مقالات

التصويت التراكمي… عدالة في التمثيل أم تهديد لاستقرار المجالس؟

بقلم: عماد الحسين

emad@hawkamah-kw.com

بينما تسعى هيئات الأسواق المالية في المنطقة إلى تعزيز الشفافية والحوكمة في الشركات المدرجة، يعود إلى الواجهة مجددًا النقاش حول التصويت التراكمي في الجمعيات العامة — تلك الآلية التي يُنظر إليها بوصفها أداة لحماية المساهمين الأقلية، لكنها في الوقت نفسه تثير مخاوف حقيقية لدى الشركات العائلية والكيانات ذات الملكيات المركزة.

فهل آن الأوان لتطبيق التصويت التراكمي في الكويت بصورة إلزامية؟ أم أن مرونته الحالية هي الخيار الأمثل في هذه المرحلة من تطور السوق؟

ما هو التصويت التراكمي؟

بحسب أدبيات الحوكمة، يُقصد بالتصويت التراكمي أن يكون للمساهم عدد من الأصوات يعادل عدد الأسهم التي يملكها بحيث يمكنه توزيع هذه الأصوات على مرشح واحد أو أكثر كما يشاء دون تكرار للصوت
وفي المقابل، يبقى التصويت النسبي (التقليدي) هو النظام المعمول به في معظم الجمعيات، حيث يمنح المساهم أصواته لكل مرشح بشكل متساوٍ أو ولا يحق له تجميعها في مرشح واحد.

الفرق الجوهري بين النظامين أن التصويت التراكمي يمنح الأقلية فرصة حقيقية للتمثيل في مجلس الإدارة، في حين أن التصويت النسبي يؤدي غالبًا إلى سيطرة الكتلة الكبرى من المساهمين على كامل أو معظم المقاعد في مجلس الإدارة

موقف المشرع من التصويت التراكمي في دولة الكويت

حتى وقتنا هذا، لا يُعدّ التصويت التراكمي نظامًا إلزاميًا في الكويت، بل يبقى خيارًا تنظيميًا يمكن للشركات المدرجة تبنّيه ضمن نظمها الأساسية إذا رغبت، وفقًا لما تسمح به تعليمات هيئة أسواق المال وقانون الشركات رقم (1) لسنة 2016.
اللافت أن المشرّع الكويتي كان قد أقرّ الإلزام بالتطبيق عند صدور قانون الشركات في عام 2012، في خطوة هدفت آنذاك إلى تعزيز تمثيل المساهمين الأقلية في مجالس الإدارة، إلا أن هذا التوجه لم يدم طويلًا؛ إذ تم تعديل النص لاحقًا ليجعل التصويت التراكمي اختياريًا لا إلزاميًا، بعد أن واجهت العديد من المجموعات الاستثمارية والشركات العائلية تحديات في الحفاظ على السيطرة الكاملة على مجالس إداراتها التي كانت تديرها لعقود.

وقد ناقشت هيئة أسواق المال مرارًا إمكانية إدخاله ضمن منظومة الحوكمة الإلزامية، إلا أن التطبيق العملي أثبت أن السوق الكويتي ما زال يعتمد بدرجة كبيرة على الهياكل العائلية والتحالفات الاستثمارية، وهو ما يجعل فرض التصويت التراكمي في الوقت الحالي خطوة تحتاج إلى تدرّج وتهيئة مؤسسية مسبقة.

لماذا يخشى البعض من تطبيقه؟

رغم أن التصويت التراكمي يحمل في جوهره روح العدالة والمشاركة، إلا أن هناك تحفّظات جوهرية من جانب بعض الشركات والمستثمرين الكبار، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1- خشية تفكك مجلس الإدارة ودخول أعضاء يمثلون مصالح متباينة تعيق وحدة القرار.

2- احتمال تسريب المعلومات الحساسة نتيجة تنوع الانتماءات داخل المجلس.

3- تعقيد العملية الانتخابية والإفصاح عنها خاصة في الجمعيات العامة ذات المساهمين المتعددين.

4- قلق كبار المساهمين من فقدان السيطرة الاستراتيجية على المجلس.

