ما الذي تعنيه التعريفات الجمركية بالنسبة للاقتصاد الخليجي؟

تعد التعريفات الجمركية من أبرز أدوات السياسة التجارية التي تستخدمها الحكومات لتنظيم التبادل التجاري بين الدول. في الآونة الأخيرة، شهدت منطقة الخليج تزايدًا في تأثير التعريفات الجمركية نتيجة للعديد من التحولات الاقتصادية والتجارية على مستوى العالم، وخاصة في ظل السياسات الحمائية التي تتبعها بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة. فما هو تأثير هذه التعريفات على الاقتصاد الخليجي؟ وكيف يمكن أن تؤثر على التجارة والنمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي؟
1- تأثير التعريفات الجمركية على التجارة الخليجية:
تعد دول مجلس التعاون الخليجي من أكبر الاقتصادات التي تعتمد على التجارة الدولية. في عام 2023، بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية لدول الخليج نحو 1.2 تريليون دولار أمريكي، حيث شكلت صادرات النفط الخام 80% من إجمالي الصادرات. لكن في القطاعات غير النفطية، مثل المعادن والآلات، تؤثر التعريفات الجمركية بشكل كبير. على سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة في عام 2018 تعريفات جمركية على الألمنيوم بنسبة 10% وعلى الفولاذ بنسبة 25%، ما أثر سلبًا على صادرات دول الخليج التي تعتمد على هذه المعادن، مما دفع بعض الشركات إلى تقليص صادراتها إلى أسواق الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 30%.
2- التضخم وزيادة الأسعار:
قد يؤدي فرض التعريفات الجمركية على السلع المستوردة إلى ارتفاع الأسعار، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على مستويات التضخم في الدول الخليجية. وتشير بعض التقديرات أن زيادة 10% في التعريفات الجمركية قد تؤدي إلى زيادة في أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 1.5% على الأقل في دول الخليج. بالنظر إلى أن السلع الاستهلاكية الأساسية، مثل المواد الغذائية والأدوية، يتم استيرادها بشكل رئيسي، فإن هذا يؤدي إلى زيادة الأعباء المعيشية على المواطنين.
3- تأثيرات على القطاعات الاقتصادية:
* القطاع الصناعي: تركز دول الخليج بشكل كبير على تنويع اقتصادها من خلال تعزيز القطاع الصناعي، إلا أن التعريفات الجمركية تُشكل تحديًا ملحوظًا.” إلى أن هذه التعريفات قد تؤدي إلى نمو قطاع التصنيع ًابدول الخليج حيث.ان فرض تعريفات جمركية علي الصين سيدفعها نحو البحث عن أسواق بديلة عن الولايات المتحدة ويمكن أن يستفاد من ذلك أيضا من خلال توطين صناعات تحل محل الواردات وتراعي القدرة التنافسية لقطاعات التصنيع المختلفة وقد رأينا مؤخراً أن بعض رؤس الأموال قد اتجهت الي مصر للتوسع في انتاج السيارات كما ان رالصناعات المعتمدة على الواردات مثل الآلات والمواد الخام تواجه انخفاضا في التكلفة، مما يسرع من معدلات الإنتاج ويؤثر على تنافسية الصناعات الخليجية في الأسواق الدولية.
*القطاع الزراعي: غالبًا ما تستورد دول الخليج نحو 90% من احتياجاتها الغذائية. في عام 2020، كانت تكلفة واردات المواد الغذائية في دول الخليج تزيد عن 30 مليار دولار أمريكي سنويًا. أي زيادة في التعريفات الجمركية على هذه المنتجات يمكن أن تؤدي إلى زيادة الأسعار، مما يساهم في تفاقم مشكلة الأمن الغذائي في المنطقة. على سبيل المثال، فرضت الهند في عام 2020 زيادة في التعريفات الجمركية على بعض المحاصيل الزراعية، مما أدى إلى زيادة تكلفة استيراد المنتجات الزراعية إلى دول الخليج بنسبة 8-10%.
وقد أبرزت أزمة كورونا من قبل أهمية تحقيق الأمن الغذائي بدول الخليج عبر تطوير القطاع الزراعي رغم تحديات المناخ. حققت هذه الدول تقدماً ملموساً في الاكتفاء الذاتي لبعض المنتجات كالخضراوات والألبان، مستفيدة من التكنولوجيا والتوسع الزراعي. السعودية وقطر تقودان المبادرات بخطط تنمية مستدامة ودعم الاستثمارات الخارجية والمحلية. الإمارات وعُمان تطوران الإنتاج باستخدام الابتكار وتوسيع المحاصيل. بينما تواجه الكويت والبحرين صعوبات تتعلق بالمناخ وشح الموارد، إلا أن الجهود مستمرة لتعزيز الزراعة، حيث تقدر المساحة الإجمالية لدول مجلس التعاون بحوالى2.4 مليون كيلومترمربع،
وتبلغ مساحة الأراضي المستغلة للزراعة 9.7 ألف كيلو متر مربع وهي تشكل 0.4%من إجمالي المساحة الإجمالية وهو ما يمثل نسبة صغيرة من المساحة الكلية. حيث تتفاوت هذه النسبة بين الدول، فتبلغ 2.5% في البحرين، بينما تنخفض إلى 0.4% في سلطنة عُمان. هذا يعكس محدودية الأراضي الصالحة للزراعة بسبب الظروف المناخية والبيئية في المنطقة.
*القطاع التكنولوجي: مع تزايد الاعتماد على التقنيات الحديثة، فإن أي تعطل في تدفق المنتجات التكنولوجية مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية نتيجة لفرض التعريفات قد يضر بقطاع التقنية في دول الخليج. على سبيل المثال، أظهرت بيانات 2021 من منظمة التجارة العالمية أن فرض التعريفات على السلع التكنولوجية قد يؤدي إلى زيادة تكلفة الإلكترونيات بنسبة 5-8%.
التداعيات السياسية والاقتصادية:
التعريفات الجمركية قد تزيد من تعقيد العلاقات التجارية بين الخليج والدول الكبرى. في عام 2019، قُدرت خسائر الدول الخليجية نتيجة للحروب التجارية بـ 3.8 مليار دولار، مما يمثل تحديًا أمام مساعي التنويع الاقتصادي. وفي سياق العلاقات مع الصين، قد تؤدي أي ضغوط اقتصادية إلى تراجع الطلب على النفط الخليجي، مع بقاء التعاون في مجالات مثل الخدمات اللوجستية والاستثمارات الثنائية مستمرًا.
الفرص والتحديات:
رغم التحديات الاقتصادية التي تفرضها التعريفات الجمركية، إلا أنها قد تدفع دول الخليج لاستكشاف أسواق بديلة. وفقًا لإحصاءات غرفة تجارة دبي لعام 2022، زادت الصادرات الخليجية إلى آسيا وأفريقيا بنسبة 6% سنويًا، ما يظهر قدرة المنطقة على تعزيز شراكاتها الاقتصادية.
الآفاق المستقبلية:
مع تغير السياسات التجارية العالمية، تحتاج دول الخليج لتطوير استراتيجيات جديدة لضمان استمرارية نموها الاقتصادي. تشير الدراسات إلى إمكانية تحقيق نمو بنسبة 4.5% في القطاعات غير النفطية إذا تم استغلال العلاقات التجارية مع أسواق جديدة.
الخلاصة:
التعريفات الجمركية تمثل تحديًا كبيرًا للاقتصاد الخليجي، لكنها قد تكون فرصة لدفع مساعي التنويع الاقتصادي وتعزيز القطاعات المحلية. المرونة والسياسات الاقتصادية الذكية ستكونان العامل الحاسم في تجاوز هذه التحديات