعم الفني، فارتفعت شكاوى العملاء بنسبة تجاوزت 40%، واضطرت الشركة لإعادة تصميم أجزاء من المنصة بتكاليف مالية وتشغيلية — بل وخسارة في ثقة العملاء — كان بالإمكان تجنّبها لو تم تقييم المخاطر مبكرًا
ثانيًا: لماذا تفشل “إدارة المخاطر التقليدية” هنا؟
السبب بسيط وصادم: لأنها تُطبّق بعد اتخاذ القرار الرقمي، وليس أثناء صنعه. في معظم المؤسسات، يُستدعى فريق إدارة المخاطر لـ”مراجعة” النظام بعد اختيار المورد وتوقيع العقد، وربما بعد البدء في التنفيذ. هذا النهج المتأخر يحوّل مدير المخاطر إلى مجرد مدقق للعيوب بدلاً من كونه شريكاً استراتيجياً.
الإدارة الفعالة للمخاطر يجب أن تكون جزءاً من الحوار منذ اليوم الأول، وتطرح أسئلة جوهرية مثل:
* ما خطة العمل البديلة عند فشل النظام؟
* كيف نضمن استمرارية العمل أثناء التحول؟
* هل تمتلك المؤسسة الكفاءات لتشغيل هذا النظام خلال السنوات الثلاث القادمة؟
* ما هو الأثر المالي والتشغيلي إذا قرر المورّد رفع أسعار خدماته بشكل كبير؟
بدون هذه الأسئلة في البداية، تصبح التكنولوجيا في حالة اشتباك مع واقع المؤسسة، بدلاً من أن تكون في خدمتها.
ثالثًا: نموذج عملي لتحويل “المخاطر الرقمية” إلى “ميزة تنافسية”
الشركات التي تنجح في تحويل التهديدات إلى فرص، تتبنى نموذجاً يرتكز على أربعة محاور:
1- الدمج المبكر: إشراك فريق إدارة المخاطر في مرحلة تصميم الحل الرقمي، وليس فقط عند التنفيذ.
2- تقييم المخاطر الاستراتيجية: الانتقال من سؤال “هل النظام آمن؟” إلى أسئلة أعمق مثل: “هل نموذج أعمالنا مرن بما يكفي للتعامل مع تعطل هذا النظام؟” .
3- الثقافة أولًا: تحويل الموظفين من “مقاومين للتغيير” إلى “شركاء في التحول” عبر برامج توعية وتدريب تمنحهم الثقة والأدوات اللازمة.
4- القياس المستمر: استخدام مؤشرات أداء واضحة مرتبطة بالمخاطر (مثل: معدل الانقطاع، عدد الثغرات الحرجة، مستوى رضا المستخدم الداخلي)، هذه المؤشرات تجعل المخاطر “مرئية” وقابلة للإدارة والتحسين.
الخاتمة: الرقمنة ليست هدفًا… بل وسيلة لاختبار المرونة المؤسسية
الشركات التي تتعامل مع الرقمنة باعتبارها مجرد تحديث تقني ستواجه تحديات متراكمة. أما تلك التي ترى فيها اختباراً لقدرتها على التكيّف والتعلم واتخاذ قرارات أكثر نضجاً، فهي التي ستحوّل المخاطر إلى ميزة تنافسية مستدامة.
في عالم يتغير بوتيرة غير مسبوقة، لم يعد مدير المخاطر “حارس البوابة” بل أصبح “المهندس الاستراتيجي” الذي يربط بين الابتكار والأمان، ويوجه المؤسسة نحو قرارات رقمية أكثر وعياً واستدامة.
السؤال الذي يجب أن تطرحه كل مؤسسة على نفسها اليوم هو:
– هل ندير نحن التحول الرقمي، أم أننا نترك التحول يديرنا؟




