منوعات

رئيس تنفيذي للتوازنات

من المعلوم والواضح والثابت أن مهمة الرئيس التنفيذي في أي كيان تجاري اقتصادي مالي في العالم هو إدارة الجهاز التنفيذي للمؤسسة أو الشركة، وتشغيل وإدارة أنشطة الشركة التشغيلية، ووضع الخطط والإشراف على تنفيذها، ومتابعة كافة أنشطتها بهدف تحقيق أداء وأرباح جيدة للمساهمين، وتنفيذ وتطبيق خطة ورؤية مجلس الإدارة الذي هو أعلى سلطة تنفيذية في الشركة تتم مسائلته عن الأداء من المساهمين.

لكن هناك مهمة جديدة ابتكرها رؤساء تنفيذيون تقوض المهام الأصلية والأصيلة، هذه  المهمة الجديدة والمستحدثة هي تحقيق التوازن بين الملاك في الشركة، خصوصاً عندما يكون في الكيان الواحد أكثر من مساهم بنسبة ملموسة أو واضحة.

هذا الدور الجديد والمستحدث يعتبر من أسوأ النماذج في عالم الإدارة، ويمثل ضرر على المساهمين ومصالحهم وحقوق الأغلبية الذين ينظر إليهم أصحاب البلوكات على أنهم أقليات لكنهم في الحقيقة هم أغلبية لكن متفرقين، فأصحاب النسب الواضحة المعلنة معهم مساهمين آخرين في تلك الكيانات، والشركة ليست ملكية مطلقة أو أغلبية ساحقة لهم، وهم يعتمدون عليهم في عقد الجمعيات ولا يستطيعون توفير النصاب بحصصهم من دون باقي المساهمين.

لذا مصالح جميع المساهمين لها نفس الأهمية، ويجب أن تحظى بنفس القدر من المساواة والاهتمام، طالما الكيان عبارة عن شركة مساهمة عامة وليست شركة شخصية أو عائلية.

الثابت أنه لا توجد أفضلية قانونية لمساهم على آخر، وهنا تتجلى الأخلاق والحوكمة والالتزام والحيادية والنزاهة في أن يدار الكيان وفق رؤية مؤسسية وضوابط حاكمة كابحة للميول الشخصية والأهواء التي تفتقد للحصافة ولا تستند لأساسيات العمل الحصيف، بل تخضع للإدارة الطفولية الشخصية التي تعتمد على “نواطير” وهمية مهمتها تنفيذ توجيهات ورسائل صوتية.

في تلك النوعية من الكيانات يكون رئيس التوازنات في الغالب ليس لديه وقت لإدارة الشركة، وفي هذه الحالة يقوم بإسناد مهمته الرئيسية لعدد من النواطير المساعدين حتى يمكنه أن يتفرغ لإدارة مهمته الأساسية، وهي “مسك العصا” من المنتصف بين من عينوه ونصبوه المنصب الوجيه الذي يعتبر حلم كمسمى ومميزات ووجاهة اجتماعية، حيث يتقدم الصفوف الأمامية في كافة المحافل، “والرزة والبروباغاندا” تستهوي ولها ثمنها.

هذا النموذج يمثل عبء على الشركة والمساهمين، ويمثل في ذات الوقت مخاطر بالجملة على المؤسسة أو الكيان الذي يدار لصالح أطراف محددة بعينها وتقدم مصالحهم على باقي المساهمين، لأنه ببساطة الرئيس التنفيذي “مشغول” في مهام غير المهام الأساسية المؤتمن عليها!

لذلك ليس مستغرباً أن يكون داخل الكيان الاقتصادي من هو أقوى وأحق بالمنصب من الرئيس التنفيذي المغيب، لكنه لا يحصل على ما يستحقه وما يناسب قدراته، لأن المنصب مشغول بالرئيس التنفيذي البائع لجوهر منصبه من أجل الحفاظ على الكرسي، فأصبح دوره الفعلي والعملي … كبير “نواطير” الجهاز التنفيذي، الذي يشبه “سلك معدني” جيد التوصيل للحرارة بين كافة الجهات والإدارات في الكيان وبين أطراف الملاك الذين لا يقبلون إلا بأن يكيل الرئيس التنفيذي الموازين بينهم بميزان الذهب الحساس فلا أفضلية لأي طرف على حساب آخر والعلاقة بينهم بالتساوي في إدارة المصالح.

نموذج الرئيس التنفيذي “الناطور” يتمدد ويزدهر ويتم تقليده واستنساخه في ظاهرة عبثية ليست صحية، بل هي نموذج ضار غير مسؤول يحتاج مراجعة ووقفة تبدأ من قناعة الرئيس الناطور نفسه برفض هذا الدور، لأن المناصب والمسميات زائلة والسمعة هي الباقية، والبصمة الإيجابية والإنجاز هما الأمانة التي يجب أن يؤديها لجميع المساهمين وليس لطرفين أو ثلاثة فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى