تعريف غسل الأموال من الناحية الاقتصادية والقانونية

إن عملية غسل الأموال، كما هو ظاهر من اسمها، هي عملية تطهر من خلالها أموال لم يكن بالإمكان التعامل فيها إلا من خلال إضفاء صفة المشروعية عليها، بسبب أنها كانت ناتجة عن عمل غير مشروع، ومخالف لقوانين الإقليم الواقع فيها على نحو ما أسلفنا من أمثلة العمل غير المشروع.
ولا شك أن إضفاء صفة المشروعية هذه يستوجب القيام بعمليات اقتصادية ومالية تهدف إلى تسييل الأموال بصورة مشروعة ومرنة، ولذلك يمكن أن تحدد لعملية غسل الأموال تعريفين، أحدهما اقتصادي وآخر قانوني.
أما التعريف الاقتصادي: –
فيستوجب أن نفرق بين ما إذا كان المال نقدياً أو عينياً، فإن كان المال نقدياً، فغسله يحتاج إلى أعمال ثلاث مراحل، أولهما مرحلة التوظيف، أو ما يسمى بمرحلة (ما قبل الغسل) وفيها تودع الأموال في عمليات مالية مشروعة أو حسابات مصرفية ثم تأتي بعد ذلك عملية التمويه، أو ما يسمى مرحلة (الغسل) وفيها يفصل المصدر غير المشروع للأموال عن المال المتحصل، وأخيراً تأتي عملية الدمج، وفيها تضفى صفة المشروعية على المال غير المشروع.
وأما إذا كان المال عينياً فإن الغسل يمر بثلاث مراحل أخرى مختلفة أولهما، التحويل إلى الأصل العيني عن طريق شراء أموال عينية كالعقارات والسلع ثم تحويل الأصول العينية إلى سيولة نقدية.
وأخيراً معالجة الأموال السائلة بالاستبدال بها عملات أخرى أو فئات أخرى من العملة نفسها أو التحويل من حساب أخر.
وصفوة القول: –
نستطيع أن نُجمل التعريف الاقتصادي لغسل الأموال بأنها “عملية تحويل لأموال نقدية أو عينية من خلال تمويه مصدرها وصولاً إلى إظهاره بصورة شرعية.
أما التعريف القانوني:
فيمكن تعريف غسل الأموال بأنها (عملية يتم من خلالها تحويل أو نقل المال المستمد من جريمة بغرض إخفاء المصدر غير المشروع له وإظهاره بصورة مخالفة للحقيقة، أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب جريمة للتهرب من النتائج القانونية التي تترتب على سلوكه).
تعريف غسل الأموال عند المشرع الكويتي:
عرفت المادة الثانية من القانون الكويتي رقم 106 لسنة 2013 جريمة غسل الأموال بالآتي: –
“يعد مرتكباً لجريمة غسل الأموال كل من علم أن الأموال متحصلة من جريمة، وقام عمداً بما يلي: –
أـ تحويلها أو نقلها أو استبدالها، بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الأموال، أو مساعدة أي شخص ضالع في ارتكاب الجرم الأصلي التي تحصلت منه الأموال، على الإفلات من العواقب القانونية لفعلته.
ب ـ إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للأموال، أو مصدرها، أو مكانها، أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها.
ج ـ اكتساب الأموال أو حيازتها أو استخدامها. ويكون الشخص الاعتباري مسؤولاً عن أية جريمة تنص عليها أحكام هذه المادة، إذا ارتكبت باسمه أو لحسابه. ولا يحول معاقبة مرتكب الجريمة الأصلية دون معاقبته عن أي جريمة أخرى من جرائم غسل الأموال. وعند إثبات أن الأموال هي متحصلات جريمة، فليس من اللازم أن يكون قد تم إدانة شخص بارتكاب الجريمة الأصلية”.
وسوف يأتي مزيد بيان لهذه الجريمة عندما نتعرض لركنها المادي والمعنوي فيما بعد.
النشأة التاريخية لمصطلح غسل الأموال… وأساس التسمية:
يُعتقد أن مصطلح غسل الأموال Money Laundering نشأ في مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية في الثلاثينات من القرن الماضي عندما لجأ أحد أعضاء عصابات المافيا في مدينة شيكاغو.. ويُدعى آل كابون AL- Capone إلى تملك محال غسيل الملابس الكهربائية كواجهة لمشروع تجاري من أجل خلط الأموال النقدية المكتسبة من جرائم الابتزاز والدعارة والمقامرة والاتجار في المشروبات الكحولية… إلخ، مع الدخل المشروع المتأتي من العمل التجاري في تلك المحال، فكانت تلك الأموال غير المشروعة المصدر بسبب مصدرها الإجرامي تُعد مجازاً بأنها غسلت نسبة إلى غسل الملابس، ومن ثم يتم دمج الأموال الملوثة – بسبب مصدرها – في الاقتصاد المشروع، فيما بعد تم القبض على آل كابون وحوكم بسبب تهربه من دفع الضرائب فبسبب تلك القضية بدأ الاهتمام بمصطلح غسل الأموال في المجتمع الأمريكي بعد أن حوكم آل كابون بسبب الجريمة المسندة إليه والتي تأتي دخله غير المشروع منها.
إلا أن مصطلح غسل الأموال لم يظهر ولم يستخدم بشكل علني إلا عام 1973، عندما نقلت الصحف في الولايات المتحدة ذلك في فضيحة وتر جيت Watergate Scandal ، وما حظيت به تلك الفضيحة من اهتمام وتغطية في الوسائل الإعلامية الأمريكية فاستخدمت المصطلح الإنجليزي Money Laundering ومنذ ذلك اليوم سلطت عليه الأضواء.
كما أن هناك العديد من الآراء التي تسند تلك التسمية إلى عصابات المافيا وإن تنوعت، وبالرغم من تلك الآراء القيمة التي قال بها ذلك الجانب من الفقه إلا أننا نرى أن أساس التسمية مأخوذ من طبيعة العملية ذاتها التي تتصف بها تلك الجريمة، وهي إضفاء طابع المشروعية على أموال ناتجة من مصدر غير مشروع، فكأن الأمر إذا ما نظرنا إليه بشكل تحليلي، يُوحى بعملية الغسل المتعارف عليها بأن يقوم أحد الأفراد – طبيعياً كان أم معنوياً – بغسل مصدر وآثار تلك الأموال القذرة وإزالتها حتى تخرج تلك الأموال بشكل نظيف خال من آثار تلك المصادر القذرة من الناحية القانونية.
1ـ مصادر غسل الأموال.
2ـ مراحل غسل الأموال.
3ـ أساليب غسل الأموال.
4ـ أضرار ومخاطر غسل الأموال.
تفصيل ذلك وتأصيله: –
أولاً: مصادر غسل الأموال:
بداية لا يمكن حصر الجرائم التي تعد مصدراً للأموال الملوثة كون عوائدها تحتاج للتبيض، لذا ما سأذكره هنا سيكون على سبيل المثال لا الحصر من تلك الأنشطة الإجرامية التي تعد مصدراً للأموال القذرة، خصوصاً في ظل التوجه السائد الذي أخذت به غالبية الدول في تشريعاتها الخاصة بتجريم غسل الأموال، وهو عدم النص على جرائم معينة بذاتها كمصدر لتلك الأموال، لكي تستوعب نصوصها القانونية ما يستجد مستقبلاً من أنشطة إجرامية يترتب على إتيانها أن يظفر الجاني بمتحصلات من أي جريمة يتحصل بسببها المجرم على فائدة مادية ومعنوية.
ولمساعدة الدول في وضع منهج قانوني يشمل – كحد أدنى – تجريم عدد محدد من الجرائم الخطيرة قامت مجموعة العمل المالي الدولية (فافي) – Financial Action Task Force (FATF)، برصد عدد من الجرائم الخطيرة وضمنتها في توصية من توصياتها الأربعين الصادرة في عام 1990م، لتسترشد الدول بها عند سن قوانين خاصة بتجريم غسل الأموال، وهذه الجرائم المحددة – كما أوردتها التوصية الأولى من التوصيات الأربعين هي:
المشاركة في جماعات الجريمة المنظمة والابتزاز، والإرهاب وتمويله، تهريب الأشخاص والمهاجرين، تجارة الجنس وتتضمن تجارة الجنس في الأطفال، والتجارة غير المشروعة في العقاقير والمواد المخدرة، التجارة غير المشروعة في الأسلحة، التجارة غير المشروع في البضائع المسروقة وغيرها، الرشوة والفساد والغش، تزوير العملات، الاختطاف والاحتجاز غير المشروع للرهائن، السرقة والسطو المسلح، التلاعب بالأسواق المالية واستغلالها.
ثانياً: مراحل غسل الأموال:
تمر دورة غسل الأموال غالباً بثلاث مراحل وفقاً لما خلص إليه خبراء المنظمات الدولية ذات الاهتمام بوضع معايير وتدابير لمكافحة غسل الأموال ومنها مجموعة العمل المالي الدولية.
ويلجأ غاسلوا الأموال إلى استخدام أسلوب للغسل في كل مرحلة يختلف عن المرحلة الأخرى، وبانتهاء المرحلة الأخيرة يكون المال غير المشروع قد فصل تماماً عن مصدره المشبوه. تلك المراحل الثالثة ومن ثم تكون الأموال القذرة قد تم إخفاء مصدرها غير المشروع تماماً ومن ثم تبدو كما لو كانت قانونية.
وفي المقال القادم سنتحدث عن مراحل غسل الأموال.