مقالات

ضرورة تطبيق الحوكمة المؤسسية في العمل الإنساني وتأثيرها على الاقتصاد

 ضرورة إنشاء هيئة لتطبيق الحوكمة المؤسسية في العمل الخيري الإنساني

  • رئيس «البعثة الدولية للصليب الأحمر»: الكويت بطلة القانون الدولي الإنساني وفخورون بشراكتنا معها.
  • قد تحتاج المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 10.6 مليارات دولار لتنفيذ أنشطتها حول العالم.
  • وجود ما يقدَّر بـ 130.8 مليون شخص نازح بنهاية عام2024.
  • التقرير العالمي عن تعقب ورصد العطاء الخيري الصادر من جامعة انديانا، يأكد أنه بالرغم من صغر المساحة، الحجم الاستثنائي للكويت في مجال العمل الإنساني يقدر بحوالي مليار دولار أميركي سنويا.
  • خلال السنوات الثلاث الأخيرة دعمت الكويت العمليات الإنسانية للمنظمة الدولية للهجرة حول العالم بمبلغ تجاوز 14 مليون دولار.
  • مدير المكتب الإقليمي للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية جون لوك تونجنيت؛ ضحايا العمل الإنساني من قتل وجرح واختطاف، 280 شخصا في 33 بلدًا، وهو أمرٌ غير مسبوق.
  • تعتمد دولة الكويت على سياسات العمل الخيري في علاقاتها الخارجية فتساهم في تعزيز السلام والتنمية الاقتصادية على المدى الطويل.
  • العمل الخيري والتبرع ليس فقط أداة لدعم الدول الفقيرة والمجتمعات المتضررة، بل يعتبر أيضًا وسيلة لتعزيز مكانة دولة الكويت على الساحة الدولية.

يحتفل العالم باليوم العالمي للعمل الإنساني في 19 أغسطس من كل عام.  وبهذه المناسبة، أعلن بيان الأمم المتحدة أن عام 2023 كان الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للمجتمع الإنساني العالمي، حيث شهد زيادة بنسبة 137% في عدد الوفيات مقارنة بعام 2022، وذلك بحسب البيانات الصادرة عن مكتب أوتش،. حيث بلغ مستويات غير مقبولة في عام 2023 مع مقتل وجرح واختطاف 280 شخصا في مختلف أنحاء العالم، أكثر من نصف الوفيات كانت في غزة، حيث قُتل 163 عامل إغاثة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب. وبالرغم من ذلك، احتفل العالم بهذه المناسبة تقديرا للجهود النبيلة التي يبذلها الأفراد والمؤسسات الخيرية والفرق التطوعية لتحسين ظروف الحياة في شتى أنحاء العالم من خلال الجهود التي تسعى إلى رفع معاناة الفقراء والمحتاجين ومساعدة الشعوب من ويلات الفقر والمرض، أو التي تواجه كوارث طبيعية وأزمات إنسانية.

وبهذه المناسبة أيضا، نود أن نؤكد على الدور الريادي والاستثنائي للكويت التي تجاوز عمرها نصف قرن من الزمان في مجال العمل الإنساني على الصعيدين الإقليمي والدولي. فالعمل الخيري الكويتي لم يأت صدفة.  بدأ العمل الخيري بالكويت مع افتتاح أول جمعية في البلاد في مارس عام 1913م، على يد مؤسسها فرحان الخضير الذي قام بتأسيس مركز صحي لعلاج الفقراء والمحتاجين، بالإضافة إلى خدمات تجهيز الموتى وإعمار المساجد وتحفيظ القرآن الكريم، تلاها انطلاق الجمعية الخيرية العربية في نفس العام، ثم المدرسة الأحمدية عام 1921، ثم النادي الأدبي عام 1922، والمكتبة الأهلية الثقافية في عام 1926.

 الريادة الخيرية للكويت امتد أثرها الإقليمي والعالمي عاماً تلو عام حتى يومنا هذا، حين أصبحت الكويت تصنف وتعتبر دائما من أوائل الدول التي تمد يد العون للمنكوبين، وتقدم المساعدة للمحتاجين دون تردد، وتقوم بإطلاق عدة حملات شعبية (الغارمين) ولإغاثة المتضررين والأسر المتعففة. بالإضافة إقامة مؤتمرات المانحين، حيث عقدت ثلاث مؤتمرات في الكويت للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا، و في يوليو 2017 عقد مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار وتنمية العراق، وعقدت مؤتمرا لإعمار شرق السودان، كما استضافت الاجتماع الدوري لمجموعة كبار المانحين، وتوالت إسهاماتها الإنسانية الأخرى للمناطق المنكوبة حول العالم خاصة في قارة أفريقيا.

 فجهود مؤسسات العمل الخيري الكويتي استمرت في العطاء بسخاء لجميع القضايا الإنسانية، التزاما بمبادئ الميراث الثقافي والديني والتكافل والتضامن الإنساني المحفز له والقائمة على مبدأ البذل وإخراج الزكاة والصدقات. برغم أنها غالبًا ما تعطى في الخفاء وبدافع ديني، ستظل من أهم الخصائص التي تميز طابع العمل الخيري في الكويت، مع ملاحظة بأن هذا القطاع في الوقت الراهن يمر بمرحلة انتقالية من الفهم التقليدي لمصطلح «التبرع» إلى فهم يأخذ طابعاً أكثر استراتيجية ينبثق من دوافع راسخة تصبو إلى إحداث أثر دائم. وحسب تقرير Giving in Numbers يشير إلى أن أكثر التركيز الآن التي تعمل بها الجمعيات الخيرية هي الصحة والخدمات الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية والمجتمعية والتعليم ومبادرات دعم ريادة الأعمال.  لذلك يمر في مفترقٍ بين جيلين يخلط بين مفهوم التبرع التقليدي الخيري الذي غالباً ما يتم مع حرص على السرية والخصوصية إلي تطور وفهم أوسع وتركيز متزايد على العطاء والتبرع الاستراتيجي المستدام النابع من الرغبة في ترك أثر إيجابي علي المدى الطويل. فالرغبة بالتمويل الاستراتيجي الذي يعتبر طريقة أشمل للتبرع يقودها الحرص على إيجاد حل جذري لسبب المشكلة بدلاً من تقديم حلول سريعة مؤقتة بعيدا عن أي تمييز أو تفريق على أساس الدين أو العرق.   فقد وصل عدد الدول التي وصلت مشاريعها الإنسانية والإغاثية إلى نحو الـ 70 دولة وفي مناطق ومجتمعات الأكثر عرضة للمخاطر والكوارث والفقر مثل سوريا و اليمن و الصومال وغيرها من الدول.  فلا تكاد تجد دولة من دول العالم إلا وللكويت فيها مشروع خيري، بل سميت بعض القرى والشوارع باسم الكويت لما قامت به من مشروعات خيرية وإنسانية في تلك البلدان.

بالتقرير العالمي عن تعقب ورصد العطاء الخيري الصادر من جامعة انديانا، وبالرغم من صغر المساحة، فإن الحجم الاستثنائي للكويت في مجال العمل الخيري الإنساني يقدر بحوالي مليار دولار أميركي سنويا.  هذه المسيرة الاستثنائية حظيت بالإشادة والتكريم على المستوى العالمي، وكان أبرزها تسمية منظمة الأمم المتحدة للكويت «مركزا للعمل الإنساني»، ومنح المغفور له بإذن الله سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد لقب «قائد العمل الإنساني» في 9 سبتمبر 2014 وجرى ذلك خلال احتفال تاريخي رسمي أقامه معالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة  بان كي مون في مقر الأمم المتحدة وهو حدث غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة. وتم تعيين الدكتور/ عبد الله المعتوق كمبعوث للأمين العام للشؤون الإنسانية  وتم بعد ذلك صياغة قانون جديد للعمل الخيري بموجب المرسوم رقم 43 لسنة 2018 بشأن العمل الخيري.

ولأهمية الدور والحجم المالي الملياري الاستثنائي للجمعيات الخيرية الإنسانية في الكويت ( 150 مبرة و60 جمعية خيرية وإنسانية)، ونطاق العمل والتوسع الجغرافي، بالإضافة إلى جانب الدور المتنامي الذي تلعبه المؤسسات والشركات العائلية في قيادة المبادرات الاجتماعية المستدامة في المنطقة في مجال العمل الخيري الإنساني العالمي، ومن أجل رفع درجة الوعي بمزايا الحوكمة المؤسسية الجيدة للعمل الخيري الإنساني وتأثيرها على الاقتصاد وتقديم الدعم للعاملين في العطاء والعمل الخيري، فإني أجد الدافع لأن تكون هناك رؤية لهذا العمل الخيري ليرقى للإطار العالمي وليس على المستوى المحلي فقط.

 لذلك أحببت تسليط الضوء على قضية تحسين القواعد والممارسات والعمليات التي تتبناها الجمعيات الخيرية الإنسانية بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني، 19 أغسطس 2024.   فإليك فكرة تبني الحوكمة المؤسسية لمساعدة المهتمين في تطوير العمل الإنساني في تنفيذ وتبني مفهوم الحوكمة المؤسسية في العمل الخيري الإنساني.  حيث سوف أبرز أهمية تنفيذ هياكل وقواعد الحوكمة الأخلاقية والشفافية والمساءلة في الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الربحية والإنسانية كالتالي:

1. المقدمة

  تعريف الحوكمة المؤسسية (CG)Corporate Governance: تشير الحوكمة المؤسسية في العمل الخيري الإنساني إلى الأنظمة والعمليات والمبادئ التي توجه إدارة وتشغيل المنظمات المكرسة لتقديم المساعدة والإغاثة. تعتبر هذه الحوكمة أساسية لضمان أن تعمل هذه المنظمات بكفاءة وأخلاقية ومسؤولية. بالإضافة إلى تأثيرها على فعالية المهام الإنسانية، فإن الحوكمة المؤسسية القوية في هذا القطاع المهم على مستوي العالم وتاريخ الإنسانية، لها آثار أوسع على الاقتصاد وتلعب دورًا مؤثرًا وجوهريًا في دعمها من أجل التغلب على المشاكل والتحديات التي تواجهها خلال دورة حياتها خاصة في المناطق المتأثرة بالأزمات والكوارث. وأسوة في إنشاء هيئة أسواق المال (CMA) للشركات المدرجة، والتي كما ذكرنا سابقا تعتبر من أهم الطفرات الإدارية و تجربة ناجحة ونموذج ممتاز علمياً وفعليا وقانونيا، فيجب ألا تقتصر مزايا الحوكمة المؤسسية على القطاع الخاص وأنشطته الاجتماعية، حيث يمكن لمؤسسات العمل الخيري الإنساني الاستفادة بدرجة كبيرة من تلك القواعد والممارسات التي تؤدي بدورها إلى زيادة الفعالية التنظيمية.  لذلك أنصح بإنشاء هيئة خاصة لتنظيم العمل الخيري وأعتقد إنها مقبولة وبل مستحقة لتوحيد وتخفيف الجهود بين9  جهات هي وزارات الخارجية والأوقاف والداخلية، والبنك المركزي، وإدارة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإدارة الجمعيات والمبرات الخيرية بوزارة الشؤون، وإدارة الدراسات القانونية، والفتوى والتشريع بوزارة الشؤون الاجتماعية، وممثلين عن 8 جمعيات خيرية.

أهمية الحوكمة المؤسسية في العمل الخيري الإنساني وتأثيرها على الاقتصاد

تعتبر فكرة الحوكمة مهمة للمنظمات الخيرية الإنسانية مقبولة ومستحقة لأنها مكلفة بإدارة الأموال العامة وأموال المتبرعين الطائلة، وتقديم المساعدة، وضمان استخدام الموارد بكفاءة لتلبية احتياجات الفئات المستهدفة.

2. دور الحوكمة المؤسسية في المنظمات الخيرية الإنسانية:

المساءلة أمام أصحاب المصلحة: تضمن الحوكمة المؤسسية المساءلة أمام أصحاب المصلحة، بما في ذلك المتبرعين والمستفيدين والشركاء والهيئات التنظيمية. فهناك حاجة ملحة إلى الإشراف الأخلاقي النزيه وآليات وسياسة الإبلاغ (Whistle Blower) عن أي فساد أو انحراف باستخدام الأموال كما هو مقرر وحماية المبلغ ضروري أيضا. 

الشفافية والإفصاح الكامل في العمليات: الشفافية والإفصاح في اتخاذ القرارات والعمليات المالية تبني الثقة بين المتبرعين والجمهور والذي يتم النظر فيه عند اتخاذ القرار بشأن منح التمويل . يجب على المنظمات التواصل بوضوح حول كيفية تخصيص الأموال، والتقدم في المشاريع، وأي تحديات تواجهها. تساهم الممارسات والإفصاحات المالية الشفافة في الحفاظ على الثقة وتشجيع استمرار التمويل، وهو أمر حيوي لدعم الاقتصاد أثناء الأزمات المطولة.

إدارة المخاطر (Risk Management): . تمتلك المؤسسة التي ترسخ إدارة المخاطر في ثقافتها القدرةَ على خلق بيئة تضمن بقاء الإدارة والموظفين على حذر ودراية بأي تحديات داخلية وخارجية قد تواجه المؤسسة. تساعد هياكل الحوكمة في تحديد أطر وإدارة المخاطر من خلال توفير الحد الأدنى من الحماية لبيئة العمل مثل الخدمات الإدارية والمالية والإعلامية والرقابية ودعم صناعة القرار. تمثل الإجراءات والعمليات والضوابط الداخلية الموضوعة بصورة ملائمة مرجعاً إرشادياً للموظفين بشأن الطرق الأكثر فعالية لتنفيذ مهامهم وتسهل امتثالهم للشروط التنظيمية والتعاقدية وتزيل أي غموض أو لبس بشأن المساءلة وتحفز الموظفين على تحقيق نتائج إيجابية فيما تعمل على إدارة المخاطر في ذات الوقت.  فعدم الكفاءة التشغيلية، والمخاطر المتعلقة بحسن السمعة (Organizational Reputation Image) واستقطاب أصحاب المواهب والمهارات والإبقاء عليها، وتأمين التمويل ومواجهة الأزمات، ومخاطر الفساد، والبيئات القانونية المعقدة في السياقات الإنسانية (غزة والسودان وأوكرانيا) يؤدي إلى عواقب وخيمة.  هناك حاجة لإجراء دراسات تحليلية أكثر تعمقاً بشأن سبل زيادة فعالية تنفيذ المؤسسات لتلك الجوانب من ممارسات الحوكمة الجيدة، وذلك عبر إجراء البحوث ومشاركة المعلومات وتبادل التجارب والخبرات وتشجيع المناقشة والحوار.

3. مبادئ الحوكمة الرئيسية في العمل الإنساني:

بناء هيكل متوازن لمجلس الإدارة: جودة مجلس الإدارة يعد من العوامل الرئيسية التي تتم دراستها عند تقديم التمويل للجهات المنفذة.  فيجب أن يضم مجلس الإدارة أعضاء تنفيذيين ومستقلين ومن الجنسين. مجلس الإدارة مهم جدا في توفير الإشراف، ووضع الأهداف الاستراتيجية، في أنشطة التخطيط الاستراتيجي ووضع الخطط السنوية مع التركيز بدرجة أكبر علي مجالات أخرى مثل التنوع وخطط التعاقب الوظيفي لتجنب أية شكوك أو قضايا تنشأ عن اعتماد المؤسسة على أفراد معينين وضمان التزام المؤسسة بمهمتها. يجب توازن المجالس القوية بين الفعالية والمسؤولية الأخلاقية. أيضاً يجب تشكيل عدداً من اللجان الفرعية لتقديم الدعم للمؤسسة مثل اللجان التنفيذية ولجان التدقيق أو حتى استحداث لجنة تسمى لجنة الاستثمار. وذلك بسبب أنه في بعض الأحيان يكون أعضاء مجلس الإدارة يتمتعون فعلا بالنزاهة والشرف لكنهم بحاجة لرأي أكثر خبرة بشأن اتخاذ قرار الاستثمار. لذا يجب تشكيل لجنة الاستثمار تتكون من أعضاء مجلس الإدارة وخبراء مختصين ممن لديهم القدرة على اتخاذ قرارات الاستثمار بناء على معرفة أفضل. فيجب إجراء المزيد من البحوث والدراسات التحليلية من أجل رفع قيمة وفعالية مجالس الإدارة وآلية الترشيح والاختيار وتوازن العلاقة والحجم بين النشاط وحجم مجالس إدارتها.

إدارة استقطاب المواهب وأداء الموظفين:  إسوة بالشركات المدرجة الخاضعة للحوكمة والقطاع الخاص عامة، وللتغلب علي التحديات التي يواجهها هذا القطاع الثالث المهم ومنها الإبقاء على الكوادر والمهارات البشرية لا سيما تنمية مهارات الخريجين الجدد.  ومن أجل التغلب على هذا التحدي، يجب الاستعانة بمنهجيات اختيار فعّالة ومطبقة تعتمد على تقييم معمق وموضوعي للكفاءات. فهذه المنهجيات مصممة ومجرّبة للكشف عن قدرة المرشحين على التعامل مع الضغوط والتحديات الفعلية للمنصب، وتحدد بوضوح الأشخاص الذين يمتلكون القدرات والكفاءة اللازمة المهنية والأخلاقية (مثلا الميول للفساد أو الرشوة أو السرقة) وتحقيق النتائج المطلوبة والمأمولة وبكفاءة لاختيار موظفين يتمتعون بالمهارات اللازمة لإدارة العمليات بما يسهم في رفع معدل الإنتاجية.  ويجب تخصيص ميزانية لتدريب وتطوير الموظفين وتقديم حوافز منافسة للقطاع الحكومي أو الخاص.  بالإضافة فيجب على المشرفين والمديرين مناقشة أداء الموظفين دوريا في منتصف العام وتقديم نقد بناء وملاحظات كتابية لنقاط الضعف التي يمكن العمل على تحسينها خلال العام مع إتاحة لهم فرصة الرد على ما جاء في تقييم الأداء. فضلاً عن ذلك، تتم أيضاً مناقشة فرص التطوير المهني والترقيات والعلاوات والمكافآت (حاليا جدا منخفض) ويتم تحديدها في ذلك الحين.  يضمن تطبيق هذا المنهج الشامل لإدارة أداء الموظفين امتثال جميع العمليات والأنشطة الخاصة بالمؤسسة لنظام الحوكمة وللاستراتيجية المحددة والرؤية والرسالة والأهداف الموضوعة.

مدونة قواعد السلوك للموظفين والقيادة الأخلاقية (Code Of Conduct): تحدد مدونة قواعد السلوك مسؤوليات المؤسسة وموظفيها وممارساتهم بتحديد السلوكيات والنتائج المتوقعة من الموظفين (الجدد أيضا) في إطار أهداف وتوجيهات وأخلاقيات المؤسسة. فيجب أن تطلب من موظفيها الإقرار رسمياً بقراءتها والتوقيع عليها، كما تساعد الموظفين على اتباع التوجيهات في الحالات والمواقف غير الواضحة (الرشوة، التحرش) وتوفر أداة للمساءلة يمكن الاستعانة بها لتقييم سلوكيات الموظفين عندما يتطلب الأمر.  يجب أن يجسد مجلس الإدارة القيادة والمبادئ الأخلاقية وزرع ثقافة النزاهة، مما يضمن أن يتصرف الأعضاء لصالح المنظمة والمستفيدين من خلال تمكين المؤسسات من توثيق إجراءاتها ووضع أدلة وإرشادات لجميع الأطراف المعنية، بما يضمن بقاء الحوكمة في قلب ممارسات المؤسسات.

الضوابط الداخلية والإجراءات والتدقيق وتوزيع الموارد بكفاءة: تضمن الحوكمة المؤسسية استخدام مواردها (مثل التبرعات والمنح بكافة أشكالها) بكفاءة مع الكفاءة الإدارية والمالية والرقابية مما يؤدي إلي أن الأموال تُخصص وتوزع حيث تكون الحاجة ماسة، مما يقلل من الهدر ويزيد من تأثير كل دولار يُنفق. على سبيل المثال، تساعد الميزانيات والقوائم المالية الشفافة المعدة من مكاتب محاسبة مسجلة وفريق مهني مؤهل والإشراف المالي على إنفاق أكثر دقة ومسؤولية، مما يضمن أن المنظمات الخيرية الإنسانية تستطيع الوصول إلى المزيد من المستفيدين ودعم الاقتصادات المحلية بعد الكوارث أو النزاعات.  حيث تضمن الضوابط الداخلية والتدقيق الداخلي والخارجي الدورية والمنتظمة أن يتم إدارة الموارد بشكل صحيح، مما يقلل من مخاطر الاحتيال والفساد.  وبترسيخ هذه القاعدة المهمة التي تعتبر من متطلبات هياكل الحوكمة قد تم وضع آليات لضمان سلامة المنظمة.

4. التحديات في تنفيذ الحوكمة المؤسسية في العمل الخيري الإنساني:

تعقيد البيئات التي تعمل بها: بعض الأوقات البيئة التي تعمل بها المنظمة غير متهئية لمبادئ الحوكمة ويوجد صعوبة في الحفاظ على معايير الحوكمة في بعض مناطق الأزمات والصراعات. فالطبيعة الفوضوية والطارئة لهذه البيئات تضعف هياكل الحوكمة.

التوازن بين المرونة والرقابة: يجب التحلي في المرونة في الاستجابات الإنسانية مع الحفاظ على السيطرة على الموارد. في الأزمات المتسارعة، يجب أن تكون القرارات سريعة، ولكن يجب أن يكون ذلك متوازنًا مع المساءلة والإشراف.  فعمليات الرقابة وتقييم آثار البرامج والأنشطة من بين معايير الحوكمة الأكثر تطبيقاً.

ضغوط التمويل والمتبرعين: يمكن أن يكون التمويل غير مستقر أو مرتبطًا بشروط معينة من المتبرعين، مما قد يضع ضغطًا على هياكل الحوكمة لإعطاء الأولوية لمشاريع أو مناطق معينة. فيجب في هذه الحالة ان تقوم الحوكمة المؤسسية في مواءمة أولويات المتبرعين مع مهمات المنظمة دون المساس بالمعايير الأخلاقية.

5. الفرص لتعزيز الحوكمة في المنظمات الخيرية الإنسانية:

المساءلة والشفافية والتكنولوجيا والبيانات: التكنولوجيا لها دور محوري في دعم الحوكمة بشكل أفضل، مثلا من خلال التتبع المالي الرقمي، وتحسين جمع البيانات، وإعداد التقارير وزيادة الشفافية عبر المنصات الإلكترونية لأن المساءلة والشفافية من المبادئ الأساسية للحوكمة المؤسسية أمام المتبرعين والمستفيدين وأصحاب المصالح والجمهور بشكل عام. وبهذا يتعزز السلوك المهني والأخلاقي كما يساهم في بناء ثقة الأطراف المعنية في المؤسسة وصقل صورتها بصفة عامة وتجذب أيضًا المزيد من التمويل، وهو أمر بالغ الأهمية لدعم الأنشطة الاقتصادية في المناطق التي تُقدم فيها المساعدات.

إدارة التخطيط وتقييم النتائج وبناء القدرات والإمكانيات: أحد الطرق لتحسين التأثير الاقتصادي للعمل الإنساني هو بناء قدرات هذه المنظمات في ممارسات الحوكمة. تدريب أعضاء المجالس، وفرق القيادة والعاملين على ممارسات الحوكمة والأخلاقيات والامتثال جدا ضروري واعتماد حلول تكنولوجية لتحسين الإشراف وتعزيز الشفافية بالقياس الكمي والنوعي لتأثير البرامج من خلال الأدوات الرقمية التي يجب أن تجمع باستمرار من خلالها معلومات مرحلية بخصوص أداء البرامج. فوجود منهج معترف به لتقييم أثر أنشطة وبرامج العمل الخيري وزيادة المعرفة في توسيع نطاق تقييمها وتحسينه وتطبيق أفضل ممارسات المتابعة والتقييم المصممة خصيصاً لتلائم احتياجات بيئتنا وبنظرة شمولية.  وقد يكون ذلك عبر تبني ممارسات المتابعة والتقييم للنتائج في جميع مراحل وجوانب تصميم البرامج وتنفيذها التي تُبرز مع مرور الوقت الأشياء التي تسير بشكل جيد وتلك التي تحتاج إلى تصحيح مسار ووضع النتائج نصب عينيها وسوف تمكن في صنع القرار من رفض أية مبادرات لا تدخل ضمن ذلك الإطار.هياكل الحوكمة تحتاج إلى التحسين المستمر والاستخدام الكامل للموارد البشرية. فأهمية تدريب على ممارسات الحوكمة والأخلاقيات والامتثال ضروري جدا للغاية.

إدارة التدقيق الداخلي: إن عمليات التدقيق بطبيعتها لا تختص فقط بتقديم صورة مختصرة عن الوضع الحالي للعمليات التشغيلية داخل المؤسسة، بل تعرض الإجراءات التصحيحية الموضوعية والمستقلة من أجل تحقيق أهداف المؤسسة في الوقت المحدد وفي حدود الميزانية وبما يتماشى مع مستويات الجودة المتوقعة.  وتضطلع أعمال التدقيق بتحديد الثغرات والمخاطر التي يمكن تصحيحها من أجل تحسين عملية اتخاذ القرار وتحقيق أهداف المؤسسة.

الحوكمة التعاونية والشراكة مع القطاع الخاص: لم تعد المنظمات الخيرية الإنسانية كما في السابق تعيش بمعزل عن بعضها البعض والقطاع الخاص كل يسير في دربه، بل أصبحت هناك شراكات في العمل الخيري والإنساني .  فهذه الشراكات أصبحت من أهم الأعمدة التي يرتكز عليها العمل الإنساني والخيري، فلم يعد بإمكان المؤسسات الخيرية أن تعيش في معزل عما يحدث في العالم، فمن خلالها يمكن الوصول إلى مناطق النزاعات المختلفة في ظل التحديات التي تواجه العمل الإنساني، ولقد أضحت الشراكة مع تطور الفكر الإنساني ثقافة ضرورية لتنمية المجتمعات الفقيرة، وحاجة ملحة لتمكين المؤسسات الخيرية عبر آليات التنسيق والجودة وصياغة برامج ومبادرات مشتركة، تعود بالخير والنماء على الإنسانية جمعاء. إن التعاون والشراكات فيما بين المؤسسات الخيرية الإنسانية من شأنه أن يزيد توسيع وتأثير نطاق هذه البرامج وأنشطة هذه المؤسسات عبر تجنب ازدواجية الجهود وبناء قدرات المؤسسات الأخرى العاملة في نفس المجال بما يسهم في تحقيق رسالاتها وأهدافها المشتركة. وسوف يكون لإنشاء نظم وممارسات حوكمة جيدة على مستوى بيئة العمل الخيري دور في زيادة فعالية الائتلافات والشراكات من خلال تحديد الأهداف والرسالة والرؤية التنظيمية والحث على تطبيق مستويات أعلى من الشفافية والمساءلة.  فتشجيع الحوار والتعاون بين المنظمات الخيرية الإنسانية والقطاع الخاص يمكن أن يساعد في سد الفجوة بين الإغاثة قصيرة الأجل والتنمية الاقتصادية طويلة الأجل. تتطلب هذه الشراكات حوكمة قوية لضمان أن تكون أخلاقية ومفيدة للطرفين وتخلق تآزرًا يعزز التنمية الاقتصادية، خاصة في المناطق المتأثرة بالأزمات. 

6. التأثير الاقتصادي للحوكمة المؤسسية في العمل الإنساني: الحوكمة القوية في المنظمات الخيرية الإنسانية لا تؤثر فقط على من هم على صلة مباشرة، بل لها أيضًا تأثيرات أوسع على الاستقرار الاقتصادي، والتعافي، والتنمية، خصوصًا في المناطق المتأثرة بالنزاعات أو الأزمات الصحية.

تعزيز الاقتصاديات المحلية: من خلال توظيف الموظفين المحليين، وشراء السلع والخدمات من الموردين المحليين، والاستثمار في البنية التحتية، وضخ موارد مالية في المجتمعات المتضررة سوف يؤدي إلي تحفيز الانتعاش والنشاط الاقتصادي في المناطق التي تتعافى من الكوارث أو النزاعات. فالحوكمة الفعالة تضمن أن تكون هذه الجهود مستدامة ومتوافقة مع أهداف التنمية الاقتصادية طويلة الأجل.

تعزيز الاستقرار الاقتصادي: غالبًا ما يتم العمل الخيري الإنساني في مناطق تشهد عدم استقرار اقتصادي. فالحوكمة الجيدة في المنظمات الخيرية الإنسانية تضمن وصول المساعدات بشكل فعال وسريع، مما قد يساعد في منع انهيار الاقتصادات في المناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية أو الحروب أو الأوبئة. فمن خلال تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية والمأوى، تسمح هذه المنظمات للسكان المحليين بالتركيز على إعادة بناء وتثبيت سبل عيشهم وتقديم الخدمات الأساسية والمساهمة في الانتعاش الاقتصادي.

التنمية وإعادة الإعمار: تلعب المنظمات الخيرية الإنسانية غالبًا دورًا في مشاريع التنمية طويلة الأمد، مثل إعادة بناء البنية التحتية والمدارس والمستشفيات. تضمن الحوكمة القوية تنفيذ هذه المشاريع بكفاءة، مما يزيد من تأثيرها الاقتصادي الإيجابي بشكل فاعل في تخفيف المعاناة الإنسانية والاستثمار في التعليم، والتمكين الاقتصادي، ودعم الشرائح الفقيرة بمشروعات إنتاجية تسهم في تنمية مجتمعاتهم.

7. فشل الحوكمة وعواقبها الاقتصادية:

   سوء الإدارة والفساد: يمكن أن يؤدي ضعف الحوكمة إلى سوء إدارة الأموال، والفساد، وعدم الكفاءة، مما قد يكون له عواقب اقتصادية وخيمة. الموارد التي يُفترض أن تدعم التعافي والتنمية قد تتبدد، مما يترك السكان المتضررين دون الدعم اللازم ويقلل من ثقة المتبرعين ويطيل أمد الصعوبات الاقتصادية. 

تدهور ثقة المتبرعين: يمكن أن تؤدي إخفاقات الحوكمة إلى ضعف ثقة المتبرعين، مما يؤدي إلى تقليل التمويل للجهود الإنسانية. يمكن أن يؤدي نقص المساعدات إلى تباطؤ الانتعاش الاقتصادي في المناطق التي تعتمد على الدعم الخارجي لإعادة البناء بعد الأزمات. فثقة المتبرعين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحوكمة المنظمات الإنسانية. فمن الضروري تطبيق ممارسات الحوكمة القوية في بناء الثقة مع المتبرعين وضمان تدفق مستمر للتمويل الذي يدعم النمو والاستقرار الاقتصادي.

8. الرابط بين الحوكمة والتنمية المستدامة:

استدامة برامج المساعدات: تساهم الحوكمة المؤسسية في استدامة برامج المساعدات الإنسانية. عندما يتم إدارة المنظمات بفعالية، فإنها تكون أكثر قدرة على تحقيق تأثيرات اقتصادية دائمة، مثل تمكين الاقتصادات المحلية من الازدهار بشكل مستقل عن المساعدات الخارجية. تضمن الحوكمة الجيدة تنفيذ هذه المشاريع بفعالية وبالتنسيق مع الحكومات والمجتمعات المحلية. لا توفر هذه الاستثمارات فوائد فورية فحسب، بل تساهم أيضًا في التنمية الاقتصادية طويلة الأجل من خلال تحسين التعليم والرعاية الصحية وأنظمة النقل.

المواءمة مع أهداف التنمية الاقتصادية: يمكن للمنظمات الإنسانية التي تتمتع بحوكمة جيدة أن تتماشى بشكل أفضل مع أهداف التنمية الاقتصادية المحلية والوطنية.    

9. خلق قنوات تواصل لتعزيز الحوار: يجب إيجاد منصات تفتح آفاق الحوار لمناقشة النجاحات والتحديات التي تواجهها بيئة العمل الخيري لتضم جميع الجهات ذات العلاقة بزيادة التواصل مع الأطراف المعنية الخارجية لاستطلاع أفضل الممارسات في مجال العمل الخيري في الكويت ومنطقة الخليج. وتكون الأهداف الأساسية من تلك القنوات هو إيجاد طرق عملية ملموسة تُمكّن العمل الخيري الإنساني من زيادة تطبيق ممارسات الحوكمة الرشيدة، وتحديد الإجراءات الواجب اتخاذها لتوفير دعم أفضل للجهات العاملة في القطاع بغرض تحسين تلك الممارسات.

10. الخاتمة

تعزيز أهمية الحوكمة: قد بدأت المنظمات الخيرية الإنسانية في الكويت والخليج عامة بتكريس الجهود لترسيخ ممارسات الحوكمة الجيدة لديها. تساعد مبادئ الحوكمة، مثل الرؤية، والرسالة، ومجلس الإدارة، والضوابط الداخلية، ومدونة قواعد السلوك، في إدارة الأطراف المعنية واستقطاب التمويل من الجهات المانحة ذات الصلة. الحوكمة المؤسسية ضرورية لنزاهة وفعالية واستدامة المنظمات الخيرية الإنسانية. فيجب تشجيع أصحاب المصلحة في العمل الإنساني على إعطاء الأولوية للحوكمة المؤسسية لضمان أن منظماتهم مجهزة لتحقيق مهماتها بشكل أخلاقي وفعال. وسوف تساعد الحوكمة في فكرة عولمة العمل الخيري الكويتي حيث إن أهم المؤسسات الدولية وهي الصليب الأحمر الدولي كانت مؤسسة محلية انطلقت من رجل سويسري مع مجموعة سويسرية، وتعتبر اليوم من أعرق المؤسسات الدولية التي تجاوز عمرها 150 سنة، في المقابل فإن المؤسسات الخيرية الكويتية يمكن أن تصبح منظمات خيرية عالمية والفوائد الكبيرة التي يمكن أن تجنيها تلك المؤسسات من ناحية زيادة المساهمات ودعم العمل الخيري بمشاريع نوعية تنموية تساهم بشكل مختلف في التصدي للفقر المدقع وتحقيق الأهداف الإنمائية للإنسانية.  لذا فكرة الحوكمة المؤسسية للأعمال الخيرية الإنسانية هي الأسلوب الأمثل في صناعة بيئة قادرة على تعزيز القطاع الخيري بالانضباط الإداري والمالي، والتي سوف تصنع قاعدة صلبة يمكن أن تبني جهات خيرية كبيرة. الحوكمة المؤسسية في العمل الإنساني ليست مجرد ضمان للعمل الأخلاقي والشفاف؛ بل هي محرك رئيسي للتأثير الاقتصادي، خاصة في المناطق التي تتعافى من الأزمات. تمكن الحوكمة القوية المنظمات الإنسانية من تقديم المساعدات بشكل أكثر كفاءة، ودعم الاقتصادات المحلية، والمساهمة في التنمية طويلة الأجل.

عدنان البدر.

باحث ومستشار استراتيجي في سياسة الموارد بشرية وبيئة العمل ورئيس ومؤسس الجمعية الكندية الكويتية للصداقة والأعمال.

ckbafa@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى