مقالات

لماذا نخشى الضريبة؟

بقلم المهندس مشعل الملحم

لفت انتباهي مرارا وتكراراً وقوف بعض نواب البرلمان البريطاني في جلساتهم ليقولوا اثناء كلامهم التوبيخي للحكومة: “اسمعي أيتها الحكومة فنحن نقف هنا ممثلين عن دافعي الضرائب”، والغريب تجاهلهم لذكر أنهم يمثلون الشعب، وكأنهم يرمزون في هذا إلى أن دافعي الضرائب أعلى شأنا وأوقع قدراً من الشعب، فدافعي الضرائب هم أولائك الأشخاص الذين يعمرون الأوطان من كدهم وعملهم ومالهم، وهم أكثر مكونات الشعب إسهاماً في ميزانية الدولة، في حين أن كلمة الشعب قد تشمل في معانيها كل المكونات الأخرى للمجتمع ومنهم، المخالفين للقانون، والمتهربين من الضرائب، والعالة على الوطن… ويشير النائب في هذا أن صوته يمثل هؤلاء الذين يكفلون الحياة الكريمة للمجتمع، وأحق الناس بمحاسبة الحكومة على أدائها. لهذا نجد أن الكثير من الدول حول العالم تتفادى تطبيق أنظمة ضريبية صارمة كي تتجنب تقوية الدور الرقابي على أنشطتها وأعمالها، فالضريبة ستجعل لدافعي الضرائب سلطة أقوى وكلمة أعلى في الدولة، وعلى العكس من ذلك فهناك الكثير من الدول الريعية التي تكرم أبنائها من ثرواتها الطبيعية الناضبة كي تضمن ولائهم واستمرار طاعتهم، وتغافلهم عن أي قصور ناتج في أدائهم.

وبخلاف مساهمة الفرد الفعالة في الرقابة والتشريع، فللضريبة أهداف استراتيجية عميقة تسعى الدول من خلالها إلى تهذيب الإنفاق السلبي في المجتمع، وتوجيه السلوك الإنفاقي إلى قنوات تراعي المصالح العامة، أو ترشيدها في قنوات تضر بها، كما أن الضريبة عنصر فعال في استقطاب مصادر دخل جديدة للدولة تنمي من خلالها ايرادتها وتعظم أرباحها، وعلى الرغم من الصورة النمطية السيئة عن تطبيق الضريبة في عالمنا العربي، إلا أن النظام الضريبي متى ما تم تطبيقه بعدالة فأنه حتماً سيحقق الأغراض المقررة له.

كما أن الضريبة هي القانون الذي تعزف عليه الدولة لنهضة الأمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبه يتم تحقيق معاني العدالة الاجتماعية عبر خلق شرائح ضريبية مختلفة تفرق في تطبيقها بين من يستحق دفع ضرائب عالية ومن يدفع أقل أو من يعفى منها نهائياً بسبب ظروفه المادية، كما أن فيها من المثالية ” الروبن هودية ” التي تأخذ من الغني لتعطي الفقير. وبها يتم تطبيق مفهوم العدالة وليس مفهوم المساواة، فهماك فرق شاسع بين العدالة و المساواة، فالعدالة تقتضي عدم تساوي الضريبة بين الفقير والغني. بل أن من أهداف الضريبة السامية هو مساهمة الغني في رخاء العيش للفقير، فمن الضرائب التي تقتطع من الغني، توفر الخدمات الصحية الأساسية والتعليم المجاني لغير المقتدرين.

الخاتمة:
الضريبة إن أجيد توظيفها تغدو نظاماً لتحسين المعيشة ورخاء الدولة، وأن أسيء تطبيقها تغدو أداة جباية على المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى