اندماج البنوك وأثره الإيجابي والسلبي على الاقتصاد

بقلم/ د. محمد غازي المهنا
دكتوراة في الرقابة القانونية على هيئة سوق المال
m7md_almuhanna@hotmail.com
ماهية الاندماج المصرفي
لقد أضحى الاندماج المصرفي وسيلةً تلجأ إليها المصارف الكبيرة والصغيرة في الدول المتقدمة قبل الدول النامية، حيث كان الغرض الذي تسعى إلى تحقيقه: تحسين الجودة، ومواجهة المنافسة، وزيادة الربحية من رأس المال… إلخ؛ الأمر الذي يقتضي تعريف مفهوم الاندماج المصرفي، وبيان أهميته، وشروطه، وأهدافه، وآثاره على القطاع المصرفي.
الاندماج المصرفي وأهم خصائصه:
أولًا: تعريف الاندماج المصرفي
يمكن تعريفه على أنه: *«شراء مصرفٍ ما لمصرفٍ آخر، فيُسمّى المصرفُ المشتري بالمصرفِ الدامج، والمصرفُ البائع بالمصرفِ المندمج؛ وذلك إما لتشابه المنتجات، أو تشابه مراحل عملية الإنتاج، أو الرغبة في التوسع في مجالٍ معين.»*¹
ويُعرَّف أيضًا بأنه:
«اندماجُ مصرفٍ صغيرٍ بمصرفٍ أكبرَ منه، ينجمُ عنه اختفاءُ المصرفِ الأول، وقد يقومُ المصرفُ الأكبرُ بشراءِ جميعِ أسهمِ المصرفِ الأصغر، أو ببيعِ أسهمِه مقابلَ الحصولِ على أسهمِ مصرفٍ جديد، أو بشراءِ موجوداتِ وأصولِ المصرفِ الصغير؛ على أن يقومَ مساهمو المصرفِ الصغير بعدَ ذلك بحلِّ مصارفهم وتصفيتها.»
وهو كذلك:
«اتحادٌ بين مصرفين أو أكثر تحت إدارةٍ واحدة، وقد يؤدي الاندماج إلى زوالِ كلِّ المصارف المشاركة وظهورِ مصرفٍ جديدٍ له صفةٌ قانونيةٌ مستقلة، أو ضمّ تلك المصارف إلى المصرفِ الدامجِ الذي يمتلكُ كافةَ الحقوقِ ويلتزمُ بكافةِ الالتزاماتِ قبل الغير، وقد يكونُ الاندماجُ جزئيًا من خلال الاستحواذِ على حصصٍ مؤثرة من أسهمِ الملكية.»
يُعتَبَر اندماجُ المصارف من الصور التي تلجأ إليها المؤسسات المصرفية للحاق بالتطور الاقتصادي العالمي المصاحب للعولمة وعصر التكتلات الاقتصادية والمالية الكبرى، إذ قد يكون الدمج بين مؤسستين مصرفيتين أو أكثر تحت مسمى واحد، أو عبر ظهور مصرفٍ جديدٍ له صفته القانونية المستقلة.
لكن هذا النوع من الاندماجات – كما أن له نتائج إيجابية – قد تكون له أيضًا آثار سلبية، والأمر يعتمد على مبررات هذه العملية ودراسات الجدوى المعدّة لها.
الآثار الإيجابية لاندماج البنوك
1- زيادة رأس المال: يتيح الاندماج للبنك الجديد الحصولَ على رأس مالٍ أكبر؛ مما يعزّز قدرتَه على تمويلِ المشاريعِ الضخمة والمساهمةِ في النمو الاقتصادي.
2- تحسين الأداء المالي: من خلال تقليص التكاليف التشغيلية وتكاليف المعاملات؛ مما يساهم في زيادة ربحية البنوك واستقرار الاقتصاد.
3- زيادة الإقراض للمنشآت الصغيرة والمتوسطة: بفضل ارتفاع الملاءة المالية للبنك المندمج.
4- التوسع الإقليمي: يمنح الاندماج البنوك القدرة على تعزيز الانتشار إقليميًا ودوليًا، ورفع قدرتها التنافسية.
5- تعزيز الابتكار الرقمي: عبر تطوير الخدمات وتحسين تجربة العملاء.
الآثار السلبية لاندماج البنوك
1- تقليص المنافسة: قد يؤدي الاندماج إلى خلق احتكاراتٍ أو احتكاراتِ قلّة؛ مما يقلّل المنافسة في السوق المصرفي، ويؤثّر على العملاء من حيث الأسعار والخيارات المتاحة.
2- زيادة معدلات البطالة: بسبب تسريح الموظفين بعد الاندماج.
3- مخاطر التعثر: إذ إن تعثرَ البنوكِ الكبرى قد ينعكسُ على الاقتصادِ ككل.
ثانيًا: أثر الاندماج على النظام المصرفي
1- الآثار الإيجابية:
أ- انتقال الذمة المالية: يترتّب على الاندماج انتقال الذمة المالية للمصرفِ المندمجِ إلى المصرفِ الدامجِ الذي يحلُّ محلَّه في جميع حقوقه والتزاماته؛ مما يعني أنه ليس بحاجةٍ إلى سداد التزاماتِه بصورةٍ منفصلة.
ب- زيادة قاعدة رأس المال: مما يمكّن المصرف الجديد من:
– تحمّل المخاطر المالية بصورةٍ أكبر،
– ترويج المشروعات وإدارة العمليات بنجاح،
– وتجنّب الأزمات والهزّات المالية وتقليل آثارها السلبية.
ج- ارتفاع التصنيف الائتماني للمصارف المندمجة: حيث يُوضَعُ الكيانُ الجديد في ترتيبٍ ائتمانيٍّ أفضل.
د- تحسين التكنولوجيا والموارد البشرية والخدمات: مما يتيح الاستثمار في الكفاءات التنظيمية والتطوير التقني.
هـ- إعادة الهيكلة: بشرط أن يمتلك المصرفُ الحائز إدارةً قويةً وقدرةً على تفعيل النتائج المرجوة من الاندماج.
2- الآثار السلبية:
أ- ضعف العناية بالعملاء نتيجة كبر الحجم.
ب- ظهور أوضاعٍ غيرِ متوازنةٍ وتراجعِ الدافعِ نحو التطوير، مما يؤدي إلى اختلالاتٍ في السوق المصرفي ويؤثّر سلبًا على البيئة الاستثمارية بصفةٍ عامة.
ج- تعثر المصارف العملاقة قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية كبرى، كما حدث في بعض الأزمات المالية العالمية.
ثالثًا: أثر الاندماج على مستوى الأداء المصرفي
يُمكِن تقييمُ أثر الاندماج على أداء المصرف عبر قياس التغير في:
1- الكفاءة الإدارية: قدرة المديرين على السيطرةِ على التكاليف وزيادةِ الإيرادات.
2- الربحية والأداء: إذ يكون المصرفُ الدامجُ عادةً الأفضلَ أداءً قبل الاندماج، ليعملَ بعدَهُ على تحسينِ أداء الكيان الجديد وخفضِ التكاليف؛ وقد ثبت في بعض الدراسات تحسّن العائد وتقليل المخاطر في عدد من الأسواق الناشئة.
3- اقتصاديات الحجم والمجال: حيث تستفيدُ المصارف الصغيرةُ أكثرَ من زيادة الغلّة، بينما قد تشهد المصارف الكبرى ثباتًا أو انخفاضًا في الغلّة؛ نظرًا لكفاءتها الأصليةِ في تحقيق الربحية وكفاية التكاليف.
4- القيمة السوقية للأسهم: حيث قد يؤثرُ انخفاضُ أسهمِ المصارفِ المتعثرةِ على ارتفاعِ أسهم المصارف المستهدفةِ للنمو.
أساسيات حول الاندماج المصرفي
تعتمد عمليةُ الاندماج المصرفي على ضوابطَ دقيقةٍ تهدف إلى تحسينِ وضعِ المصارفِ القائمة، عبر الخروجِ بكياناتٍ مصرفيةٍ أقوى وأقدر على جلبِ حصةٍ سوقيةٍ أكبر، مع تنويعِ أنواعِ الاندماجاتِ ومراحلِها، والتركيز على تجاربِ الدولِ الأوروبية والآسيوية والعربية.
أنواع الاندماج المصرفي:
أولًا: من حيث طبيعة نشاط الوحدات المندمجة، ونميز بين ثلاثة أنواع:
1- الاندماج الأفقي: يتمُّ بينَ مصرفين أو أكثر يعملان في نفسِ طبيعةِ النشاط أو أنشطةٍ مترابطةٍ أو مكملةٍ لبعضها (مثل: اندماج مصارف تجارية، متخصصة، أو مصارف إسلامية).
2- الاندماج الرأسي: يتمُّ بينَ المصارفِ الصغيرةِ في المناطقِ والبنوكِ الكبرى في المدنِ الرئيسية، بحيث تُضَمُّ الفروعُ الصغيرةُ امتدادًا للكيانات الكبيرة؛ بهدف تحسينِ وصولِ الخدمات وضمان الانتشارِ الجغرافي.
3- الاندماج المختلط: يتمُّ بينَ مصرفين أو أكثر يمارسان أنشطةً مختلفة، وبذلك تتحققُ عمليةُ تكاملٍ في الخدمات، وقد ينتجُ عن ذلك مصرفٌ عملاق بأنشطةٍ متعددةٍ ومختلطة.
عيوب الاندماج المصرفي
1- قد تنتجُ عن عملية الاندماج أوضاعٌ احتكاريةٌ أو شبهُ احتكاريةٍ في السوق.
2- كبر حجم المصرف الجديد قد يؤديُ إلى ضعف الاهتمام بالعملاء، خاصةً عملاءِ المصرفِ المندمج؛ مما يدفعهم للتوجه إلى مصارف أخرى.
3- إخفاءُ بعضِ المعلوماتِ والبياناتِ أثناء عملية الدمج قد يزيدُ المخاطرَ ووقوعَ الأخطاءِ وعدمَ تداركِها في الوقت المناسب.
4- فقدانُ عددٍ من الموظفين وظائفَهم أو تغييرُ درجاتِهم الوظيفية؛ ما ينعكسُ سلبًا على كفاءةِ الإدارةِ والإنتاجية.
5- قلةُ الخياراتِ لدى العميل وارتفاعُ كلفةِ الخدماتِ نتيجةَ تراجعِ المنافسةِ الحقيقية في السوق.
6- التكلفةُ الاجتماعيةُ الباهظةُ لعمليات الدمج وما يترتب عليها من بطالةٍ تؤثّرُ على المجتمع.
7- التركيزُ على خفضِ النفقاتِ دونَ مراعاةِ الأهدافِ الاستراتيجيةِ بعيدةِ المدى قد يخلقُ ضغطًا على الكيانِ الجديدِ مستقبلًا.
8- قد يظهرُ مصرفٌ كبيرُ الحجمِ لكنه ضعيفٌ إداريًا وجودةُ خدماتِه مُتدنّية؛ إذا تمّ الدمجُ وفقَ اعتباراتٍ غير اقتصاديةٍ أو بإدارةٍ غير كفؤة.
9- التراخي في الرقابة والإشراف بعد الاندماج، والاعتقاد الخاطئ بأن الحجمَ يحمي من الانهيار، رغم أن المصارف العملاقةَ تحتاجُ إلى مزيدٍ من الالتزامات والضوابط للحفاظ على الاستقرار.
أثر الاندماج المصرفي على الصناعة المصرفية
1- على المنافسة: يعتمدُ على تعريفِ السوق ودرجةِ التركز والقوانينِ الحاكمة والظروفِ الاقتصاديةِ ومدى فاعليةِ تطبيقِ أنظمة منعِ الممارساتِ الاحتكارية.
2- على إنتاجية وأداء الصناعة: يتحسّنُ أداءُ القطاع عادةً إذا نجحَ الاندماجُ وارتفعت كفاءةُ الكيانُ الجديد.
3- على أسعار الفائدة: في الأسواق الأكثرَ تركزًا قد تنخفضُ فائدةُ الودائعِ بسبب سيطرةِ الكياناتِ الكبرى.
4- على العمالة: يرتفعُ أو ينخفضُ رضا العاملين وفقَ تأثيرِ الاندماجِ على التوظيفِ والأجورِ وبنيةِ بيئة العمل.
5- على نظام المدفوعات الداخلية: عادةً تَرتفعُ كفاءةُ الشبكاتِ المعلوماتيةِ والمدفوعاتِ الإلكترونيةِ عند انخفاض عدد المصارف وارتفاع كفاءةِ التشغيل، وانتقال الموارد إلى الكيانات الأكثرَ قدرةً وتشغيلًا.
6- على تمويل المشروعات الصغيرة: قد يزيدُ حجم الائتمان في بعض الأسواق المحلية، بينما قد ينخفضُ عند اندماجِ المصارفِ العملاقةِ إذا لم توضع استراتيجياتٌ واضحةٌ لدعمِ ذلك القطاع.
مزايا الاندماج المصرفي وفوائده
1- تقليل المخاطر وتعزيز قوة رأسِ المالِ لمواجهةِ تقلباتِ الأسواق.
2- زيادةُ رأسِ المالِ وقدرة المصارف على الترويجِ للمشروعات والاستثمار.
3- مواجهة المنافسة الدولية، وتمكين المصارف المحلية من منافسة الكيانات العالمية.
4- الدخول إلى أسواق التمويل الدولية والتوسع الجغرافي عالميًا.
5- رفع مخصصات البحث والتطوير وتطوير الخدمات واكتشاف فرصٍ جديدة.
6- تعظيم الإيرادات والربحية وزيادة الحصة السوقية للمصرفِ الجديد.
7- فتح أسواق جديدة يقلّل التكاليف ويرفعُ الإيراداتِ عندَ حسن الإدارة.
أهداف الاندماج المصرفي
1- زيادة الثقة والطمأنينة لدى العملاء بتقديم خدماتٍ أقلَّ تكلفةً وأعلى جودةً.
2- خلق كيانٍ مصرفيٍّ أكثر عائدًا وأقلُّ مخاطرةً، وأعلى قدرةً تنافسيةً.
3- إحلال إدارةٍ أكثر خبرةً وكفاءةً في الكيانِ الناتجِ عن الاندماج.
4- تحقيق النموِّ والربحية وتوفير الوقت والجهد والمال عبرَ شراءِ كياناتٍ جاهزةٍ بدل تأسيسِ أخرى جديدة.
5- تعزيز الشراكة بين الإدارة والأفراد العاملين، وتشجيعهم على المشاركةِ في الحلول واتخاذِ القرارات.
6- تحسين كفاءة اتخاذ القرارات وتصميمِ الخططِ وتحديد المشكلاتِ بدقةٍ أكبر،** لضمانِ المعالجةِ واتخاذِ الإجراءاتِ التصحيحيةِ المناسبة.
7- الارتقاء بـ المستوى المعرفيّ والفكريّ والمهاريّ داخل المصرف عبر المشاركة الفاعلة للفريق.
امثلة على اندماجات حديثة
* في الهند، تتضمن المناقشات الحالية دمج ستة بنوك مملوكة للدولة مثل بنك الهند والبنك الهندي لما وراء البحار وبنك ماهاراشترا، بهدف تقليل عددها.
* في عام 2020، اندمج بنك أندرا مع بنك الاتحاد الهندي.
* في عام 2017، دمج بنك الدولة الهندي سبعة بنوك أخرى معه (بنك بهاراتيا ماهيلا، SBBJ، SBH، SBM، SBP، SBT).



