باكستان على جبال الذهب… هل تقودها الثروة المعدنية لتكون نمر اقتصادي؟

بقلم – ليما راشد الملا
في قلب جنوب آسيا، تقف باكستان على كنز جيولوجي لم يُفتح بعد. فخلف جبال بلوشستان الوعرة وسهول البنجاب الخصبة، تختزن الأرض أكثر من 92 نوعًا من المعادن الثمينة، تُقدّر قيمتها بين خمسة وثمانية تريليونات دولار أمريكي. ومع ذلك، تبدو هذه الثروة كالحلم المؤجل، إذ لا تزال البلاد تُصدّر أقل من 0.1% من إجمالي صادرات المعادن في العالم.
تغطي الثروات المعدنية في باكستان مساحة شاسعة تصل إلى نحو 600 ألف كيلومتر مربع، أي ما يقارب 80% من مساحة البلاد. وتشمل احتياطيات ضخمة من النحاس والذهب والفحم، إضافة إلى معادن استراتيجية مثل الليثيوم والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة التي تمثل عصب الصناعات التكنولوجية الحديثة.
ثروة خام في اقتصاد واعد
على الرغم من هذا الغنى الطبيعي، يواجه الاقتصاد الباكستاني تحديات مثل كل الاقتصاديات في العالم . في المقابل، تبقى الموارد المعدنية غير مستغلة بالكامل، لأسباب تتراوح بين تهيئة البنية التحتية والسعي إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، الضخمة التي تسهم في استغلال تلك المكامن.
تاريخيًا، تسعى باكستان للاستفادة من بعض مشاريع التعدين الكبرى مثل مشروع “ريكو ديك” في بلوشستان، أحد أكبر مناجم النحاس والذهب في العالم. لكن المشروع واجه تحديات مع شركات أجنبية وتوقف مرارًا قبل أن يُعاد إطلاقه مؤخرًا بشراكة جديدة بين الحكومة الباكستانية ومستثمرين دوليين. هذا المثال يؤكد بدقة التحدي: كيف يمكن تحويل الثروة الخام إلى صناعة وطنية منتجة وتفادي التحديات.
عيون واشنطن على المعادن الباكستانية
في السنوات الأخيرة، بدأ الاهتمام الأمريكي يتزايد بالثروات المعدنية في باكستان، خصوصًا مع صعود الطلب العالمي على الليثيوم والكوبالت — وهما عنصران حيويان لصناعة البطاريات والسيارات الكهربائية.
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أشار بوضوح إلى رغبة واشنطن في “استكشاف فرص الاستثمار في المعادن والهيدروكربونات الباكستانية”، خاصة بعد توقيع اتفاق تجاري جديد يتضمن التزامات استثمارية أمريكية في مجالات التعدين والطاقة.
باكستان لم تعد مجرد لاعب إقليمي محدود، بل اصبحت ورقة جيو-اقتصادية مهمة في المعادلة العالمية فيما يخص الموارد الاستراتيجية.
الطريق بين الفرصة والمخاطرة
تحويل باكستان إلى مركز عالمي لتعدين المعادن يتطلب أكثر من مجرد نوايا طيبة أو اتفاقيات على الورق. فالبنية التحتية للطاقة والنقل بحاجة إلى مزيد من التطوير، كما يجب تعزيز الشفافية والحوكمة في قطاع التعدين الذي لطالما اتُّهم بالفساد وسوء التوزيع.
وفي المقابل، يمثل دخول شركات أجنبية كبرى فرصة حقيقية لتوفير التمويل والتكنولوجيا والخبرة، بشرط أن يُدار التعاون بشفافية تضمن مصلحة الاقتصاد الوطني لا مصالح الأطراف الخارجية فقط.
إن نجاح باكستان في استغلال ثرواتها المعدنية قد يفتح أمامها بابًا واسعًا لتفوقها الاقتصادي، ويجعلها أحد أكبر مورّدي المعادن في العالم خلال العقد المقبل.
فهل ستتمكن باكستان من تحويل كنوزها المدفونة إلى محرك للنهوض الاقتصادي، أم ستبقى ثروتها المعدنية لعنةً جديدة تُضاف إلى سجل الفرص الضائعة؟