5- ضعف الثقافة المؤسسية في ممارسة المشاركة التمثيلية واحترام اختلاف الرأي داخل المجلس.

هذه العوامل تجعل من الصعب تطبيق التصويت التراكمي في بيئات لم تنضج فيها بعد ثقافة “التعددية المؤسسية” التي تقوم على الفصل بين المصلحة الفردية ومصلحة الكيان.

 

التجارب الدولية المتباينة

* السعودية فرضت التصويت التراكمي منذ عام 2017 ضمن لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية، ونجحت نسبيًا بفضل الإطار الرقابي المتين والتطبيق الإلزامي الموحد.

* الإمارات ومصر والكويت ما زالت تتعامل معه كخيار تنظيمي مرن لا كواجب إلزامي.

* بعض الدول مثل كوريا الجنوبية وتايوان والفلبين تراجعت عن إلزاميته بعد سنوات من التطبيق، بعدما أدى إلى انقسامات داخل مجالس الإدارة وتباطؤ في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.

والسبب المشترك بين هذه التجارب هو أن الحوكمة لا تُبنى على آلية واحدة، بل على منظومة متكاملة تشمل الشفافية، والإفصاح، والمساءلة، وتوازن السلطات.

 

مزايا التصويت التراكمي

إن المزايا التي من الممكن ان تتحقق من تطبيق التصويت التراكمي عديدة منها:

1- تعزيز العدالة في التمثيل وضمان وصول المساهمين الأقلية إلى مجلس الإدارة لرعاية مصالحهم

2- زيادة الشفافية والمساءلة بفضل وجود أصوات متعددة داخل المجلس.

3- تحفيز النقاش المؤسسي المتوازن بدلًا من سيطرة رأي واحد.

4- تحسين ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في بيئة الاستثمار.

 

عيوب وتحديات التطبيق

مثل أن تطبيق هذا النظام يحقق العديد من الفوائد في تطبيقه إلا أنه يحمل في طياته أيضا بعض العيوب وتحديثات في التطبيق تتمثل في:

1- احتمال انقسام المجلس إلى تكتلات مما يضعف الفعالية التنفيذية ويصعب اتخاذ قرار حاسم.

2- تضارب المصالح إذا سعى ممثلو بعض الأطراف لتحقيق مصالح خاصة على حساب المساهمين الآخرين.

3- إضعاف الانسجام المؤسسي في القرارات ذات الطابع الاستراتيجي الطويل الأمد.

4- تعقيد المراقبة والإشراف بالنسبة للهيئات الرقابية.

 

الطريق الأمثل – المرونة المحكومة

يرى عدد من الخبراء أن الحل يكمن في تبني نظام مرن ومنضبط يسمح بتطبيق التصويت التراكمي تدريجيًا في الشركات ذات الملكيات المتنوعة، مع توفير الإطار الرقابي والتقني اللازم لمتابعة التنفيذ، فيمكن للهيئة أن تمنح الشركات خيار إدراجه في نظامها الأساسي بموافقة الجمعية العامة، مع إلزام الشركات الكبرى بتوضيح مبررات تبنيها أو رفضها للنظام ضمن تقرير الحوكمة السنوي وبهذا الأسلوب، يتم تحقيق التوازن بين تمكين الأقلية والحفاظ على استقرار القرارات الإدارية.

ونؤكد بأن التصويت التراكمي ليس عصا سحرية لتحقيق العدالة المؤسسية، لكنه أداة يمكن أن تُحدث فرقًا حقيقيًا إذا وُضعت ضمن منظومة ناضجة من الحوكمة والمساءلة.

وفي الحالة، قد يكون الانتقال التدريجي نحو تطبيقه هو الخيار الأمثل، مع ربطه بتطوير معايير الإفصاح والشفافية وتدريب أعضاء مجالس الإدارات على إدارة وقبول التنوع داخل المجلس لإثراء القرار

فكما أن غياب التمثيل يُقصي صوت الأقلية، فإن الإفراط في التمثيل قد يهدد تماسك القرار المؤسسي والحوكمة الرشيدة هي التي توازن بين الاثنين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى