الذكاء الاصطناعي والقطاع العقاري: 10 جوانب تكشف ثورة الابتكار والتقدم

في السنوات الأخيرة، برز الذكاء الاصطناعي (AI) كأداة رائدة تؤثر على العديد من القطاعات، بما في ذلك القطاع العقاري. يتوقع الخبراء أن يكون له تأثير عميق على كيفية العيش والعمل والترفيه خلال السنوات المقبلة. يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين عمليات اتخاذ القرار، وتخصيص تجربة العملاء، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، مما يجعل الشركات العقارية تتبنى هذه التكنولوجيا لتلبية احتياجات السوق المتغيرة وتحقيق نمو مستدام. إن تكامل الذكاء الاصطناعي في العقارات يعد خطوة أساسية نحو تشكيل مستقبل هذا القطاع.
يهدف هذا المقال إلى التعرف واستعراض محاور التأثير وعرض بعض التجارب للشركات الأمريكية والإقليمية في هذا المجال. وقبل ذلك نظهر الفرق بين الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي والذي يتمثل في آلية عمل كل منهما واستخداماته. يعتمد الذكاء الاصطناعي التقليدي على “مجموعة من الخوارزميات” التي تساعده في أداء مهام محددة، مثل التصنيف أو التوقع، عبر تحليل بيانات معينة، حيث يُستخدم بشكل أساسي لتحليل الأنماط والاتجاهات.
أما الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي بدأ في الانتشار منذ عام 2020، فيعتمد على معالجة اللغات الطبيعية وتخزين مجموعة ضخمة من البيانات من مصادر متنوعة، مثل المقالات وصفحات الإنترنت، ليتمكن من إنتاج محتوى جديد أو الإجابة على الأسئلة المطروحة باستخدام المعلومات المتوفرة لديه. وقد وصلت أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المتاحة حاليًا إلى أكثر من 102 منصة، من أشهرها “تشات جي بي تي” (ChatGPT).
وسيكون لاستخدام الذكاء الاصطناعي والتوليدي آثارا تعد بمثابة ثورة أكبر بكثير وسوف تساهم في تطوير القطاع العقاري بمختلف أنشطته وجوانبه كما يلي:
أولا: تحسين إدارة الاستثمار واتخاذ القرارات
يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة من البشر. تساعد هذه القدرة المستثمرين ومديري العقارات على اتخاذ قرارات استثمارية أفضل. من خلال تحليل بيانات السوق والتنبؤ بالاتجاهات، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين العوائد وتحديد الفرص الاستثمارية الناشئة. على سبيل المثال، يمكن استخدام خوارزميات التعلم الآلي لتوقع اتجاهات أسعار العقارات، مما يمكّن المستثمرين من اتخاذ قرارات مستنيرة حول متى وأين يستثمرون.
ثانيا: التصميم والبناء الذكي
تستفيد تقنيات الذكاء الاصطناعي أيضًا في تحسين تصميم المباني وتخطيطها. يمكن للبرامج المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحليل احتياجات المستخدمين بشكل أفضل، مما يسهم في إنشاء مساحات تتناسب مع احتياجاتهم. كما يمكن استخدام الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات البناء، مما يقلل من الوقت والتكاليف ويُحسن الجودة. هذا النوع من الابتكار في التصميم والبناء يسهم في تحقيق كفاءة أكبر ويقلل من الهدر.
ثالثا: إدارة المرافق وتشغيل المباني
يستخدم الذكاء الاصطناعي في مراقبة المباني وإدارتها بشكل أكثر كفاءة. يمكن للأنظمة الذكية تحسين استهلاك الطاقة من خلال التحكم في الإضاءة والتكييف بناءً على تواجد الأشخاص واحتياجاتهم، مما يُقلل من استهلاك الطاقة ويزيد من الاستدامة البيئية. على سبيل المثال، تُستخدم الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في المكاتب الكبيرة لمراقبة استهلاك الطاقة وتقديم توصيات حول كيفية تحسين الكفاءة.
رابعا: التسويق وتجربة المستخدم
يمكن للذكاء الاصطناعي تخصيص تجربة المستأجرين والعملاء المحتملين من خلال تحليل تفضيلاتهم وتقديم عقارات تتناسب مع احتياجاتهم. يمكنه تحسين تجربة الزيارة الافتراضية للممتلكات وتقديم توصيات مخصصة لكل عميل. هذا النوع من التسويق المدعوم بالذكاء الاصطناعي يزيد من فعالية الحملات التسويقية ويعزز من رضا العملاء.
خامسا: الطلب المتزايد على مراكز البيانات
مع الانتشار الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، تزداد الحاجة لمراكز البيانات، التي تتطلب مساحات كبيرة وخدمات طاقة وبنية تحتية متطورة. هذه الزيادة في الطلب تؤدي إلى دعم أسعار العقارات المتخصصة لهذا الغرض. يعتبر تطوير مراكز البيانات فرصة هائلة للمستثمرين، حيث إن تزايد الاعتماد على التقنيات الرقمية يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية.
سادسا: إدارة المحافظ العقارية
يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة المحافظ العقارية من خلال تقديم تحليلات متقدمة للتوقعات المالية والمخاطر. هذا يُسهم في تحسين تخصيص الأصول وتقليل المخاطر، مما يجعل إدارة المحافظ أكثر كفاءة. يمكن للمديرين استخدام الذكاء الاصطناعي لتقدير أداء الأصول وتحليل المخاطر المرتبطة باستثمارات معينة، مما يتيح لهم اتخاذ قرارات استراتيجية أكثر فعالية.
سابعا: الأثر السياسي وتأثيره على القطاع العقاري
يعد عام 2024 عامًا انتخابيًا بارزًا، حيث أجرت أكثر من 70 دولة انتخابات على مستوى دول العالم، بما في ذلك سبع من أكبر عشر دول من حيث عدد السكان، مما يشكل 50٪ من سكان العالم. هذا الوضع يضيف بعدًا آخر للتقلبات السياسية التي قد تؤثر على سوق العقارات. المستثمرون بحاجة إلى الانتباه إلى التأثيرات السياسية المحتملة، حيث تعتبر الشركات العقارية غالبًا محلية، وبالتالي فإن أي تغييرات سياسية قد تؤثر بشكل مباشر على السوق العقاري. وقد أثيرت علاقة الذكاء الاصطناعي في التأثير علي أسعار الإيجارات، حيث تميل الحكومات التي التخفيف من أسعار الإيجارات كوسيلة انتخابية وتتجلى العلاقة بين السياسة والذكاء الاصطناعي في تحديد ورفع أسعار الإيجارات من خلال استخدام بعض أصحاب العقارات الكنديين لبرامج ذكاء اصطناعي مثل “YieldStar”. برنامج YieldStar هو نظام برمجي يستخدمه أصحاب العقارات لتحديد أسعار الإيجارات وتعزيز الإيرادات من خلال تحليل بيانات السوق الكبيرة. يعتمد البرنامج على خوارزميات معقدة تأخذ في الاعتبار عوامل مثل المنافسة، أداء الوحدات، والتنبؤ بالطلب، مما يساعد الملاك في تقديم أسعار تنافسية. ومع ذلك، تم توجيه اتهامات للبرنامج باستخدامه في مخططات لتثبيت الأسعار، مما دفع بعض الحكومات إلى التحقيق في تأثيراته على السوق.
في هذا السياق، دعا وزير الصناعة الكندي مكتب المنافسة للتحقيق في هذه الممارسات، مما يعكس دور السياسة في حماية المستهلكين وضمان المنافسة العادلة في السوق. ومن الضروري إيجاد توازن بين تشجيع الابتكار التكنولوجي وحماية المستهلكين من الاستخدامات غير العادلة لهذه التكنولوجيا. تأتي هذه الجهود أيضاً كاستجابة لارتفاع تكاليف السكن والقلق العام بشأن قدرة الكنديين على تحملها. بالإضافة إلى ذلك، تعكس دعوى وزارة العدل الأمريكية ضد شركة “RealPage Inc.” التأثير المتبادل بين السياسات في كندا والولايات المتحدة، حيث يسعى كلا البلدين إلى مواجهة مخاطر الاحتكار في سوق الإيجارات. وبالتالي، تهدف السياسات إلى ضمان استخدام التكنولوجيا بشكل عادل وفي صالح المستهلكين.
ثامنا: الاستدامة والامتثال لمعايير ESG
مع تزايد الوعي بالاستدامة، من المتوقع أن تلعب معايير البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) دورًا متزايد الأهمية في قطاع العقارات. ستحتاج الشركات إلى الامتثال لمعايير جديدة، مما يدفعها نحو الاستثمار في العقارات الخضراء. على سبيل المثال، سيكون مطلوبًا من جميع المباني التجارية في الاتحاد الأوروبي تحقيق حد أدنى من تصنيف الشهادة الطاقية بحلول عام 2030. هذا التحول نحو الاستدامة سيزيد من الطلب على المباني ذات الكفاءة الطاقية.
تاسعا: التكامل بين الذكاء الاصطناعي والاستدامة
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا محوريًا في تحقيق الاستدامة في القطاع العقاري. من خلال تحليل البيانات المتعلقة باستهلاك الطاقة، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة المباني وتقليل الانبعاثات. هذا يعكس كيف يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تتكامل مع مفاهيم الاستدامة لتلبية احتياجات المستقبل.
الابتكار العقاري في العصر الرقمي: تأسيس ونمو شركات الذكاء الاصطناعي
شهدت الشركات العقارية الكبرى مثل Zillow وRealtor.com وOpendoor وTrulia تطورات ملحوظة منذ تأسيسها. تأسست Zillow في عام 2006، وبرزت كأحد أولى المنصات التي تعتمد على البيانات لتحليل أسعار العقارات، مما أتاح للمستخدمين الوصول إلى معلومات دقيقة بسهولة. Realtor.com، الذي تم تأسيسه في 1995، كان من بين أول المواقع التي وفرت معلومات عقارية شاملة، مسهماً في إحداث نقلة نوعية في كيفية تسويق العقارات.
تأسست Opendoor في 2014 كأحد رواد السوق في تحويل عملية البيع التقليدية إلى تجربة رقمية سهلة وسريعة، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم العروض. Trulia، الذي تم تأسيسه في 2004، يركز على تقديم تجارب المستخدم المخصصة من خلال تحليل البيانات السكانية والبيئية، مما يسهل على المشترين اتخاذ قرارات مستنيرة حول المجتمعات المختلفة.
كل هذه الشركات اتجهت نحو الرقمنة، مما انعكس إيجابًا على أعمالها من خلال تحسين الوصول إلى المعلومات وتبسيط عمليات الشراء والبيع. استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ساهم في تعزيز كفاءة العمليات وتقديم تجارب مخصصة، مما جعلها رائدة في السوق العقاري العالمي.
في منطقة الشرق الأوسط، شهدت شركات مثل إعمار ومجموعة التمدين تحولًا مماثلاً نحو استخدام الذكاء الاصطناعي، حيث تستفيد من هذه التقنيات لتحسين استراتيجياتها التسويقية وإدارة ممتلكاتها، مما يعزز من قدرتها التنافسية في السوق.
من ناحية أخرى تستخدم العديد من الشركات الذكاء الاصطناعي في مجالات التصميم والبناء لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف.
من بين هذه الشركات، تبرز Autodesk التي تقدم برامج CAD مثل AutoCAD وRevit، وTrimble التي تركز على تحسين عمليات البناء والتخطيط. كما تستخدم PlanGrid الذكاء الاصطناعي في إدارة المستندات والتعاون، بينما تساهم Smartvid.io في تحسين السلامة من خلال تحليل الصور والفيديوهات. شركة Doxel تعتمد على الروبوتات والطائرات بدون طيار لمراقبة تقدم المشاريع، وBricklane تستخدم الذكاء الاصطناعي في تخطيط وتصميم المباني.
كذلك، تلعب Spire دورًا في تحليل البيانات الجغرافية، بينما تقدم Arup تصميمات مستدامة. كما تستخدم AI SpaceFactory تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد في تصميم المباني. تمثل هذه الشركات تنوعًا في التطبيقات التي يعززها الذكاء الاصطناعي في القطاع.
عاشرا: مخاطر الذكاء الاصطناعي
رغم الفوائد الجمة التي يجلبها الذكاء الاصطناعي إلى عالم العقارات، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر عدة، ففي ظل التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في القطاع العقاري، تظهر مخاطر قد تؤثر على هذا المجال بشكل كبير. فرغم أن دراسة حديثة لمنظمة العمل الدولية تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لن يلغي الوظائف، بل سيكملها. إلا أن الاعتماد الزائد على الأنظمة الذكية، قد يؤدي إلى فقدان المهارات البشرية الأساسية. كما أن استخدامه المتزايد يطرح تحديات تتعلق بالأمان الرقمي والاستقلالية في أداء المهام. تشير دراسة منظمة العمل الدولية إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قادر على التعلّم الذاتي وتحسين أدائه بمرور الوقت، مما قد يؤدي إلى مشاكل في القطاع العقاري، مثل إمكانية التزييف العميق للبيانات والمعلومات حول الملكيات العقارية أو تضليل العملاء باستخدام محتوى افتراضي غير حقيقي. كما أن هناك مخاطر حول الخصوصية واستخدام هذه التقنيات من قبل أطراف ذات نوايا خبيثة، وهو ما يتطلب وضع أطر تشريعية واضحة وأخلاقيات مهنية لضمان الاستخدام المسؤول.
خلاصة
باختصار، يُتوقع أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير عميق على قطاع العقارات من خلال تحسين الكفاءة وخفض التكاليف وزيادة الاستدامة وتقديم تجارب أفضل للعملاء. ومع التحديات السياسية والبيئية التي تواجه القطاع، فإن استغلال الذكاء الاصطناعي سيكون له دور كبير في تشكيل مستقبل العقارات. إن تكامل هذه التكنولوجيا مع استراتيجيات الاستثمار المستدامة سيجعل العقارات أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات المتسارعة في السوق والبيئة.
هذا التطور لا يمثل فقط ثورة تكنولوجية، بل يشكل أيضًا فرصة هائلة للمستثمرين والمطورين والمستأجرين لاستكشاف إمكانيات جديدة وتقديم خدمات وحلول مبتكرة تلبي احتياجات السوق. من المتوقع أن تستمر هذه الثورة في التأثير على كيفية تصوّرنا للعقارات، وكيفية إدارتها، وكيفية عيشنا في المستقبل.