العقار

هل ارتفاع سعر العقار… ظاهرة إيجابية؟

بقلم: المهندس مشعل الملحم

في لقاء تلفزيوني جمعني ذات يوم مع تاجر عقار ومذيع حواري، طُرح موضوع الارتفاع الجنوني في أسعار العقار. قلت للمقدم حينها، وبكل وضوح: “أتمنى أن تنهار أسعار العقار.” ما إن نطقت بها حتى ارتفعت نبرة التاجر، واستنكر قائلاً: “بمثل هذه الأمنية تقضي على مصالح أغلب الكويتيين، لا التجار فقط! أنت تضر الاقتصاد الوطني!” ابتسمت، وسألته بهدوء: “هل العقار السكني سلعة تجارية؟ أم حاجة إنسانية؟ هل هو مجال مضاربات يتيح رفاهية للبعض؟ أم حاجة تمسّ كرامة الإنسان، شأنه شأن الماء والخبز؟” ردّ قائلاً: “العقار السكني سلعة تجارية… لمصلحة المواطن!”

رغم أن في جوابه بعض الوجاهة، إذ للقطاع الخاص دور لا يُنكر في دعم الحلول الإسكانية، إلا أن تحويل المأوى إلى أداة للمضاربة ووسيلة للربح المفرط لا يمكن أن يُعَد توجهًا صحيًا. فتضخم الأسعار، حين لا يخضع لتخطيطٍ رشيد، يصبح طعنة في خاصرة المواطن البسيط.

….

إن الارتفاع المستمر في أسعار العقار ليس انتعاشًا اقتصاديًا بقدر ما هو استنزافٌ ممنهجٌ لمدخرات الأسر، وعبء ثقيل على الأجيال القادمة. لكن ما يثير الانتباه هو تباهي بعض الدول الخليجية بهذا الارتفاع وكأنه إنجاز يُحتفى به، دون وعي بأن التضخم السعري غير المحكوم ليس نموًا، بل قنبلة مؤجلة.

رأيتُ تقارير رسمية في إحدى هذه الدول تُظهِر ارتفاعًا متصاعدًا للأسعار خلال ثلاث سنوات متتالية، وكأنها تريد أن تقول: “ها نحن ننمو!” لكن هذا النوع من النمو قد لا يدل سوى على شيء واحد: أننا نزرع بذور أزمة مستقبلية، إمّا بانهيارات سعرية مفاجئة، أو بأزمة سكنية تُقصي المواطنين من امتلاك بيوت تليق بهم.ولعل أخطر ما في الأمر هو استخدام بعض مسوّقي العقار لهذه الأرقام المقلقة كأداة تسويقية، يخدعون بها العملاء البسطاء، فيوهمونهم أن صعود الأسعار دليل صحة، بينما هو في حقيقته عرض مرضي.

….

في الاقتصاد المتزن، تحرص الحكومات على ضبط معدلات النمو العقاري لتتماشى مع نمو دخل الفرد، وتمنع أي انفلات قد يؤدي إلى اختلال التوازن. ففي بريطانيا، على سبيل المثال، وضعت الحكومة هدفًا للتضخم لا يتجاوز 2% سنويًا، بينما تشير مؤشرات عالمية – كـ “نايت فرانك” – إلى أن نموًا يتراوح بين 4% إلى 6% قد يُعد مقبولًا. أما حين تتجاوز النسبة هذا الحد، فهنا يبدأ الخطر، وهنا أيضًا يبدأ دور الدولة في التدخل لكبح جماح السوق، لأن ما يبدو مكاسب للتجار هو في الواقع خسائر متراكمة على كاهل الناس.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى