العقارمقالات

الذكاء الاصطناعي يغير وجه العقارات: فرص جديدة وتحديات قادمة

 

مع كل نقلة تقنية جديدة، يتغير شكل العالم من حولنا؛ وهذه المرة، جاء التغيير من بوابة الذكاء الاصطناعي، الذي لا يقتصر أثره على قطاع التكنولوجيا أو التصنيع فقط، بل بدأ يعيد تشكيل قطاعات تقليدية كالعقارات، بكل ما تحمله من طابع بشري وتاريخي ومادي.

تخيل أن تبحث عن منزل دون أن تلتقي بوكيل عقاري. أن تزور شقة عبر مساعد افتراضي، وتوقّع العقد رقميًا، بينما تتم صيانة المبنى وتشغيله وفق خوارزميات ذكية تتنبأ باحتياجاتك. لم تعد هذه خيالات، بل واقع بدأ يتبلور أمامنا بقوة.

كفاءة بقيمة 34 مليار دولار

في دراسة حديثة، في دراسة أجرتها مؤسسة “مورغان ستانلي” (Morgan Stanley Research) تبيّن أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أتمتة 37% من المهام التي تقوم بها شركات الاستثمار العقاري وصناديق الاستثمار العقارية (REITs)، وهو ما يعني مكاسب تشغيلية تُقدَّر بـ 34 مليار دولار بحلول عام 2030.

الدراسة، التي حللت أداء 162 شركة يعمل بها 525 ألف موظف وتبلغ تكلفة أجورهم نحو 92 مليار دولار، أشارت إلى أن المجالات الأكثر قابلية للأتمتة تشمل الإدارة والمبيعات والدعم الإداري والصيانة.

ويؤكد أحد خبراء القطاع أن الكفاءة التشغيلية، وخاصة عبر تقليص تكاليف العمالة، تمثل الفرصة الذهبية لشركات العقارات خلال الأعوام الثلاثة إلى الخمسة المقبلة.

من الوباء إلى الثورة

بدأ التحول الرقمي في قطاع العقارات يكتسب زخمًا غير مسبوق خلال جائحة كوفيد-19، حين أصبحت اللقاءات الوجاهية محدودة، واضطرت الشركات إلى اعتماد أدوات تقنية للحفاظ على استمرارية العمل.

شركة متخصصة في التخزين الذاتي أعلنت أن 85% من تعاملاتها مع العملاء تتم حاليًا عبر وسائل رقمية ذاتية. وهذا التحول مكّنها من تقليص ساعات العمل الفعلية في المواقع بنسبة 30% بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي التي تدير الموارد البشرية بكفاءة.

في قطاع الإسكان، استطاعت شركة أخرى تقليص عدد موظفيها الدائمين بنسبة 15% منذ عام 2021، وحققت في الوقت ذاته زيادة في الإنتاجية. ورغم هذا الخفض في الأيدي العاملة، لم تتراجع مؤشرات الرضى لدى العملاء أو الموظفين، بل شهدت تحسنًا واضحًا، مما يعكس الأثر الإيجابي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي على تجربة المستخدم الداخلية والخارجية.

ليس فقط تقليص عمالة: من التصميم إلى الاستدامة

لكن فوائد الذكاء الاصطناعي لا تتوقف عند تقليص النفقات. فالتقنيات الحديثة بدأت تُستخدم أيضًا في التصميم والبناء، حيث يمكن للمهندسين استخدام التصميم التوليدي (Generative Design) لابتكار آلاف التصاميم المعمارية التي تحقق أقصى استفادة من المساحة والضوء الطبيعي بأقل تكلفة ممكنة.

كما تمتد الفوائد إلى خفض تكاليف البنية التحتية، عبر تحسين نظم التهوية والتكييف، وتوظيف الطاقة الشمسية، وتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة في العقارات الذكية والمستدامة. فالمباني الحديثة تستطيع إدارة استهلاكها للطاقة والمياه ذاتيًا، وتوقع أعطال الصيانة قبل وقوعها.

وأصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي عنصرًا حاسمًا في تحليل المخاطر المتعلقة بتدفقات الأموال، وتغير المناخ، والموقع الجغرافي، والتشريعات، والصحة والسلامة.

وتُظهر التوقعات أن قطاعات مثل الفنادق والمنتجعات، والوسطاء العقاريين، ومرافق الرعاية الصحية قد تحقق تحسنًا في التدفق النقدي التشغيلي بنسبة تفوق 15% بفضل الأتمتة. بل إن قطاع الوسطاء والخدمات قد يشهد قفزة تصل إلى 34%، كونه من أكثر القطاعات تقدمًا في تبني أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI).

تحديات قادمة… وأمل أيضًا

ورغم الصورة المشرقة، لا يخلو المشهد من تساؤلات مشروعة: هل ستؤدي هذه الموجة إلى فقدان جماعي للوظائف؟ وهل سيتراجع الطلب على العقارات إذا تراجع حجم القوة العاملة؟

هناك تحذيرات من أن أي تراجع كبير في سوق العمل قد يُلقي بظلاله على قطاعي المكاتب والفنادق تحديدًا، نظرًا لحساسيتهما العالية للتغيرات الاقتصادية، وانخفاض التدفقات النقدية لديهما.

إلى جانب ذلك، تبرز تحديات أخلاقية وتنظيمية، مثل التحيز في الخوارزميات؛ فإذا تم تدريبها على بيانات تاريخية غير عادلة، قد تكرس التمييز في الإسكان. كما أن أمن البيانات والخصوصية يمثل حجر زاوية لضمان ثقة المستخدمين في هذه الأنظمة.

ومع ذلك، يرى بعض الاقتصاديين أن زيادة الإنتاجية وظهور وظائف ومهام جديدة نتيجة للذكاء الاصطناعي قد يُعيد التوازن إلى السوق، بل ويزيد من الطلب على العقارات على المدى المتوسط.

الخلاصة: المستقبل يصنع الآن

ما نراه اليوم ليس مجرّد تطور تقني، بل تحول ثقافي واقتصادي عميق في طريقة تعاملنا مع العقارات، سواء كأفراد يبحثون عن منازل عبر تجربة بحث مخصصة Hyper-Personalization) تفهم احتياجاتهم العميقة، أو كمستثمرين يخططون لسنوات قادمة.

الذكاء الاصطناعي لا يلغينا، بل يدفعنا نحو أنماط أكثر ذكاءً وكفاءة في العمل والمعيشة. والسؤال لم يعد: “هل سنستخدم الذكاء الاصطناعي؟” بل: “كيف سنستخدمه لصالح الجميع، مع ضمان العدالة والشفافية هخ والخصوصية؟”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى