تحليل وقياس العلاقة بين التضخم والإنفاق الاستهلاكي الخاص في دولة الكويت للمدة 1984 -2024

يمارس التضخم آثاراً واضحة وكبيرة على متغيرات الاقتصاد الكلي، وتزداد هذه الآثار كلما زادت حدته، إذ يؤثر بشكل كبير على قرارات الادخار والاستثمار والإنتاج التي تتخذها هذه المنشآت ورجال الأعمال، وكذلك الأفراد، وبالتالي يؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي بشكل عام. كما شهدت العديد من الاقتصادات، المتقدمة والنامية على حدٍ سواء، أشكالاً مختلفة من التضخم، قابلتها محاولات كثيرة للحد من آثاره على الاقتصاد، وبما أن محاولة الوصول إلى معدل تضخم يساوي صفراً أصبح أمراً مستحيلاً، لذا لجأت المصارف الخاصة في أغلب الدول إلى اتباع سياسة جديدة للحد من معدلات التضخم المرتفعة إلى ما يعرف بالتضخم المستهدف. ومن البديهي أن دول الخليج تمتاز بقلة عدد السكان، عدى المملكة العربية السعودية، وتمتاز أيضاً بزيادة الدخل القومي والتراكم الرأسمالي بفعل عوائد النفط، مما انعكس إيجابياً على ارتفاع مستوى متوسط دخل الفرد في تلك الدول، وبسبب زيادة دخل الأفراد أدى ذلك إلى زيادة الميل الحدي للاستهلاك، وبالتالي انعكس على زيادة نسب الإنفاق الاستهلاكي.
أولاً:- التضخم: هو الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات، ويمكن التعبير عنه على أنه الانخفاض المستمر والمتواصل في القيمة الحقيقية لوحدة النقد، أي القدرة الشرائية لتلك الوحدة وهي الدينار الكويتي، تشير إلى التغير السلبي قي قدرته الشرائية.
ثانياً:- أسباب التضخم :
يمكن حصر أسباب التضخم في جانبين، الأول مصدرة الطلب ويسمى بتضخم سحب الطلب Demand pull Inflation والثاني مصدرة العرض ويسمى بتضخم دفع التكاليف Cost push Inflation .
ويحدث تضخم الطلب بسبب التوسع في الطلب الكلي نتيجة لزيادة عنصر أو أكثر من عناصر الطلب الكلي الأربعة وهي الاستهلاك الخاص، الاستثمار، الإنفاق الحكومي، صافي الصادرات، أي صافي الإنفاق الخارجي.
أما تضخم التكاليف فيتعلق بجانب العرض، ويحدث بسبب ارتفاع أسعار المدخلات وعوامل الإنتاج والمواد الأولية التي ترفع تكاليف الإنتاج، مما يؤدي بالنتيجة إلى انخفاض العرض الكلي.
ثالثاً:- الإنفاق الاستهلاكي الخاص: هو كل ما ينفقه القطاع العائلي على شراء السلع المعمرة، مثل السيارات والأثاث، وغير المعمرة كالسلع الغذائية ومواد التنظيف، كما يشتمل الإنفاق على الخدمات كخدمات الطبيب والتعليم والنقل والمواصلات والكهرباء وغيرها من الخدمات الأخرى.
رابعاً:- تحليل العلاقة بين التضخم والإنفاق الاستهلاكي الخاص في دولة الكويت:
تعد دولة الكويت من الدول العربية الغنية بالثروات الاقتصادية الكبيرة. فعلى الرغم من صغر مساحتها إلا أنها تمتلك العديد من الموارد وخاصة النفط، وهي صاحبة أعلى سعر صرف بالعالم، حيث يقدر سعر صرف الدينار الكويتي ب 3 دولار، وارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بسبب محدودية عدد السكان وارتفاع الإيرادات النفطية التي تشكل ما نسبته 80% من إيرادات دولة الكويت.
وعند متابعة الإنفاق الاستهلاكي بين الأعوام 1984 إلى 1995، نجد هناك ارتفاع متزايد في الإنفاق نتيجة للوعي الكبير لدى سكان الكويت للمحافظة على مستوى الرفاهية والتمتع بأفضل الخدمات، إضافة إلى العمل في التجارة والملاحة البحرية. وخلال الفترة من 1985 إلى 1995 نجد هناك تذبذب في الإنفاق الاستهلاكي، فخلال الأعوام الخمس الأولى ازداد الإنفاق بشكل كبير بسبب الانفتاح على العالم الخارجي والزيادة في العمل بالتجارة والثروة السمكية وارتفاع الإيرادات النفطية، لكن بعد أحداث أغسطس 1991 نرى أن هناك انخفاض في الإنفاق بسبب الأحداث التي جرت وما تبعها من دمار للآبار النفطية وتدمير معظم البنى التحتية وتوقف إنتاج النفط في حينها، إلى أن أخذت الحكومة الكويتية تستعيد عافيتها من خلال الإعمار ومساعدات بعض دول الخليج، وتم استئناف إنتاج النفط والتطور الكبير فيه من عام 1995- 2007 بسبب الارتفاع الكبير في أسعار النفط والإيرادات المتحققة منه، وبالتالي ارتفاع مستوى الإنفاق للأسر الكويتية. وحسب ما أعلنه الدكتور عبدالله سهر مدير الإدارة المركزية للإحصاء الكويتي، بلغ متوسط الإنفاق الشهري للأسر الكويتية حوالي 3723 دينار، تنفق على الأغذية والمشروبات والسجائر والأحذية والملابس والسكن والمياه والكهرباء والغاز والنقل والمواصلات والأثاث والتجهيزات، وجزء قليل من الدخل الشهري ينفق على التعليم والصحة، فيما ينفق الجزء الأكبر على الترفيه والثقافة والمطاعم والفنادق والسياحة والسلع والخدمات المتنوعة.
أما خلال الفترة 2008- 2015 نرى هناك تفاوت في الإنفاق، وذلك بسبب الأزمة المالية العالمية عام 2008 وانخفاض أسعار النفط. وقد أدى ذلك إلى انخفاض الإيرادات النفطية، الأمر الذي دفع الحكومة الكويتية إلى التخلي عن ربط الدينار الكويتي بالدولار، وربط سعر الصرف بسلة من العملات، وخاصة البلدان التي تربطها علاقة وثيقة بالكويت عبر عمليات تجارية ومالية مؤثرة في الاقتصاد الكويتي، والذي أخذ يستعيد عافيته. عاد الإنفاق الاستهلاكي للأسر الكويتية للارتفاع تدريجيا في الأعوام 2012-2015، إذ أخذ سعر النفط بالارتفاع تدريجيا، وارتفعت العوائد النقدية منه، وبما أن الكويت عدد سكانها لا يتجاوز المليوني نسمة، فإن متوسط دخل الفرد كبير، وبالتالي يحافظ على نفس مستوى الرفاهية والمعيشة، ويستمر الإنفاق الاستهلاكي لهم على نفس النهج.
أما الفترة الممتدة ما بين (2024-2016) فقد شهدت تقلبات في معدل الإنفاق الاستهلاكي الخاص نتيجة انخفاض أسعار النفط وتراجع العوائد المتحققة منه، وحدوث جائحة كوفيد 19، والتي أدت إلى حدوث ركود كبير في النشاط العالمي وغلق المنافذ بين الدول.
لكن بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 وانخفاض الإيرادات النفطية، نرى أن هناك انخفاض واضح في نسب التضخم عن السنوات السابقة، وكذلك انخفاض أسعار النفط عام 2013، وتراجع نصيب الفرد من الدخل القومي، كما أن شعور المواطن الكويتي بضرورة تنظيم دخله الشهري والمحافظة على نفس المستوى المعيشي أدى إلى تخفيض إنفاقه على بعض السلع، وخاصة الكمالية منها، وهذا ما حدث للغالبية من سكان دولة الكويت. أما الفترة الممتدة ما بين (2015-2019) فقد شهدت نوعا ما تراجع في معدلات التضخم بسب الاستقرار في النشاط الاقتصادي وتعافي أسعار النفط والإصلاحات التي قامت بها الحكومة من خلال رسم السياسات الاقتصادية المناسبة واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الضغوط التضخمية، ولكن ما لبث أن عادت معدلات التضخم إلى الارتفاع للمدة (2020-2024) بسب الآثار الكبيرة التي خلفتها جائحة كوفيد 19 على الاقتصادات العالمية، وما نجم عنها من شح في السلع والخدمات أدى إلى ارتفاع أسعارها.
ويمكن الاستعانة بالشكل (1) الذي يظهر تطور العلاقة بين معدل نمو الإنفاق الاستهلاكي والتضخم خلال الفترة (1984 – 2024)
أما بالنسبة للتضخم، فهناك تقلب في نسب التضخم في الكويت على طول فترة الدراسة، حيث أن هناك ارتفاع بسيط في الفترة ما بين عامي 1975 إلى عام 1980. إذ شهدت الكويت تقدماً عمرانيا واضحاً، حيث بنيت المستشفيات وتطور الإسكان والمرافق العمرانية، وأنشئت الجمعيات التعاونية، وجهزت دوائر الدولة بأحدث الأجهزة آنذاك، وبالتالي نلاحظ ارتفاع معدلات التضخم بسبب زيادة النفقات على كافة المرافق العامة. وخلال الفترة من 1980 إلى عام 1990 نلاحظ تقلب واضح في معدلات التضخم نتيجة الانفتاح التجاري الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار للمواد الغذائية والمشروبات والملابس وخدمة السكن والنقل والمواصلات والخدمات المنزلية والتعليم والصحة، وارتفاع أسعار السكن والفنادق وأسعار السجائر والتبغ، وهذا ما يسمى بالتضخم المستورد نتيجة الترابط بين الأسعار المحلية الموجودة في السوق وارتفاع الأسعار الدولية. لكن نسب التضخم انخفضت ما بين عامي 1990-1991 نتيجة أحداث حرب الكويت وتوقف إنتاج النفط الذي عاد إلى التصدير عام 1992، وأخذت الإيرادات تزداد تدريجياً، وارتفع متوسط دخل الفرد مما زاد من إنفاقه على السلع الاستهلاكية، وارتفاع الأسعار في الأعوام 1993-1994-1995- 1996، إلى أن حدث الارتفاع الكبير في أسعار النفط خلال الفترة من عام 1998 إلى 2007، حيث كان متوسط دخل الفرد في الكويت هو الأعلى عالمياً، حسب التقرير الذي نشرته وكالة موديز لخدمات المستثمرين عام 2009، وصاحب هذه الفترة ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات نتيجة لزيادة الإنفاق الاستهلاكي وحدوث تضخم عالمي في أسعار السلع والمنتوجات التي يتم تصديرها إلى الكويت، وكذلك سبب هذا التضخم هو توفر السيولة النقدية لدى الكثير من المواطنين بسبب زيادة المعروض النقدي .
جدول رقم (1) نتائج التقدير الأولي لمنهجية ARDL للعلاقة بين التضخم والانفاق الاستهلاكي الخاص
Selected Model: ARDL(1, 1)
|
||||
Variable | Coefficient | Std. Error | t-Statistic | Prob.* |
INF(-1) | 0.126013 | 0.084983 | 1.48281 | 0.1464 |
EXP1 | 8.46361 | 3.878034 | 2.182448 | 0.0353 |
EXP1(-1) | -8.686052 | 4.148896 | -2.093582 | 0.043 |
R-squared | 0.054745 | Mean dependent var | ||
Adjusted R-squared | 0.004995 | S.D. dependent var | ||
S.E. of regression | 14.3498 | Akaike info criterion | ||
Sum squared resid | 7824.836 | Schwarz criterion | ||
Log likelihood | -165.8319 | Hannan-Quinn criter. | ||
Durbin-Watson stat | 1.59584 |
المصدر: مخرجات البرنامج Eviews الإصدار 12
الشكل 2 اختبار فترة الإبطاء المثلى لنموذج ARDL .
المصدر : مخرجات برنامج Eviews الاصدار 12
ونجد من نتائج الجدول 1 والشكل 2 أن أفضل نموذج هو ARDL 1,1 ، وهو يمثل أفضل علاقة بين متغيرات الدراسة في الكويت خلال المدة 1984-2024، وللتأكد من وجود تكامل مشترك بين متغيرات الدراسة حسب أسلوب ARDL يستلزم إجراء اختبار الحدود، والجدول 2 يظهر نتائج اختبار الحدود.
جدول رقم 2 اختبار الحدود للعلاقة بين التضخم والإنفاق الاستهلاكي الخاص
Test Statistic | Value | k |
F-statistic | 5.073712 | 1 |
Critical Value Bounds | ||
Significance | I0 Bound | I1 Bound |
10% | 2.44 | 3.28 |
5% | 3.15 | 4.11 |
2.50% | 3.88 | 4.92 |
1% | 4.81 | 6.02 |
المصدر : مخرجات برنامج Eviwes الاصدار 12
ونجد من الجدول 2 أن F المحسوبة أكبر من F الجدولية وعند مستوى أقل من 1.05، مما يعني أن هناك تكامل مشترك طويل الأجل بين الإنفاق الاستهلاكي الخاص والتضخم في الكويت للمدة 1984-2024، لذلك ينبغي تقدير المرونات الطويلة والقصيرة الأجل، وكما في الجدول 4.
جدول رقم 3 نتائج تقدير المعلمات في الأجل القصير والطويل
Cointegrating Form | ||||
Variable | Coefficient | Std. Error | t-Statistic | Prob. |
D(EXP1) | 8.46361 | 3.878034 | 2.182448 | 0.0353 |
CointEq(-1) | -0.873987 | 0.084983 | -10.28429 | 0.000 |
Cointeq = INF – (-0.2545*EXP01)
|
||||
Long Run Coefficients | ||||
Variable | Coefficient | Std. Error | t-Statistic | Prob. |
EXP1 | -0.254515 | 0.529812 | -0.480387 | 0.6337 |
المصدر : مخرجات برنامج Eviwes الاصدار 12
تشير نتائج جدول رقم 3 وجود تكامل طويل الأجل بين التضخم والإنفاق الاستهلاكي في الكويت، مؤكدة نتائج اختبار الحدود، لأن معلمة تصحيح الخطأ CointEq(-1) سالبة ومعنوية عند مستوى أقل من 0.01، مما يعني أن تصحيح الاختلال بين الاتفاق الاستهلاكي يتم تصحيحه خلال 0.87 من السنة في دولة الكويت، كما تظهر النتائج هنالك استجابة قصير الأجل تتجه من الإنفاق الاستهلاكي الخاص للسنة السابقة إلى التضخم في السنة الحالية، وهذه الاستجابة معنوية عند مستوى أقل من 0.05، وبالتالي أثبتت معلمة تصحيح الخطأ أن أي اختلال بين التضخم والإنفاق الاستهلاكي الخاص في دولة الكويت يتم تصحيحه خلال فترة أكثر من عشرة أشهر 0.87 *12 =10.4. كما أظهرت نتائج المعلمات في الأجل الطويل إلى وجود علاقة عكسية بين التضخم والإنفاق الاستهلاكي الخاص، إلا أن هذه الاستجابة غير معنوية حتى عند مستوى 0.1، يمكن تفسير النتائج أعلاه إلى أن زيادة الإنفاق الاستهلاكي الخاص، والذي يعتبر أحد المكونات الأساسية للطلب الكلي، سوف يؤدي إلى زيادة الطلب، ويقابل ذلك عدم مرونة العرض الكلي لمواكبة هذه الزيادة الكبيرة في الطلب، وهذا بدوره يعمل على ارتفاع المستوى العام للأسعار في الأجل القصير، وهذا مطابق للنظرية الكلاسيكية والكنزية. أما سبب العلاقة العكسية في الأجل الطويل بين التضخم والإنفاق الاستهلاكي الخاص، هو أن زيادة الإنفاق الاستهلاكي الخاص، أي زيادة الطلب الكلي، سوف تؤدي إلى تفاؤل المستثمرين في المستقبل، وهذا سوف يشجعهم على زيادة استثماراتهم، مما يؤدي إلى زيادة طلباتهم على السلع، وبالتالي فإن المعروض من السلع سوف يكون كبير في الأمد الطويل، وهذا يعمل على خفض المستوى العام للأسعار.
ختاماً إن الزيادة في الإنفاق الاستهلاكي الخاص طيلة فترة الدراسة هو بسبب الزيادة في الإيرادات النفطية، لأن الكويت دولة ذات اقتصاد أحادي الجانب تعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية، وكذلك ثبات سعر الصرف للدينار الكويتي والانفتاح التجاري الكبير مع العالم الخارجي أسهم في زيادة نسب التضخم وخاصة التضخم المستورد.
الدكتور سالم محمد المعطش
مدير مكتب الوطني لتدقيق الحسابات
alwatani334@gmail.com