مقالات

الشركات مطالبة بتعزيز الإفصاح عن المخاطر وخطط استمرارية الأعمال في ظل التوترات الإقليمية

الاستباقية هي السلاح الأقوى لمواجهة المخاطر

في وقتٍ تتسارع فيه الأحداث الدولية وتشتد فيه التحديات الإقليمية، تتحمّل والبنوك الشركات والمؤسسات، المدرجة والمرخصة منها على وجه الخصوص، مسؤولية متزايدة لضمان استقرار عملياتها، واستمرار تقديم خدماتها الحيوية دون انقطاع.
ففي ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، ومع قرب المسافة الجغرافية لمسرح الأحداث، بات من الضروري على جميع الشركات، في القطاعات المالية وغير المالية، أن تتبنى نهجًا استباقيًا في التعامل مع المخاطر المحتملة.

 

السياق الجيوسياسي والمخاطر المتوقعة

تصاعد التوترات الجيوسياسية يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة قد تُحدث اضطرابات كبيرة في بيئة الأعمال، مثل:

* ارتفاع أسعار الطاقة والنقل والسلع، وتعطل سلاسل الإمداد

* تقلبات الأسواق المالية الإقليمية والعالمية، بالإضافة إلى تهديدات سيبرانية للبنية التحتية الرقمية والمالية

* اضطرابات في أسعار الفائدة وأسواق العملات، وفقدان الثقة في الأسواق نتيجة التوتر السياسي.

أمام هذا الواقع، تقع المسؤولية على عاتق الشركات في تعزيز جاهزيتها المؤسسية من خلال تطوير سياسات فعّالة لإدارة المخاطر، وتحديث خطط الطوارئ، وضمان استمرارية الأعمال.

 

هل قامت الشركات بدورها؟

لا شك أن العديد من الشركات والبنوك قد اتخذت خطوات فعلية في سبيل تطوير خطط الطوارئ وتعزيز الجاهزية المؤسسية لمواجهة التطورات الجيوسياسية، وخصوصًا فيما يتعلق باستمرارية الأعمال والقدرة التشغيلية.
لكن ما يُلاحظ في السوق أن مستوى الإفصاح العلني والشفاف عن تلك الإجراءات لا يزال محدودًا، حيث لم تبادر معظم تلك الجهات إلى شرح ما تم اتخاذه فعليًا من خطوات أو توضيح ما إذا كانت هناك مخاطر جوهرية تؤثر على أعمالها.

إن غياب هذا النوع من الإفصاح يخلق فجوة في الشفافية، ويؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين وأصحاب المصالح، الذين يعتمدون في قراراتهم على وضوح الصورة ومدى استعداد الشركات.

 

التزامات الشركات في ظل الأطر الرقابية

بموجب القوانين واللوائح الصادرة عن هيئة أسواق المال وبنك الكويت المركزي ووحدة تنظيم التأمين، فإن الإفصاح عن المخاطر الجوهرية وخطط استمرارية الأعمال لم يعد خيارًا، بل هو التزام قانوني ومؤشّر أساسي على نضج الحوكمة.

وعليه، فإن الشركات مطالبة بـالإفصاح الفوري والدقيق عن أي تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة للأحداث الإقليمية على عملياتها، والتأكد من تفعيل خطط استمرارية الأعمال وخطط التعافي من الكوارث (علاوة على مراجعة مدى كفاءة هذه الخطط ميدانيًا، وليس فقط نظريًا، ومن ثم تقديم معلومات واضحة وشاملة للمساهمين وأصحاب المصالح حول المخاطر والإجراءات المتخذة.

 

دور البنوك وشركات التمويل

تتحمّل البنوك وشركات التمويل مسؤولية خاصة في ظل حساسية القطاع المالي، وتشمل إجراءات الاستعداد تحديث اختبارات التحمل المالي (Stress Testing) استنادًا إلى سيناريوهات أكثر تحفظًا. ومراجعة كفاية السيولة وخطط التعامل مع السحب الجماعي، بالإضافة إلى تحديث نماذج المخاطر لتشمل التهديدات الجيوسياسية، لضمان استمرارية أنظمة المدفوعات الرقمية والبنية التحتية.

 

قطاع التأمين ومتطلبات التقييم الدقيق

نرى بأنه يتوجب على شركات التأمين أن تقوم إعادة تقييم محافظها التأمينية ومدى تعرضها للمخاطر الجيوسياسية، والتأكد من كفاية الاحتياطيات الفنية لمواجهة المطالبات المحتملة، بالإضافة إلى مراجعة الشروط والاستثناءات المرتبطة بالحروب في عقودها والتحقق من جاهزية شركات إعادة التأمين الدولية المتعاملة معها ومدى تأثرها بالوضع الإقليمي.

 

الإفصاح الفعلي لا الشكلي

ينبغي على الشركات أن تتجاوز الإفصاح الشكلي إلى الإفصاح الاستباقي والفعّال، وذلك من خلال بيان المخاطر المحتملة بوضوح وعرض الإجراءات الوقائية المُتبعة، ومن ثم إبراز مستوى الجاهزية التشغيلية والتقنية بالإضافة إلى شرح خطط التواصل والطوارئ وتوزيع الأدوار والمسؤوليات.

إن الإفصاح الصادق والشفاف يعزز ثقة المستثمرين ويحد من الشائعات والمضاربات، ويعكس التزام الشركة بالحفاظ على مصالح جميع أصحاب المصلحة.

 

نحو رقابة ذاتية واستجابة مؤسسية مسؤولة

المطلوب اليوم من الشركات هو ممارسة الرقابة الذاتية، ومراجعة داخلية مستمرة لمدى الامتثال للمتطلبات الرقابية، بالإضافة إلى تفعيل التنسيق بين الإدارات (المالية، التقنية، القانونية، إدارة المخاطر) لوضع تصور شامل لمواجهة السيناريوهات الطارئة.

كما يُستحسن أن تبادر الشركات إلى تنظيم جلسات حوار داخلية وورش عمل تدريبية لفرق العمل والإدارات العليا، لتعزيز الوعي بمخاطر الأزمة الراهنة ورفع درجة الجهوزية.

 دور الجهات الرقابية

وفي هذه الأحداث عادة ما تتعاظم المسؤولية الملقاة على عاتق الجهات الرقابية للقيام بدور استباقي وحازم في ضمان قدرة الشركات الخاضعة لرقابتها على تحديد وإدارة المخاطر، والاستمرار في تقديم خدماتها الحيوية دون انقطاع، وبيان تأثرها بتلك الأحداث مع ضمان الشفافية والإفصاح الكامل للمساهمين وأصحاب المصالح. ونحن على ثقة تامة ويقين باحترافية القيادات في الجهات الرقابية وقدرتهم على لعب دور مهني كبير في الحفاظ على الاقتصاد وعلى سوق يتمتع بأمان وشفافية عالية يحظى بثقة المستثمرين في الأزمات.

ونؤكد بأنه لا مكان للتراخي في بيئة تتسم بعدم اليقين، الاستباقية لم تعد ترفًا، بل ضرورة استراتيجية. فالشركات التي تتحرك مبكرًا لتعزيز مرونتها المؤسسية، وإفصاحها الشفاف، وخططها الواقعية للطوارئ، ستكون الأقدر على الحفاظ على أعمالها، وثقة المساهمين، واستقرار السوق ككل.

المسؤولية الآن على المؤسسات في اتخاذ إجراءات فاعلة، مدروسة، ومستمرة، تُظهر احترافها وامتثالها، وتُساهم في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني أمام أي تهديدات قادمة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى