مقالات

دور القطاع الخاص وقسم الموارد البشرية في مكافحة العمالة السائبة والاتجار بالبشر

  • الاتجار بالبشر يمثل تحديًا كبيرًا ليس فقط من حيث حقوق الإنسان، بل أيضًا من منظور اقتصادي
  •  يتنافى الاتجار بالبشر مع الطبيعة البشرية، ومع تعاليم الشريعة الإسلامية وجميع الأديان السماوية
  • نجاح التجربة السعودية في معالجة العمالة السائبة رغم ضخامة الأعداد والتي تقدر بنحو 5 ملايين
  •  واستند نجاح التجربة السعودية إلى استعداد أعداد كبيرة من السعوديين للعمل في مختلف قطاعات الخدمات
  • الكويتيون يمثلون 21.1% فقط من سوق العمل.
  • المعالجة الشاملة لظاهرة الإتجار بالبشر تتطلب تنسيقًا بين جميع الجهات الحكومية، المجتمع المدني، والقطاع الخاص
  •  ضمان حماية حقوق الأفراد وتعزيز التنمية المستدامة إحدى بنود رؤية الكويت 2035.
  • تم إنشاء اللجنة الوطنية الدائمة المعنية بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمنع الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين في فبراير 2018
  • اللجنة يترأسها وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية.
  • تتلخص رؤية اللجنة في خلو البلاد من الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين وخلق وعي مجتمعي بمخاطره وآثاره السلبية.
  • ‏ حثت اللجنة المواطنين والمقيمين على الإبلاغ عن جرائم الاتجار بالبشر عبر الخط الساخن 25589696، والبريد الإلكتروني (ATHMOI.GOV.KW).       
  •  يجب أن يساهم القطاع الخاص في ملف منع الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين.
  • ضرورة قيام الجهات المعنية بإغلاق تراخيص شركات ومكاتب استقدام العمالة الوهمية.

في البداية، تُعد ظاهرةُ الهجرة ظاهرة تاريخية، اجتماعية، عالمية، متجددة وحق إنساني لكل شخص.  فمفهوم الهجرة ليس مفهومًا حديثًا؛ بل هو قديمٌ قِدَمَ الأزل؛ إذ عرفتها البشرية منذ زمن طويل؛ وذلك قبل ظهور الدول بمفهومها الحديث؛ حيث كان البشر أفرادًا وجماعاتٍ يهاجرون من مكان إلى مكان بحثًا عن الرزق والكلأ والماء، والاستقرار، أو هربًا من الكوارث الطبيعية، والعوامل البيئية، أو الغزوات العدوانية، والاضطهادات العرقية والدينية وغيرها.  وأهمية موضوع الهجرة؛ وبخاصة  “الهجرة غير النظامية”  يتعلق بموضوع مكافحة الإرهاب؛ حيث إن قضية مكافحة الإرهاب لم تَلْقَ اهتمامًا دوليًّا في بداياتها، وبخاصة من الدول الغربية، لكن عندما وصل الإرهاب إلى أراضيهم أصبح ضمن قائمة اهتماماتهم، وصارت له الأولوية في برامجهم وأجنداتهم؛ وذلك لما له من أثر سلبي في مصالح تلك الدول، وأمنها الوطني؛ ومن ثم انتقل هذا الاهتمام على بقية دول العالم.  وهذا هو الحال بالنسبة للعمالة السائبة (الهجرة غير النظامية)؛ حيث بدأ الاهتمام بها- مؤخرًا- من الدول الغربية؛ وذلك عندما بدأت هذه الظاهرة في التوسع والتأثير على مصالح تلك الدول؛ مما أدى إلى الاهتمام بها دوليًّا، واعتبارها من القضايا التي تستحق الاهتمام والمتابعة والمعالجة، ومما يؤكد أهمية هذه القضية وجود عدد من المؤشرات منها:

(1) أنها قضية ذات أبعاد سياسية واجتماعية وأمنية واقتصادية تؤثر في الأمن الوطني بمفهومه الشامل

 (2) الاهتمام الإعلامي الواسع- مؤخرًا- بظاهرة “الهجرة غير النظامية “؛ حيث يتم تناولها إعلاميًّا؛ وذلك بشكلٍ يومِيٍّ في وسائل الإعلام الغربية والعربية المختلفة؛ بوصفها قضية إعلامية مهمة يجدر الاهتمام بها ومعالجتها ومكافحتها؛ وذلك لما لها من أضرار على المصالح والأعمال والأمن القومي لجميع الدول.

وتعتبر دولة الكويت (و دول مجلس التعاون الخليجي) في مقدمة الدول التي شاركت في الاهتمام بهذه القضية وبهدف تعديل التركيبة السكانية في البلاد( رؤية الكويت 2035)، تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمنع الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين التي اعتمدها مجلس الوزراء بموجب قرار 261 في عام 2018، وشكلت اللجنة الوطنية المعنية بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمنع الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين، والتي يتمتع بعضويتها الجهات الحكومية ذات الصلة التي تعمل على التنسيق الكامل في مكافحة هذه الجريمة في ضوء أحكام القانون رقم «91» لسنة 2013 في شأن مكافحة الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين، كما تم إنشاء إدارة متخصصة في مكافحة الاتجار بالأشخاص عام 2015 تتبع الإدارة العامة للمباحث الجنائية وتعمل على تطبيق نص القانون وكذلك استحداث نيابة متخصصة في هذه القضايا.  وقد حدث هذا ضمن القوانين المحلية، والأنظمة الدولية مراعية في ذلك الأبعاد القانونية للصكوك والمواثيق الدولية.  وعلى الرغم من أهمية هذه القضية، ووضوح مخاطرها، قد لا يشعر الكثير من العامة، أو حتى بعض النخب الفكرية بأهمية الموضوع إلا أن غالبية المتخصصين الأمنيين والاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين المتابعين للموضوع يشعرون بهذه الأهمية.   فقد وصل الاهتمام العالمي بها اهتمامًا قد يضاهي اهتمامه بقضيتي: الإرهاب، وتهريب المخدرات وخصوصا بالسنوات الأخيرة.

وبفضل نعمة الأمن والأمان وحسن المعاملة وسهولة العيش في الكويت، تستقطب الكويت أعداداً كبيرة سنوياً من العمالة تمثل أكثر من 170 جنسية جاءت للبحث عن فرص عمل أفضل في بلد أكثر أمانًا، وفرارا من التحديات الأمنية والسياسية التي تواجههم في بلادهم، حتى يجد في دولة الكويت المال (قوة الدينار الكويتي) والأمن والاستقرار والغالبية منهم مثل السباكين والكهربائيين وعمال البناء والنجارين تعمل وتخدم في البناء والتنمية بكل إخلاص.  ولكن مع وجود النفوس الجشعة والضعيفة، تنامت ظاهرة استغلال السجلات التجارية والمُتاجرة بها، وأصبح من الأمور الظاهرة للعيان من خلال المتابعات القضائية من أوجه عديدة، إذ بات يتم إنشاء السجل التجاري بدون مقومات استثمارية حقيقية لأغراض الحصول على مكاسب من أوجه متنوعة مثل استقدام عمالة بدون فُرص توظيف حقيقية أو الحصول على قروض بنكية بدون أصول استثمارية ضامنة، أو التداخل في مناقصات ومزايدات بدون غطاء نقدي وبدون مقومات ملموسة للحصول على مكاسب تعود على الشركاء بدون مقومات فعلية للاستثمار أو التنفيذ، وغيرها من الأمثلة التي تتضح واقعياً من متابعة نوعيات القضايا المنظورة أمام المحاكم في السنوات الأخيرة، ولا شك أن جميع ذلك يؤثر على الاقتصاد الوطني في العموم. 

فقد تم تفعيل الشراكات مع الدول الصديقة ودعم دول مجلس التعاون الخليجي المستمر والدائم في إنجاح مسيرة التعاون الخليجي والعربي المشترك في إطار الارتقاء بمنظومة مكافحة وردع جرائم الاتجار بالبشر والذي يعد نموذجا يُحتذى به على الصعيدين الإقليمي والدولي، فلا يسع جميع الأطراف بدعم جهود الجهات الحكومية الجبارة مؤخرا (الخارجية، الداخلية، الهيئة العامة للقوى العاملة، والهيئة العامة للمعلومات المدنية) للتصدي للممارسات غير القانونية في سوق العمل والعمالة غير النظامية وذلك حماية للمجتمع ككل.  فتحقيق التعاون مع جميع البعثات الدبلوماسية وممثليهم المعنيين بالشؤون العمالية، والنظر في آليات تسهم في تحقيق رؤية الكويت 2035 ونحو تحقيق الشراكات وتطبيق توجيهات القيادة السياسية في هذا المجال ضروري جدا.

فالخلل الموجود أصبح في ملف العمالة يعد من المشاكل الكبيرة التي تواجه دولة الكويت لتأثيرها الأمني وانعكاساتها السلبية على القطاع الخاص والاقتصاد وغالبا ما يكون لها تأثير على المصالح العامة، بل وتمتد إلى المساس بسمعة الدولة في الداخل والخارج وأصبح أمرا تتطلبه ضرورات حماية حقوق الإنسان. 

فتنظيم سوق العمل اليوم (الكويتيون يمثلون 21.1% فقط) ضرورة وطنية ومسؤولية تقع على عاتق القطاع الخاص وقسم الموارد البشرية للقضاء على ظاهرة تكدس العمالة السائبة والغير احترافية (أي الاتجار) ومحاسبة الذي جلبهم وسمح بحدوث المخالفات، فهؤلاء هم المتسببون في وجود مثل هذه العمالة السائبة وخلل التوازن بين العرض والطلب للمهن التي يحتاجها السوق وقطاع الأعمال فعليا.  وبهذه الممارسات لجأ عدد منهم لارتكاب العديد من الأفعال غير المشروعة هروبا من الالتزامات المالية القائمة عليهم، والتي تتمثل بالآثار السلبية الخطيرة على المجتمع وعلى الدولة وتهدد الاقتصاد الوطني، وبالإضافة للأعباء الأمنية، وتحديات اجتماعية وغيرها خصوصا أثرها في تصنيف دولة الكويت دوليا.


كما تنعكس الآثار السلبية على القطاع الخاص أيضا، فعندما تجد الهيئة العامة للقوى العاملة أو وزارة الداخلية هذا الكم من العمالة السائبة داخل البلاد تجد نفسها مضطرة إلى تشديد إجراءات استقدام العمالة من الخارج (تعدلت في الأشهر الأخيرة) وإلزام شركات القطاع الخاص على استخدام العمالة الداخلية التي غالبا ما ينقصها الكفاءة المهنية بحيث أنها تكون غير مؤهلة بالقدر الكافي كما أنها غالبا لا تملك الخبرة الكافية، فنجد عددا كبيرا من المشاريع (خاصة مشاريع الصغيرة الشبابية) تعطلت بسبب تشدد وزارة الشؤون في استقدام عمالة متخصصة تتناسب مع متطلبات المشروع.  فدور القطاع الخاص وقسم الموارد البشرية في مكافحة الاتجار بالبشر يعد دورا مهمًا وحيويًا ضمن الجهود المبذولة لحماية الحقوق الفردية وتعزيز السلامة العامة.

ويسبب الظروف العالمية الجيوسياسية والمناخية، فإن التوقعات المستقبلية لهذه الظاهرة ستتزايد. وأود أن أذكر أن هناك عدة خيارات ووسائل للتعامل مع هذه الظاهرة، ولا يجب الأخذ بوسيلة واحدة دون غيرها، ومن أهمها: عمل الدراسات العلمية اللازمة، ودعم الأجهزة الأمنية بآخر التقنيات الحديثة (الذكاء الصناعي)، والإسراع مباشرة في تطوير وإنشاء مشاريع المدن العمالية وفق تجهيزات خدماتية وترفيهية وأمنية وصحية متكاملة، فقد أصبحت ضرورة ملحة تفرضها الشواهد التي تظهر بين فترة وأخرى، خصوصا أن فكرة المدن العمالية معمول بها في قطر والإمارات وتحقق الغرض من إنشائها، لاسيما أن جميع الخدمات متوافرة في المدن.  أما على المستوي الإداري في القطاع الخاص (زاد عدد المواطنين العاملين بالقطاع الخاص في 2023 من 71.8 ألف مواطن إلى 72.8 ألف مواطن بزيادة بلغت نسبتها 1.3%) هناك بعض الآليات والأساليب والإجراءات التي يمكن أن يسهم قسم الموارد البشرية بها في القطاع الخاص في هذا المجال مثل:

1.تطوير سياسات داخلية صارمة:

   – ينبغي على الشركات وضع سياسات واضحة ضد الاتجار بالبشر تشمل التوعية وتحديد السلوكيات غير المقبولة، سواء سماسرة من محترفي تجارة الإقامات التي توزع العمولات بينهم أو بعض أصحاب الشركات الجشعين، مما يضمن بيئة عمل آمنة وصحّية. ويجب تطوير سياسات وإجراءات فعالة، وتعزيز البيئة التي تضمن حقوق الأفراد وتساهم في حفظ حق العمالة في التقاضي العمالي، بإجراءات ميسرة، إلى جانب تقديم الدعم القانوني والفني بالشراكة مع الأجهزة القضائية من جهة، وأداة التعرف على مؤشرات الاتّجار بالأشخاص من جهة أخرى، ضمن إطار قانوني منظّم.

2.التدريب والتوعية والتعاون مع الجهات المعنية:

   – تنظيم دورات تدريبية لموظفي الموارد البشرية والموظفين الآخرين حول كيفية التعرف على علامات الاتجار بالبشر والتصرف بشكل مناسب عند الاشتباه مع عمل استراتيجية وطنية تتماشى مع التغيرات المحلية والدولية، وتطوراتها التقنية والحقوقية والإدارية.  إنني متأكد أن أصحاب الأعمال في القطاع الخاص ومعقبي المعاملات وموظفي الموارد البشرية لديهم أفكار في كيفية السيطرة على ظاهرة العمالة السائبة بمشاركتها مع الجهات المعنية المختصة في الدولة وأشجع إلى عقد ندوات ومؤتمرات وغرف اجتماعية يتم فيها النقاش حول الظواهر والسلوكيات التي تنتج عن هذه العمالة حيث تعتبر ظاهرة قديمة متجذرة ومسألتها مزمنة معقدة لن يتم القضاء عليها كليا أو جزئيا، خصوصا وأن دولة الكويت دولة مستوردة وجاذبة للعمالة.

3. إجراءات التوظيف الفعالة:

   – تحسين عمليات التوظيف من خلال التأكد من سلامة عمليات التحقق من الخلفيات والتأكد من حقوق العمال والممارسات العادلة في التوظيف ووضع آلية إلكترونية تتضمن التأكد من بيانات العامل البيولوجية وبصمته.

4. التعاون مع المنظمات الغير حكومية:

   – وبالتعاون مع الدول المصدرة للعمالة، يجب إقامة شراكات مع مختلف المنظمات الأهلية الرسمية المعنية المحلية والدولية والتي تعمل في مكافحة الاتجار بالبشر لتبادل المعرفة والخبرات وتحسين الاستراتيجيات بهدف إلى الحد من التأثير السلبي للمخاطر والمهددات الرباعية (الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية)، التي قد تشكلها العمالة، أو الشركات المخالفون‏ وذلك بهدف تفكيك، وتحليل، ومعرفة أسباب هذه الظاهرة، وكيفية مواجهتها، والقضاء عليها.

5. القنوات الآمنة للإبلاغ:

   – إنشاء قنوات يمكن للموظفين من خلالها الإبلاغ عن أي علامات واضحة مقلقة أو تصرفات غير قانونية بسرية ضد مخالفي الإقامة وتجار الإقامات وشركاتهم، مما يشجع على الإبلاغ عن استغلال الأشخاص الضعفاء واليائسين الذين يبحثون عن حياة أفضل. وأشدد هنا إلى ضرورة القضاء على أية معوقات تحد من فاعلية الجهود الحكومية، ومنها: التعامل مع العمالة المخالفة والعمل على وضع برامج توعوية احترافية، وغير تقليدية لقطع دابر التعاطف والتعاون مع هؤلاء المخالفين؛ وذلك مع التركيز على تعزيز قيم المواطنة لدى العاملين في الجهات المعنية.  ويشعر كثير من المواطنين والمقيمين بالضيق عندما يكتشف حين تضطرهم الظروف للاستعانة بأحد هؤلاء العمال، وذلك نتيجة مرور كثيرين منهم بتجارب مؤلمة مع عمالة غير ماهرة، ربما تصل الأضرار الناتجة عن عدم تجويد أعمالهم إلى تسرب المياه إلى داخل المنازل وإتلاف الأثاث أو تعطل أجهزتهم الكهربائية بصورة نهائية، أو حدوث ماس كهربائي قد تكون نتيجته احتراق المنزل بالكامل وفقدان الأرواح. كل ذلك لأن العمالة التي استعان بها ليست لها علاقة بتلك المهنة ولا تعرف أصول الصنعة.  فيجب عدم التستر عليهم الأمر الذي يجعل ايرادات هذه العمالة لا تدخل ضمن الناتج المحلي وتمنع أن تتحرك خارج نطاق الدولة وخارج دورة الاقتصاد الرسمية.

6. التأكيد على ثقافة الشمولية وعدم التفرقة:

   – تعزيز ثقافة الشمولية وعدم التفرقة في مكان العمل تستند إلى حقوق الإنسان، مما يجعل الموظفين يشعرون بالأمان والدعم بهدف بناء مستقبل أفضل لقطاعات العمالة بالبلاد، يُراعي القيم الإنسانية والأخلاقية لحقوق الإنسان، والمبادئ والآليات التي تعمل بها المواثيق الدولية التي تمت المصادقة عليها من قبل حكومة دولة الكويت وذلك للحرص على الارتقاء بتصنيف دولة الكويت في ملف منع الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين.

7. المسؤولية الاجتماعية للشركات:

   – الالتزام بمبادرات المسؤولية الاجتماعية من خلال دعم البرامج والمبادرات التي تستهدف مكافحة الاتجار بالبشر وتعزيز ثقافة والوعي بحقوق الإنسان والآثار الاجتماعية الصعبة، حيث من الممكن أن يكون هؤلاء الأشخاص المخالفون غير قادرين على استقدام عائلاتهم، أو القيام بجميع الأعمال بشكل شفاف وواضح، مثل فتح حسابات بنكية وغيره مما يجعل هناك اقتصادا خفيا يتحرك في البلاد كلما سادت العمالة السائبة والعمالة غير المسجلة، والتي تنشط ضمن ما يعرف بالاقتصاد المظلم والخفي  الذي يتم دون وجود أي رقابة رسمية (Black Market)، الأمر الذي يفتح الباب لاحقا لعمليات غير مشروعة، ذلك أن نقل وتحركات هذا النوع من العمالة مع عدم وجود رقابة يفتح الباب دائما أمام أي أخطاء مقابل أي أموال يتم دفعها.

8. مراقبة سلسلة التوريد بمكاتب التوظيف:

   – تطوير ممارسات واتفاقيات وإبرام العقود الحازمة والمسؤولة لضمان عدم ارتباط سلسلة التوريد بمكاتب التوظيف بالشركات أو مكاتب الخدم أو الأنشطة التي تساهم في الاتجار بالبشر وذلك لتوفير الأمن والأمان والمصداقية والشفافية.   

9. التفاعل مع الحكومة والقنوات الآمنة للإبلاغ:

   – التعاون مع الجهات الحكومية ذات الصلة لتعزيز التشريعات والسياسات المعنية بمكافحة الاتجار بالبشر.  فمع ضرورة وجود صدق النوايا والحس الوطني، تحث اللجنة الوطنية الدائمة المواطنين والمقيمين على الإبلاغ عن جرائم الاتجار بالبشر عبر الخط الساخن 25589696، والبريد الإلكتروني (ATHMOI.GOV.KW). هذه الخطوة ستسهم في الحفاظ على هوية الضحية أو المبلغ وسرية وخصوصية بياناته والمعلومات المقدمة منه، وإزالة المعوقات التي تحول دون الإبلاغ عن تلك الجريمة وملاحقة مرتكبيها فضلاً عن إغلاق ملفات الشركات المخالفة بشكل نهائي لدى «القوى العاملة»، وفرض عقوبات وغرامات عليها نظير جلبها العمالة عبر تجارة الإقامات، وتركها تعمل لدى غير كفلائها، إلى جانب ملاحقة قانونية لتلك الشركات المخالفة. يأتي ذلك في إطار الجهود المبذولة من اللجنة في تحقيق رؤيتها في وقاية المجتمع وحماية الضحايا والشهود في جرائم الاتجار بالأشخاص وتعزيز أطر الملاحقة القضائية وفق استراتيجية محددة.

10. التقييم المنتظم:

   – إجراء تقييمات دائمة لفعالية مبادرات مكافحة الاتجار بالبشر في المؤسسة وتعديل السياسات والإجراءات بناءً على النتائج.  من الأهمية إجراء مسح شامل للسوق لمعرفة أعداد العمالة وجنسياتها وجوانب عملها والمناطق التي تنتشر فيها، فربما نكون في حاجة لزيادة أعداد من يعملون في مهنة السباكة مثلا وتقليل النجارين، فالإحصائيات سوف توضح أين الخلل في قطاع سوق العمل وأين يعاني من وجود أعداد فائضة من العمال في بعض المهن، ومن شأن هذه الخطوة أن تؤدي إلى التخلص من أعداد هائلة لا حاجة لنا بها.

الخلاصة:

وألفت النظر في ختام مقالتي إلى أن هذا الأمر في غاية الأهمية وإنّ جريمة الاتّجار بالأشخاص جريمة عالمية واسعة الانتشار يستغل ويستخدم فيها الرجال والنساء والأطفال من أجل الربح، وتستهدف الأشخاص الضعفاء واليائسين الذين يبحثون عن حياة أفضل وتُعدُّ هذه الجريمة من أخطر الجرائم وأكبر التجارات غير المشروعة التي تهدد الأمن البشري؛ ما يستدعي التعاون الدولي لمكافحتها، وإعداد استراتيجية واضحة المعالم تأخذ بعين الحسبان طبيعة الجريمة وخطورتها؛ كونها تتنافى مع الطبيعة البشرية، ومع تعاليم الشريعة الإسلامية ومختلف الأديان السماوية التي قدست كرامة الإنسان وحرمت الاعتداء عليه بأي شكل من الأشكال وما يترتب على ذلك من سلوك غير قانوني متعلق بطرق الدفع ونقل الاموال والخدمات، مما يؤثر على حركة السيولة في الدولة ونظام اقتصادها.  كما يجب ضرورة قيام الجهات المختصة بتكثيف المتابعة، والتوسع في الأعمال الرقابية؛ وذلك باستخدام أحدث التقنيات، والبرمجيات في عالم الذكاء الاصطناعي، المتوافرة في عدد من الدول المتقدمة، مع ضرورة تكاتف الجهود الوطنية في هذا المجال الإنساني وتوحيدها لاسيما تجاه مراجعة التشريعات الوطنية النافذة وتقديم المقترحات نحو إدراج التعديلات اللازمة عليها والرد على الاستبيانات الدولية.  ولا ننسي الجهود التي تبذلها دولة الكويت مع دول مجلس التعاون فيما يتعلق بمكافحة الاتّجار بالبشر عبر منهجية واضحة وشاملة في دعم الضحايا وتوعية المجتمع بهذه الجريمة ومن هنا يمكن أيضا لقسم الموارد البشرية والقطاع الخاص (المسؤولية الاجتماعية) أن يلعبا دورًا رئيسيًا في مكافحة الإتجار بالبشر من خلال ومواصلة العمل على رفع الوعي المجتمعي بحقوق وواجبات العمالة الوافدة، وتعزيز ثقافة التصدي للعمل الجبري، من خلال تنظيم الفعاليات والحملات التوعوية بالشراكة والتعاون مع الجهات ذات الصلة لمكافحة الاتّجار بالبشر. 

إذا كانت لديك أي أسئلة أو تحتاج إلى مزيد من التفاصيل حول جوانب معينة، فلا تتردد في التواصل.

عدنان البدر.

باحث ومستشار استراتيجي في سياسة الموارد بشرية وبيئة العمل ورئيس ومؤسس الجمعية الكندية الكويتية للصداقة والأعمال. 

ckbafa@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى