التدقيق الداخلي: هل تدرك الشركات الكويتية قيمته الحقيقية؟

بقلم: محمد عثمان – مدير التدقيق الداخلي
CPA,CIA,CMA,CRMA,CISA,CRISC,CERM,CFE, PMP,PBA.
رغم أن وظيفة التدقيق الداخلي موجودة في معظم الشركات الكبرى بالكويت، إلا أن السؤال الجوهري يظل قائمًا: هل هناك وعي فعلي داخل السوق الكويتي بقيمة هذه الوظيفة الاستراتيجية؟ أم أن التدقيق الداخلي لا يزال يُنظر إليه على أنه مجرد أداة رقابية لاستيفاء متطلبات الجهات التنظيمية؟
التدقيق الداخلي… أكثر من مجرد التزام رقابي
غالبًا ما يُفهم التدقيق الداخلي على أنه “مفتش يبحث عن الأخطاء” أو مجرد إجراء لإرضاء المساهمين والجهات الرقابية. لكن الواقع أبعد من ذلك بكثير. فالتدقيق الداخلي يمثل شريكًا استراتيجيًا في تعزيز كفاءة العمليات، إدارة المخاطر، وتهيئة بيئة اتخاذ قرار قائمة على بيانات دقيقة وشفافة.
ففي تقرير نشرته مجلة Harvard Business Review Arabia، جرى التأكيد على أن التدقيق الداخلي عندما يُمارَس بشكل فعّال، يمكن أن يقلل من الهدر في التكاليف ويحوّل الأنظمة التشغيلية إلى أدوات أكثر كفاءة، مما يرفع قدرة المؤسسة على النمو المستدام.
مثال عالمي ملموس يظهر قيمته: حين اكتشفت أجهزة التدقيق في إحدى الشركات أن قاعدة بيانات قديمة تستنزف آلاف الدنانير سنويًا في تراخيص غير مستخدمة، قدم المدققون توصيات لتحديث النظام، مما أدى لتخفيض التكلفة وزيادة الكفاءة.
المشهد الكويتي: بين الضرورة والتحدي
في السوق الكويتي، تشير تقارير صحفية اقتصادية – منها ما نشر في صحيفة القبس – إلى أن بعض الشركات في القطاع المالي والمصرفي بدأت بالفعل في تمكين إدارات التدقيق الداخلي، معتبرة إياها أداة استباقية لإدارة المخاطر خصوصًا في ظل متطلبات بنك الكويت المركزي التي تشدد على الحوكمة والضبط الداخلي.
مع ذلك، لا تزال العديد من الشركات العائلية وبعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تنظر إلى التدقيق الداخلي كـ “تكلفة إضافية” لا كاستثمار استراتيجي. هذا التضارب في النظرة يعكس ضعف الوعي الحقيقي بقيمة الدور الذي يمكن أن يلعبه التدقيق في كشف المخاطر المستقبلية مثل هجمات الأمن السيبراني أو تقلبات اللوائح الضريبية
أرقام تكشف مستوى الوعي
بحسب مسح Pulse Survey 2022 لجمعية المدققين الداخليين في الكويت بالتعاون مع “برتيفيتي”:
* %76 من المؤسسات لديها فرق تدقيق داخلي.
* %50 فقط أشركت هذه الفرق في إدارة الأزمات خلال جائحة كورونا.
* %30 من المؤسسات ما زالت بلا وظيفة لإدارة المخاطر.
* نقص واضح في المتخصصين في تدقيق تكنولوجيا المعلومات.
هذه الأرقام تعكس أن الوعي يتقدم، لكنه غير مكتمل.
إسهام مباشر في اتخاذ القرارات
أحد أهم جوانب قوة التدقيق الداخلي أنه يترجم التفاصيل الفنية المعقدة إلى خلاصة واضحة أمام متخذي القرار. فبدلاً من تقارير مطولة مثقلة بالأرقام، باتت فرق التدقيق الحديثة تعرض لوحات معلومات مُبسطة تلخص المخاطر والإجراءات ذات الأولوية. وهذا يعزز سرعة وفعالية القرارات.
مثلًا، أثبتت دراسة نشرتها Arabian Business أن الشركات التي فعّلت دور التدقيق الداخلي الاستراتيجي سجلت قرارات أسرع بنسبة 30% عند مواجهة مخاطر تشغيلية مقارنة بمثيلاتها التي تعاملت مع التدقيق كأداة تقليدية.
ثقافة تحسين مستمر.. لا لوم
من أبرز عناصر التدقيق الحديث هو التحول من عقلية “الكشف عن الأخطاء” إلى منهجية تطويرية تدعم الأقسام وتساعدها على الارتقاء بأدائها. فالمراجعة الداخلية لأنظمة الموارد البشرية مثلًا، لا تتوقف عند ملاحظة نقص في التوثيق، بل تمتد لتقديم توصيات عملية لأتمتة الإجراءات وتبسيط عمليات التوظيف والتدريب.
الخلاصة: حاجة ملحة لإعادة التفكير
لقد حان الوقت أن تدرك الشركات الكويتية – وبالأخص خارج القطاع المصرفي – أن التدقيق الداخلي ليس رفاهية بيروقراطية أو عبئًا ماليًا، بل هو محرك خفي لزيادة الكفاءة وحماية الاستثمارات ودعم استدامة النمو.
يبقى السؤال مفتوحًا أمام مجتمع الأعمال الكويتي:
هل سيتم التعامل مع وظيفة التدقيق الداخلي باعتبارها استثمارًا استراتيجيًا لا غنى عنه؟
أم سنظل نحصرها في إطار “التفتيش والامتثال”؟