مقالات

مستقبل التعليم والتدريب في زمن “الأزمات الدائمة”

بقلم: المحامي/ محمد جميل

 

لمواجهة ما يُسمى بعصر الأزمات المستدامة، يصبح من الضروري تعزيز روح الابتكار، والمراهنة على التعلم المستمر، ولا سيما في المهارات الرقمية والقانونية والكفاءات الاجتماعية-العاطفية.

مع انغماس العالم بشكل متزايد في التحول الرقمي، تأثرت قطاعات عديدة من المجتمع، ويبرز في مقدمتها قطاع التعليم والتدريب. فقد شهدت هذه المجالات تحولات جذرية بفعل التطورات التكنولوجية والتحديات الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي أطلق مساراً جديداً لإعادة صياغة أنماط التعليم.

تتجلى أبرز ملامح هذا التحول في:

* تنامي الحاجة إلى المهارات الرقمية والتكنولوجية

* تخصيص التعليم اعتماداً على أدوات الذكاء الاصطناعي

* صعود التعليم الإلكتروني والتعليم المدمج

* إعادة الاعتبار لما يُعرف بالمهارات الناعمة (Soft Skills)

إن مستقبل التعليم لم يعد يقتصر على المعرفة المكتسبة في المراحل الأكاديمية، بل يتجاوزها إلى تنمية قدرات متجددة تتيح للفرد التكيف، الإبداع، والتقدم في عالم سريع التغير، حيث أصبح التكيف ضرورة وجودية لا خياراً.

من أبرز ملامح هذا المستقبل، الانتشار الواسع للتعليم عبر الإنترنت والتعلم المدمج، بما يوفره من مرونة ويكسر الحواجز الجغرافية والزمنية، ويتيح للمتعلمين الوصول إلى برامج ومقررات من أي مكان في العالم. وقد أصبحت المنصات الافتراضية حجر الزاوية لهذا التوجه، وستواصل التطور لزيادة التفاعل والجودة في العملية التعليمية.

أما على مستوى المهارات، فإن الثورة الرقمية تفرض حضوراً محورياً للمعرفة التكنولوجية: البرمجة، تحليل البيانات، الأمن السيبراني، وسواها من القدرات التقنية أصبحت عناصر أساسية لا غنى عنها لمواكبة التحولات العالمية.

لكن، في موازاة ذلك، يكتسب بُعد آخر أهمية استثنائية: الكفاءات الاجتماعية والعاطفية. فالتجارب أظهرت أن الاعتماد على القدرات التقنية وحدها غير كافٍ، بل لا بد من تعزيز مهارات مثل التواصل، الذكاء العاطفي، التفكير النقدي، والإبداع، وهي قيم إنسانية لا تستطيع أدوات الذكاء الاصطناعي استنساخها. هذه المهارات أصبحت حجر الزاوية في بناء فرق عمل متماسكة وقيادة فعّالة في بيئة يزداد فيها الاعتماد على الأتمتة.

ومن بين التحولات الأكثر عمقاً، يبرز مفهوم التخصيص في التعليم بفضل الذكاء الاصطناعي. إذ باتت الخوارزميات قادرة على تكييف المحتوى والمستوى بما يتناسب مع حاجات الطالب، مما يعزز فرص بلوغ الأهداف التعليمية الفردية. يضاف إلى ذلك تنامي الاعتماد على التعلّم عبر اللعب (Gamification)، الذي يحفز الدافعية ويزيد من تفاعل المتعلمين عبر دمج عناصر الألعاب في بيئات تعليمية غير ترفيهية.

إن هذه الاتجاهات مجتمعة هي استجابة طبيعية لحالة “الأزمات المستدامة” (Permacrisis)، وهو مصطلح صاغه قاموس كولينز ليصف حقبة طويلة من عدم الاستقرار وعدم اليقين، نتيجة تواتر الأزمات والصراعات. وفي هذا السياق، تصبح التدريب المستمر، وتغيير زاوية النظر، وتعزيز شبكات الدعم، والابتكار عوامل حيوية للتغلب على تحديات عالم دائم التحول.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى