عوائد الحرب وفرص السلام الاقتصادية

بقلم – ليما راشد الملا
تواصل الحرب على غزة منذ اندلاعها إحدث آثاراً مدمرة، ليس فقط على المستوى الإنساني، بل أيضًا على الصعيد الاقتصادي الإقليمي والدولي. فالمنطقة، التي تعاني أصلًا من هشاشة اقتصادية وتوترات سياسية مستمرة، تلقت ضربة قوية امتد تأثيرها إلى مختلف قطاعات الإنتاج والاستثمار، ما كبد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مئات المليارات من الدولارات خلال فترة زمنية قصيرة.
200 مليار دولار خسائر مباشرة وغير مباشرة
تشير تقديرات اقتصادية أولية إلى أن الحرب على غزة أدت إلى خسائر مباشرة وغير مباشرة بنحو 200 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط. وتشمل هذه الخسائر انخفاض النشاط التجاري، تراجع الاستثمارات الأجنبية، اضطراب سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار الطاقة والتأمين البحري في الممرات الحيوية مثل البحر الأحمر وقناة السويس.
ولم تقتصر الآثار على هذا الحد، بل تأثرت اقتصادات عربية عدة بشكل غير مباشر نتيجة تباطؤ حركة السياحة، تراجع الثقة في الاستقرار الإقليمي، وارتفاع تكاليف المعيشة في دول مستوردة للمواد الأساسية مثل الطاقة والغذاء. هذه العوامل مجتمعة تؤكد ثمن الحرب الباهظ الذي يتحمله الاقتصاد الإقليمي.
تريليونان من الدولارات ضائعة منذ 1946
وفق ورقة بحثية للمنتدى الاستراتيجي العربي (2024)، كلف الصراع الفلسطيني–الإحتلال الممتد منذ عام 1946 الاقتصاد الإقليمي والعالمي نحو تريليونَي دولار.
وتوضح الورقة أن تريليون دولار خُسرت بشكل مباشر على شكل إنفاق على الحروب، التسلح، إعادة الإعمار، والمساعدات الإنسانية. أما التريليون الثاني فيمثل فرصًا اقتصادية ضائعة بسبب نقص الاستثمار في قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية والتنمية الاقتصادية المستدامة.
هذه الأرقام لا تُظهر فقط التكلفة المالية للصراع، بل أيضًا العبء التنموي الضخم الذي تتحمله شعوب المنطقة نتيجة غياب الاستقرار والسلام المستدام.
السلام محرك رئيسي للنمو الاقتصادي
تشير الدراسات إلى أن تحقيق سلام شامل وعادل بين الفلسطينيين والاحتلال يمكن أن يشكّل نقطة تحول تاريخية للاقتصاد الإقليمي. وفق التقديرات، من شأن السلام أن يزيد حجم النشاط الاقتصادي في الشرق الأوسط بما يصل إلى 1.7 تريليون دولار خلال عشر سنوات، عبر تحفيز التجارة والاستثمار وتحسين البيئة الجاذبة للأعمال.
في حال استقرار الأوضاع، يمكن تحويل الموارد المهدورة في الإنفاق العسكري إلى مشاريع تنموية حيوية، وتعزيز التعاون الإقليمي في مجالات الطاقة المتجددة، النقل، السياحة، والتعليم. هذه الخطوة من شأنها أن تسهم في زيادة معدلات النمو، خلق فرص عمل جديدة، ودعم البنية التحتية الاقتصادية للمنطقة.
مكاسب مباشرة بقيمة 219 مليار دولار
دراسة صادرة عن مؤسسة راند للأبحاث تؤكد أن التسوية الدائمة بين الفلسطينيين والاحتلال قد تحقق مكاسب مالية مباشرة تبلغ 219 مليار دولار خلال عشر سنوات. وتشير الدراسة إلى أن هذه المكاسب يمكن تحقيقها من خلال تطوير قطاعات السياحة والتمويل والتبادل التجاري، وزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية.
كما أن مناخ السلام يعيد الثقة بالأسواق الإقليمية ويحفّز الشركات العالمية على العودة إلى المنطقة، وهذا بدوره يساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والمالي.
ثمن الحرب وخيار المستقبل
من الواضح أن استمرار الصراع لا يضر طرفًا واحدًا فقط، بل يستنزف الجميع اقتصاديًا ومعنويًا. الحروب تستهلك الموارد، تدمر البنى التحتية، وتعيق التنمية لعقود، بينما يفتح السلام الباب أمام ازدهار مستدام وتكامل اقتصادي إقليمي طال انتظاره.
إذا اختارت دول المنطقة تحويل الموارد من الإنفاق العسكري إلى الاستثمار في الإنسان والبنية التحتية، فإن الشرق الأوسط قادر على التحول من بؤرة صراعات إلى مركز للنمو والفرص الاقتصادية.
ختامًا، تُظهر الأرقام بوضوح أن ثمن الحرب لا يقارن بعائد السلام. فبينما تُهدر مليارات الدولارات في النزاعات والتسلح، يمكن للسلام أن يخلق فرصًا اقتصادية هائلة ومستدامة. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل سينجح الشرق الأوسط في استثمار طاقاته في البناء والتنمية، أم سيستمر في دوامة الهدم والانقسام؟