
ليس سراً أن رؤساء مجالس الإدارات المحتالين حول العالم وصلوا إلى مرحلة ضمور العاطفة والأخلاق، هذا إن كان لديهم ذرة عاطفة من الأساس، لما دمروا واستباحوا أموال وحلال صغار المستثمرين وأصحاب الملكيات الصغيرة والضئيلة…. لو كانوا يفكرون بمسؤولية، لما نام أحدهم دقيقة، ولما غفت أعينهم ثانية من هول ما ارتكبوه في حق من استأمنهم.
من غرائب هذه المصائب، أن يرى المتحسرون على أموالهم رؤساء شركات كانت يوماً ما من عمالقة الكيانات التجارية والاقتصادية حول العالم، يجوبون عواصم عالمية للنزهة والاستجمام والراحة، في حين أن آلاف المساهمين يترقبون إجراءات إفلاس الشركة منذ 10 سنوات تقريباً حتى يحصلوا على الفتات، بل فتات الفتات!
أصحاب الحلال من الذين هرموا سناً وشيبة يتساءلون، هل المماطلة والتسويف وتطويل الإجراءات وهي قصيرة بهدف السطو على ما تبقى من فتات؟
وهل تحتاج شركة إلى 10 سنوات للإفلاس وتوزيع ما تبقى من ” الحلال” على صغار المستثمرين وملاك الأسهم؟ إذا كانت شركة تحتاج عقد من الزمن للإفلاس، فكم تحتاج الشركة من العقود حتى يتم بناؤها؟ رغم أن الأمثال تقول أن الهدم سهل والبناء صعب.
لكن ما بين هذا وذاك، أي شعور ينتاب مساهم صغير تبددت معظم أمواله، والباقي منها في حالة جمود منذ الأزمة المالية العالمية، ويترقب الإفلاس للحصول على ما تبقى من الفتات، بماذا يشعر وهو يرى الرئيس يتنزه في ربوع الولايات، يتنقل بينها بالتخصص، هذه الولاية يختارها لزوم البحر والشواطئ، وهذه الولاية لزوم التسوق، وهذه الولاية لزوم التشييك الطبي وعمل الاستشارات والفحوصات، وهكذا؟!
هل يعتقد أي مساهم، بعد هذه السنوات وأمام هذا المشهد، أن الرئيس يفكر ليل نهار في أموال صغار المستثمرين الذين وثقوا في خطاباته الرنانة وشعاراته التي أطلقها أيام العز؟ سنحقق وسنذهب وسنقتنص وسنستحوذ وسننمو وسنوزع وسنتوسع وسنتمدد وسنعقد الصفقات وسنندمج، إلى آخر الشعارات الرنانة الطنانة الآسرة للعقول!
الرئيس الذي اختار الولايات المتحدة ليتنزه هذه الصيفية ترك صغار المساهمين يتجرعون قرار تمديد الإفلاس لسنوات مقبلة، يترقبون وينتظرون التمنن عليهم ليعطيهم فتات أموالهم التي دفعوها له ليمارس سوء الإدارة ويتهاون في حماية ما تم ائتمانه عليه.
نعم إنها سوء إدارة وإهمال وتقصير وتقاعس، وإلا كيف لشركة عملاقة تملأ استثماراتها أنحاء العالم شرقاً وغرباً، شركة تملك بنوك في دول إقليمية، وتملك شركات خدمات تحت مظلتها أساطيل من السيارات والمعدات، وتحت مظلتها عشرات الشركات من تابع وزميل وموجودات بمئات الملايين، كيف يمكن أن تختفي كل هذه الأرقام فجأة وتتحول من أصفار على اليمين إلى أصفار على اليسار بلا فائدة وبلا معنى!
كيف لأصول مليارية ذات جودة أن تذوب في لمح البصر، وكأنها جبل من الجليد أشرقت عليه الشمس فجأة بدرجة حرارة 75 درجة مئوية.
لكن إذ لم تردعك القوانين، على أساس أنك تمضي على الصراط المستقيم وملتزم بالإجراءات وصحيح الروتين، على الأقل تذكر صغار المستثمرين والمساهمين أصحاب المبالغ الضئيلة، الذين قصدوا الكيان الذي كنت تروج له ليل نهار، وتدعوهم إليه صباحاً ومساءًا، وتحثهم على الاستثمار فيه. تذكر قدرة الله، وتذكر أنك على مشارف النهاية، وكل هؤلاء يرفعون أكف الضراعة ليل نهار يتحسبون عليك.
كفى ما بددته! وكفى ما التهمته! وكفى ما استفدته أنت ومن حولك! استيقظ من غفوتك فقد طالت، والمغبون ينتظر الفتات ولا زال متمسكاً بالأمل …!