مصر تفتح أبواب المستقبل أمام اقتصادها

بقلم – ليما راشد الملا
في خضم التحديات الاقتصادية العالمية المتسارعة، تضع مصر نفسها على عتبة تحول استراتيجي جديد من خلال إطلاق برنامج إصلاح شامل تحت عنوان “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية”. هذا البرنامج لا يقتصر على خطوات إصلاحية متفرقة، بل يشكل رؤية متكاملة تهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد المصري، وتعزيز قدرته على المنافسة، وفتح آفاق جديدة أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء. والأهم، أنه يسعى إلى خلق اقتصاد قادر على مواجهة الصدمات الخارجية والداخلية، وتحويله إلى اقتصاد المستقبل.
تكامل مع رؤية مصر 2030
يتمحور جوهر البرنامج في التكامل بين رؤية مصر 2030 وبرنامج عمل الحكومة. فالرؤية تستهدف إرساء دعائم تنمية شاملة ومستدامة، بينما يعمل البرنامج الجديد على ترجمة هذه الأهداف إلى سياسات تنفيذية وخطط عملية. يؤكد هذا التلاقي إدراك الدولة لأهمية التخطيط بعيد المدى وربطه بخطوات إصلاحية ملموسة على أرض الواقع، وهو ما يمنح الاقتصاد قدراً أكبر من المصداقية أمام المستثمرين المحليين والدوليين.
محاور أساسية للإصلاح
يرتكز البرنامج على خمسة محاور رئيسية تشكل العمود الفقري لعملية التحول:
١- استقرار الاقتصاد الكلي عبر ضبط السياسة النقدية والمالية، وخفض معدلات التضخم، وضمان استدامة الدين العام.
٢- تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال تبسيط الإجراءات وتوفير حوافز وضمان الشفافية.
٣- دعم التنمية الصناعية والتجارية الخارجية بما يسمح بزيادة الصادرات والانخراط في سلاسل القيمة العالمية.
٤- مرونة سوق العمل عبر سياسات تدريب وتأهيل تستجيب لمتطلبات القطاعات الحديثة.
٥- توطين التنمية الاقتصادية بما يضمن توزيعاً عادلاً للفرص بين مختلف المحافظات، وتخفيف التركز الجغرافي للنشاط الاقتصادي.
القطاعات الاستراتيجية الخمسة
تحدد الاستراتيجية خمسة قطاعات محورية لقيادة النمو في المرحلة المقبلة:
. الصناعة التحويلية: لتوسيع قاعدة الإنتاج وزيادة القيمة المضافة.
. الزراعة: لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الصناعات المرتبطة بها.
. الطاقة: كأحد أهم عناصر القوة التنافسية لمصر في ظل اكتشافات الغاز والتوسع في الطاقة المتجددة.
. الاتصالات: لتسهيل التحول الرقمي وتحسين كفاءة الاقتصاد.
. تكنولوجيا المعلومات: باعتبارها محركاً رئيسياً للابتكار والاقتصاد القائم على المعرفة.
هذه القطاعات لا تمثل مجرد أولويات قطاعية، بل هي ركيزة لتحويل هيكل الاقتصاد برمته نحو أنشطة أكثر إنتاجية وقدرة على المنافسة إقليمياً ودولياً.
نحو اقتصاد المستقبل
التحول المنشود يقوم على مبدأ تعزيز التنافسية وتحسين مناخ الأعمال. فالحكومة تدرك أن استدامة النمو لا يمكن أن تتحقق من دون مشاركة فعالة للقطاع الخاص، الذي يشكل المحرك الرئيسي للاستثمار وخلق فرص العمل. ومن ثم، فإن البرنامج يركز على إزالة العقبات البيروقراطية، وتبني تشريعات مرنة، وتوفير بيئة حاضنة لريادة الأعمال.
كما أن تشجيع القطاعات القابلة للتصدير يمثل خطوة محورية، إذ إن الاعتماد على السوق المحلي وحده لن يكفي لتحقيق النمو المستدام. دخول الأسواق العالمية ودمج الاقتصاد المصري في التجارة الدولية يعزز قدرته على الصمود أمام تقلبات الأسواق، ويمنح البلاد مصادر إضافية للنقد الأجنبي.
التحديات والفرص
بالطبع، يواجه هذا البرنامج تحديات كبيرة، أهمها الحاجة إلى تمويل مستدام، وضمان التنسيق بين مختلف أجهزة الدولة، والتغلب على معوقات البنية التحتية والتعليم والبيروقراطية. إلا أن الفرص تبدو واعدة، فانطلاقاً من موقعها الجغرافي المتميز كبوابة لأسواق أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، وبالتوازي مع التوجه العالمي نحو تنويع سلاسل الإمداد، تجد مصر نفسها في موقع استراتيجي يؤهلها للاستفادة من هذه التحولات.
ختاماً
برنامج السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية لا يُختزل في كونه خطة تقنية، بل يمثل تحولاً جوهرياً في فلسفة إدارة الاقتصاد المصري. نجاحه يعني بناء اقتصاد أكثر مرونة وقدرة على مواجهة الأزمات، وأكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية والسياحة، وأقرب إلى طموحات المواطنين في حياة أفضل. وفي حال واصلت مصر تنفيذ هذه الاستراتيجية، فإن المكاسب لن تقتصر على اقتصادها الداخلي، بل ستمتد لتضعها في موقع ريادي ضمن النظام الاقتصادي العالمي.