التدقيق الداخلي في قطاع البنوك: تعزيز الثقة وحماية الاستقرار

بقلم: محمد عثمان – مدير تدقيق داخلي
CPA,CIA,CMA,CRMA,CISA,CRISC,CERM,CFE, PMP,PBA.
يمثل القطاع المصرفي في الكويت حجر الزاوية للاقتصاد الوطني، حيث تضم البورصة 9 بنوك مدرجة من أصل 140 شركة مدرجة، لكنها تستحوذ على نحو 29.35% من إجمالي قيمة التداول طبقا لتقرير القطاعات الصادر من بورصة الكويت لشهر أغسطس 2025، ما يجعلها قلب النشاط المالي ومحرك الاستثمار. وهذه المكانة تجعل أي خطأ أو خلل مصرفي ذا أثر واسع على المجتمع والاقتصاد، الأمر الذي يبرز أهمية وجود إدارة تدقيق داخلي فعالة كخط دفاع استراتيجي يراقب العمليات، ويقيم المخاطر، ويوجه الإدارة نحو تعزيز الاستدامة بما يتماشى مع رؤية الكويت 2035 لبناء اقتصاد متنوع ومستدام.
يضم عمل البنوك العديد من الأنشطة الحيوية، وسنستعرض فيما يلي بعض الوظائف الهامة على سبيل المثال لا الحصر، مع توضيح المخاطر المرتبطة بها والدور الذي يمكن أن يقوم به التدقيق الداخلي في تعزيز كفاءتها:
الخدمات البنكية للأفراد
تشمل تقديم خدمات مباشرة للعملاء مثل فتح الحسابات الجارية والادخارية، منح التمويل الشخصي، إصدار البطاقات الائتمانية، وتنفيذ التحويلات المحلية والدولية عبر الفروع ومراكز الاتصال والقنوات الإلكترونية. هذه الخدمات تمثل واجهة البنك مع عملائه وتشكل الأساس في بناء الثقة والولاء.
لكن هذه العملية لا تخلو من المخاطر مثل
– مخاطر الائتمان: تعثر العملاء في سداد القروض الشخصية أو استخدام البطاقات الائتمانية بما يتجاوز قدرتهم على السداد.
– مخاطر تشغيلية: أخطاء إدخال بيانات العملاء أو تنفيذ تحويلات مالية غير دقيقة، مما قد يؤدي إلى شكاوى أو خسائر مالية.
– مخاطر السمعة: تأخر الاستجابة لشكاوى العملاء أو سوء الخدمة في الفروع، ما قد يؤثر سلباً على صورة البنك في السوق.
– مخاطر الالتزام الرقابي: عدم الالتزام بتعليمات البنك المركزي أو القوانين الخاصة بمعرفة العميل (KYC) ومكافحة غسل الأموال.
مثال: تأخر في معالجة طلب قرض شخصي أو حدوث خطأ في تحويل مبلغ كبير قد يؤدي إلى فقدان ثقة العميل وانتقاله إلى بنك منافس.
من هنا يظهر دور التدقيق الداخلي
* مراجعة جودة الطلبات المقدمة من العملاء والتأكد من استكمال المستندات والتوقيعات اللازمة.
* اختبار أنظمة معالجة العمليات الآلية واليدوية للكشف عن أي ثغرات أو فرص للغش.
* مراقبة مدى الالتزام باللوائح والتعليمات الرقابية مثل سياسات KYC.
* التحقق من وجود ضوابط قوية للفصل بين المهام وتقليل احتمالية الأخطاء أو التلاعب.
بهذا يسهم التدقيق الداخلي في حماية البنك من الخسائر المالية، تعزيز ثقة العملاء، وضمان توافق العمليات مع المعايير الرقابية.
الخدمات البنكية للشركات
تشمل تقديم التسهيلات التمويلية للشركات مثل القروض التشغيلية، تمويل المشاريع، الاعتمادات المستندية، وخطوط الائتمان. هذه الخدمات تساعد الشركات على التوسع وتطوير أعمالها، وتشكل في الوقت نفسه مصدراً رئيسياً لإيرادات البنوك.
لكن هذه العملية لا تخلو من المخاطر مثل
– التركّز في محفظة الائتمان: الاعتماد على عدد محدود من الشركات الكبيرة، مما يزيد من المخاطر إذا تعثرت هذه الشركات.
– ضعف التقييم المالي: منح تمويل دون دراسة كافية للقدرة المالية للشركة أو لمستوى المخاطر في قطاعها.
– سوء متابعة التسهيلات: عدم متابعة القروض الممنوحة بشكل دوري قد يؤدي إلى تراكم الديون وصعوبة تحصيلها.
مثال: إذا منح البنك قرضاً كبيراً لشركة إنشاءات دون تقييم دقيق لتدفقاتها النقدية، قد يواجه خسائر كبيرة في حال تعثر المشروع.
من هنا يظهر دور التدقيق الداخلي
* تقييم إجراءات منح القروض للتأكد من أن قرارات الائتمان تستند إلى دراسات جدوى وتحليل مالي شامل.
* مراجعة مخصصات الديون المشكوك في تحصيلها للتأكد من كفايتها ومطابقتها للمعايير المحاسبية.
* التحقق من وجود سياسات واضحة لإدارة حالات التعثر وخطط بديلة للتعامل مع الديون المتعثرة.
* فحص مدى التزام الإدارة بحدود الائتمان المقررة وتوزيع المخاطر على قطاعات متنوعة.
بهذا، يعزز التدقيق الداخلي استقرار المحفظة الائتمانية، يقلل من احتمالية الخسائر الكبيرة، ويدعم ثقة المساهمين والجهات الرقابية في كفاءة إدارة المخاطر بالبنك.
إدارة السيولة والاستثمار(الخزانة)
تتولى إدارة السيولة اليومية للبنك، الاستثمار في أدوات مالية مثل السندات، وإدارة مخاطر السوق المتعلقة بأسعار الفائدة والعملات. كما تساهم في تحقيق أرباح من خلال أنشطة التداول والاستثمار.
لكن هذه العملية لا تخلو من المخاطر مثل
– قرارات استثمارية عالية المخاطر قد تؤدي إلى خسائر كبيرة.
– سوء إدارة السيولة مما يسبب عجزاً في تغطية الالتزامات الفورية.
– تجاوز حدود التداول المصرح بها.
مثال: إذا استثمرت إدارة الخزانة في أدوات مالية عالية المخاطر دون تحوط كافٍ، قد يتعرض البنك لخسائر مباشرة تؤثر على نتائجه المالية وهو ما حدث لاحد البنوك المحلية – أزمة خسائر تتعلق بالمشتقات المالية عام 2008.
من هنا يظهر دور التدقيق الداخلي
* اختبار التزام موظفي إدارة الخزانة بالحدود المصرح بها في التداول.
* مراجعة نتائج الاستثمار والتأكد من توافقها مع سياسات المخاطر المعتمدة.
* التحقق من دقة التقارير المالية الخاصة بالسيولة ومطابقتها للواقع.
* تقييم مدى وجود خطط بديلة لتغطية السيولة في حالات الطوارئ.
وبهذا يسهم التدقيق الداخلي في تحقيق التوازن بين الربحية وإدارة المخاطر، مما يحمي البنك من الصدمات المالية.
مكافحة غسيل الأموال
تهدف إلى رصد العمليات المشبوهة، التحقق من هوية العملاء (KYC)، وضمان الالتزام بالقوانين المحلية والدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
لكن هذه العملية لا تخلو من المخاطر مثل
– تمرير معاملات مالية غير مشروعة عبر حسابات العملاء.
– ضعف متابعة الحسابات عالية المخاطر.
– التأخر في الإبلاغ عن العمليات المشبوهة للجهات الرقابية.
مثال: إذا لم يكتشف البنك عمليات تحويل متكررة وغير مبررة لعميل معين، قد يواجه عقوبات تنظيمية وغرامات باهظة.
من هنا يظهر دور التدقيق الداخلي
* اختبار فعالية أنظمة المراقبة الآلية لرصد العمليات المشبوهة.
* مراجعة تقارير الالتزام والتحقق من دقة وسرعة الإبلاغ.
* تقييم برامج التدريب الموجهة للموظفين حول مكافحة غسل الأموال.
* التأكد من تطبيق سياسة “اعرف عميلك” (KYC) بشكل كامل ودقيق
وبهذا يحمي التدقيق الداخلي البنك من المخاطر القانونية والمالية، ويعزز سمعته كجهة ملتزمة بالشفافية.
الخلاصة
في قطاع لا يحتمل الخطأ، يصبح التدقيق الداخلي أكثر من مجرد وظيفة رقابية. إنه أداة استراتيجية تكشف المخاطر مبكرًا، تعزز الشفافية، وتدعم قدرة البنوك على العمل بكفاءة واستدامة. فكل عملية مصرفية، من فتح حساب إلى تمويل مشروع، تحتاج إلى عين فاحصة توازن بين النمو والامتثال، وبين الربحية والاستقرار.