مقالات

التدقيق الداخلي في شركات الخدمات المالية: خط دفاع استراتيجي يضيف قيمة حقيقية

بقلم: محمد عثمان  – مدير تدقيق داخلي

CPA,CIA,CMA,CRMA,CISA,CRISC,CERM,CFE, PMP,PBA.

 

استكمالًا لمقالنا السابق بعنوان: “التدقيق الداخلي: هل تدرك الشركات الكويتية قيمته الحقيقية؟” نواصل في هذه السلسلة تسليط الضوء على الدور الحيوي الذي يلعبه التدقيق الداخلي في القطاعات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية. وفي هذا المقال نخصص الحديث عن قطاع الخدمات المالية.حيث تُعد شركات الخدمات المالية من أبرز القطاعات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية (يضم نحو  45 شركة تقريبا  من أصل 140 شركة مدرجة تقريبًا ) ويكشف هذا الرقم عن الثقل النوعي لهذا القطاع في بنية السوق المحلية، سواء من حيث حجم تداولاته أو تأثيره على السيولة وثقة المستثمرين.

و حيث تلعب هذه الشركات دورًا محوريًا في إدارة الاستثمارات، منح القروض، تمويل المشاريع، إدارة المحافظ الاستثمارية، والوساطة المالية. ولأن أنشطتها ترتبط بشكل مباشر بمخاطر متنوعة مثل مخاطر الائتمان، الضمانات، التركز، والتحركات في أسعار العملات، فإن وظيفة التدقيق الداخلي لا ينبغي أن تُفهم هنا على أنها مجرد أداة رقابية، بل كآلية استراتيجية لرفع كفاءة العمليات وتعزيز ثقة المستثمرين والعملاء.

أين تتجلى أهمية التدقيق الداخلي لشركات الخدمات المالية؟  

علي سبيل المثال وليس الحصر

إدارة الاستثمارات والحد من المخاطر:

حيث يقوم التدقيق الداخلي بمراجعة وتقييم التزام الشركات بسياسات الاستثمار المعتمدة للتأكد من أنها متوافقة مع أهداف الشركة والقوانين المحلية والدولية، مما يقلل من مخاطر اتخاذ قرارات استثمارية عشوائية أو متسرعة.

كما يعمل التدقيق الداخلي على رصد القضايا والتحديات المحتملة مثل تجاوز حدود التفويض، تراكم المخاطر الائتمانية، أو توقف الاستثمارات الضعيفة الأداء، ما يمكّن الإدارة من اتخاذ إجراءات تصحيحية سريعة.

إدارة القروض والائتمان:

التدقيق الداخلي يسهم في مراجعة مدى التزام إدارات الائتمان بالسياسات المعتمدة عند منح التسهيلات المالية.

على سبيل المثال، في حالة منح قرض قصير أو متوسط الأجل، يساعد التدقيق الداخلي على التأكد من ملاءمة الضمانات المقدمة، وعدم تجاوز حدود الصلاحيات الائتمانية.

إحدى الملاحظات العملية التي سُجلت في إحدى شركات التمويل كانت: “تخفيض تغطية الضمانات بما لا يتماشى مع سياسة الشركة الائتمانية، ما قد يعرضها لمخاطر تعثر العملاء”. وهنا يأتي دور التدقيق الداخلي في التنبيه، وتقديم توصيات فورية لتعديل السياسات أو رفع مستوى الموافقة.

الضمانات العقارية وتقييمها:

نظرًا لاعتماد كثير من شركات الخدمات المالية على العقارات كضمان للقروض، فإن التدقيق الداخلي يتأكد من أن عمليات التقييم تتم بشكل صحيح، وفي الأطر الزمنية المحددة سنويًا.

في حالات عملية، سجّلت إدارات التدقيق الداخلي ضعفًا في تسجيل تقييمات العقارات داخل النظم الإلكترونية الخاصة بالقروض، مما هدد دقة البيانات. التدقيق هنا يضيف قيمة مباشرة عبر سد الفجوات وحماية أصول الشركة.

المنازعات والقضايا القانونية:

بحكم تعامل القطاع مع آلاف العملاء، فإن القضايا القانونية أمر وارد.

التدقيق الداخلي يضمن توثيق جميع المستجدات المتعلقة بالقضايا المحالة للمحامين، وقد يقترح إضافة أدوات متابعة الكترونية (مثل حقول خاصة في أنظمة إدارة القروض) لمعرفة الوضع القانوني لكل قضية، وتقليل فرص ضياع المعلومات أو تأخر المعالجات.

هنا يتحول التدقيق من دور “المُراجع” لدور المنظم الذي يقلل احتمالية الخسائر والتنفيذ القضائي البطيء.

التأكد من مصفوفة الصلاحيات والقرارات المالية:

من المخاطر الشائعة وجود تناقضات في حدود الصلاحيات المعتمدة داخل إدارات الائتمان.

التدقيق الداخلي يضبط هذه العملية عبر مراجعة السياسات والإجراءات بانتظام، واقتراح تعديلها بما يتماشى مع تطور حجم ونوعية العمليات الاستثمارية، وهو ما يقلل احتمالات اتخاذ قرارات تمويلية غير مدروسة أو خارج السياسة.

مخاطر العملة:

وباعتبار هذه الشركات تستثمر في أسواق متعددة محليًا وإقليميًا، فإن التعرض لتقلبات أسعار العملات أمر لا مفر منه.

التدقيق الداخلي يضيف قيمة هنا عبر:

  • تقييم أدوات التحوط المالية المستخدمة.
  • التأكد من وجود سياسات مكتوبة تحدد نسب التعرض المسموح بها لكل عملة.
  • رفع تقارير دورية للإدارة العليا ومجلس الإدارة بشأن مدى التزام الأقسام الاستثمارية بهذه الحدود.

📝 خاتمة: هل آن الأوان لتعزيز الدور؟

كما يتضح من الواقع العملي، فإن شركات الخدمات المالية لا يمكنها الاستمرار في بيئة تنافسية عالية ومليئة بالمخاطر دون تفعيل الدور الاستراتيجي للتدقيق الداخلي. هذه الوظيفة ليست تكلفة إضافية، بل استثمار استراتيجي يحمي رأس المال، يعزز الحوكمة، ويرفع من تنافسية الشركات في سوق الكويت للأوراق المالية.

والسؤال الذي يبقى مطروحًا:
هل ستبادر جميع شركات الخدمات المالية الكويتية إلى إعادة تمكين وظيفة التدقيق الداخلي كركيزة استراتيجية فعلية؟ أم ستظل بعض المؤسسات تفتقد هذا الدور الحيوي، لتواجه وحدها مخاطر السوق وتحديات المستقبل؟

📌 في المقالات اللاحقة:
سيجري التطرق إلى دور التدقيق الداخلي في مجالات أخرى من الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية مثل شركات العقار، شركات الصناعة، قطاع التكنولوجيا، وشركات الأغذية والتجزئة، مع عرض أمثلة عملية متخصصة لكل قطاع.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى