“برغي” صغير في كيان كبير

“برغي” صغير لا يكاد يُرى إلا عندما يتكلم، لكنه بارع في الضجيج والفساد الإفساد والضوضاء. تأخذه العزة بالإثم ويقول “من أنتم؟، ومن هؤلاء؟ ومن هذا؟ ومن ذاك؟”، ويتناسى نفسه وهو في واقعه “برغي” مثل آلاف البراغي في الآلات الكبيرة، له دور مكمل ومساعد، دور تكميلي وليس أساسي، إنه “برغي” من البراغي التي يمكن الاستغناء عنها ولا تكاد تشعر بغيابها، من نوعية البراغي التي يمكنك أن تلغيها من الكيان ويمضي بنجاح ويحقق الإنجازات، “برغي” من عينة البراغي العبء على المكان والكيان.
هكذا هو حال بعض الصغار في الكيانات الكبرى، لا تتورع أن تنسج المشاكل والخلافات والقضايا حتى يُسمع لها صوت وتقول نحن هنا، لا تتورع عن دفن الأخلاق والنخوة والمروءة من أجل أن تحقق انتصار فارغ تافه …لكنها تدفن رأسها في الرمال ولا تلتفت إلى الحكمة القائلة ما بني على باطل فهو باطل.
لا يتورع بعض الصغار عن التأليف والتضليل والكذب، ليس عبر الكلام فقط، بل هو كذب موثق مكتوب هدفه تضليل الآخرين والنيل من شرفاء يقولون كلمة الحق بشهادة من كبار، تساوي شهادتهم ألف شهادة من ” صغار البراغي”.
صغار العقول المتوارين خلف الستائر السوداء لا يحق لهم وقف أصوات الحق أو محاربتها أو إسكاتها، لأن صوت الحق دائماً أعلى وأقوى، فيما قطاع الطرق ممن يلبسون الحق بالباطل ويخشون انكشاف “خمالهم” هم من يسارعون إلى وأد الأصوات الرنانة في المهد.
لكن “الشرهة” ليست على البرغي الصغير الحجم والقدر والرأس، وبالتبعية “العقل”، بل على من يتركه يعبث ويلعب ويلهو عن مهامه الأصلية الأصيلة، “الشرهة” على من يسمح له أن يتكلم باسم الكيان، ويعرض سمعته للخطر والقيل والقال، “الشرهة” على رأس الكيان أو المؤسسة، الذي يترك “البراغي” تعبث ولا تعمل ولا تنجز المهام الأصلية المكلفة بها، رغم أنها تحصل على مميزات مالية ضخمة، وأجور كبيرة مبالغ فيها، وبدلات ومميزات بلا داعي، وفي النهاية تأتي المحصلة صفر إنجاز.
أليست “تكلفة” برغي صغير بلا فائدة، عبء وخسارة وأموال مهدرة؟ متى يستيقظ كل راعٍ وكل مسؤول ويراجع جميع “البراغي”؟ فمن لا يستحق، ومن أكله “الصدأ”، ومن يعبث بالمكان ولا ينجز المهام، عليه أن “يشلعه” ويرميه في أقرب سلة مهملات، حتى يفسح الطريق للآخرين من الناجحين أصحاب العقول المستنيرة والفكر البناء المشرق. ما الذي يجعل مسؤول يغض الطرف عن “برغي” أعوج أهوج مستهلك بلا فائدة؟
إنها مسؤولية قانونية وأخلاقية وأمانة على كل رب عمل جديد أو قديم، على كل قيادي وكل مسؤول، وعلى كل مؤتمن وكل مكلف، عليهم جميعا أن يقوموا بالمراجعة للإنجازات والمحاسبة على النتائج والاستحقاقات، والأمر لا يحتاج إلى ذكاء اصطناعي ولا إلى إمعان التفكير وقدح زناد العقل، فعديمي الفائدة واضحين كالشمس، هم فقط “يحلبون” ضرع البقرة حتى النهاية، أما الإنجازات والتطوير فهي ملفات في آخر قائمة اهتماماتهم… وكل ما على القائد الشغوف الحريص الأمين أن يراجع الملفات المجمدة منذ سنوات، والتي لم تكن تحتاج سوى إلى بضعة أشهر من أجل إنجازها، لكن الفشل والكِبر الذي ملأ قلوب الصغار، والعجب والعنجهية والنظرة الفوقية التي تغلف حياتهم وتوصم سلوكهم ومنطقهم الأعوج، هي التي جلبت الويل والتأخر والتقهقر للخلف حتى أصبحوا في ذيل القائمة. الناجحون ليس لديهم وقت لنسج العداءات واختلاق الوقائع الوهمية والبحث عن البطولات الزائفة التي لا وجود لها سوى في خيال مرضى العقول، لكن الأمل كبير في الإصلاح والتعديل ونفض الغبار وكشف الصغار.