مقالات

“جريمة إفشاء السر المتصل بالعمل أو الوظيفة أو المنصب”

يرى بعض الفقهاء القانونيين أن المادة 43 من قانون الإثبات رقم 39/1980 هي الأساس القانوني للامتناع عن إفشاء الأسرار في التشريع الكويتي، إذ تنص على: –

“والموظفون والمكلفون بخدمة عامة لا يشهدون ولو بعد تركهم العمل عما يكون قد وصل إلى علمهم في أثناء قيامهم به من معلومات لم تنشر بالطريق القانوني ولم تأذن السلطة المختصة في إذاعتها ومع ذلك فلهذه السلطة أن تأذن لهم في الشهادة بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم ولا يجوز لمن علم من المحامين أو الأطباء أو الوكلاء أو غيرهم عن طريق مهنته أو صفته بواقعة أو بمعلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته، مالم يكن ذكرها له مقصوداً به فقط ارتكاب جناية أو جنحة. ومع ذلك يجب على الأشخاص السالف ذكرهم أن يؤدوا الشهادة عن الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم من أسرها إليهم على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم.

نعود سريعاً إلى نص المادة 119 من قانون هيئة أسواق المال الذي نص على جريمة إفشاء السر المتصل بالعمل أو الوظيفة أو المنصب.

ويبين من نص هذه المادة أن المشرع الكويتي قد حدد شرطين مفترضين لهذه الجريمة.

الأول: يتعلق باشتراط صفة معينة في الفاعل.

والثاني: يتعلق بالسر محل الحماية الجنائية.

أما عن الشرط الأول المتعلق بصفة الفاعل.

فنجد هنا أن المشرع استخدم عبارة “كل من يخضع لأحكام هذا القانون” وذلك لتحديد فئة المخاطبين بالتجريم المنصوص عليه في المادة 119.

وتساءل بعض الفقه: ما معنى الخاضعين لهذا القانون؟ وما حدود ذلك؟ وهل هذه الصفة تكون شخصية أم موضوعية؟

بمعنى هل هذه الصفة تتوافر لفئات وطوائف من الأشخاص يمكن تحديدهم بأعيانهم حتى وإن كان التحديد يتصل بما يشغلونه من منصب أو وظيفة أو عمل؟ أم أن التحديد موضوعي عام يشمل كل من يتصل بأي عمل أو معاملة خاضعة لقانون هيئة أسواق المال فيكون الشخص بالتالي خاضعاً لهذه المادة.

ويرى البعض أن المقصود بالخاضعين لأحكام هذا القانون مفوضو وموظفو هيئة أسواق المال، لا سيما من تثبت له صفة الضبطية القضائية لما له من سلطة تمكنه من الاطلاع على معلومات وبيانات الشركات والأشخاص المرخص لهم. ولكن يشترط أن يكون الشخص قد حصل على السر بسبب تنفيذ أحكام هذا القانون لا أن يكون تنفيذاً لقانون أخر.

وبالمثال يتضح المقال….

فالأسرار التي يحصل عليها مراقب الحسابات من خلال أعماله المنصوص عليها في قانون الشركات لا تخضع للحماية الواردة في هذه المادة وأن السر يجب أن يكون قد تم الحصول عليه بسبب العمل تطبيقاً لأحكام قانون سوق المال.

ويترتب على ذلك نتيجة هامة: –

وهي أنه لا محل لإعمال النص في حالة الحصول على السر لسبب آخر غير تطبيق أحكام هذا القانون، ويقرر بعدم جواز محاسبة الصحفي على السر الذي اكتشفه من خلال تحقيقاته. وبالرجوع إلى مفردات النص – محل التعليق – يجد أنه نص على أنه “بحكم طبيعة عمله أو وظيفته أو منصبه” وبالتالي يجب أن يكون الفاعل قد أتى الجريمة واتصل بها عن طريق أحد ثلاثة طرق: –

  1. عمله: وهذه تنطبق على كل عامل أو أجير بعقد أو بدون عقد فهي أكثر اتساعا من الوظيفة.
  2. وظيفته: والوظيفة كما هي معروفة بأن تكون وظيفته الراتبة والغالب أن يكون أساس التعيين فهما قرار إداري أو عقد.
  3. مهنته: وهذه تشمل أصحاب المهن كالمحامين ومراقبي الحسابات.

ويلاحظ هنا أن هذه التعابير تسع لكل من يعمل لدى القطاع الحكومي أو الخاص المرتبط بقانون أسواق المال أياً كان التكييف القانوني للعلاقة التي تربطه به وسواء كانت علاقته به دائمة أو مؤقتة، وقد يكون مكلفاً بخدمة عارضة أو مستمرة.

بل أكثر من ذلك لا يشترط أن يكون الفاعل ذو أهلية قانونية أو أن تكون علاقة العمل أو الوظيفة أو المهنة صحيحة فالالتزام بكتمان وحفظ السر ولو شاب البطلان العلاقة التي تربط الفاعل بالعمل أو الوظيفة أو المهنة وذلك لأن الالتزام بحفظ السر ينبُع عن صفة وكيتونة السر ذاته.

نأتي بعد ذلك إلى الشرط الثاني المتعلق بالسر الوظيفي أو المهني.

مفهوم السر: يقول الدكتور جلال سعد عثمان، السر: جمع أسرار وهو ما يكتمه المرءُ في نفسه.

وفي اللغة أسر بالحديث أفضى به كما قال تعالى” “وأسروا الندامة”

ويعرف السر لغة أيضاً: هو ما يكتمه الإنسان في نفسه، ويرى البعض أن السر هو كل ما يضر إفشاؤه بالسمعة أو بالكرامة.

أما عن مفهوم السر اصطلاحاً: فهو صفة تخلع على موقف أو مركز أو خبر أو عمل مما يؤدي إلى وجود رابطة تتصل بهذا الموقف أو المركز أو الخبر بالنسبة لمن له حق العلم به وبالنسبة لمن يقع عليه الالتزام بعدم إفشائه.

وبهذا تقتضي السرية ألا يعلم بالخبر سوى الأشخاص الذين تحتم الظروف وقوفهم على هذه السرية، كما تقتضي أن يتم العمل الذي يحيطه المشرع بالكتمان في غير علانية بعيداً عن كل شخص ليس طرفاً فيه.

ويرى جانب من الفقه: أن السر هو واقعة أو صفة ينحصر نطاق العلم بها في عدد محدود من الأشخاص إذا كانت ثمة مصلحة يعتبر بها القانون لشخص أو أكثر في أن يظل العلم بها محصوراً في ذلك النطاق فيعتبر سراً وفقاً له كل أمر يضر إفشاؤه بسمعة المجني عليه أو كرامته.

التعريف بالجريمة: ويمكن تعريف جريمة إفشاء الأسرار “بأنها واقعة استغلال أو توصيل معلومات مميزة من جانب المطلعين عليها بحكم وظائفهم في فترة زمنية يتعين عليهم حفظ هذه المعلومات، وهي تمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ المساواة والعدالة بين المتعاملين في سوق رأس المال”.

بينما يعرف الفقه المصري السر بأنه “واقعة إيجابية أو سلبية غير معروفة للعامة تتعلق بالأسرار التجارية أو الصناعية أو المالية للشركة أو ما يتعلق بأنشطتها ومركزها المالي.

ويرى الدكتور نجيب حسني.

“أن الضابط في اعتبار الواقعة سراً ذو شقين: يتعين أن يكون نطاق العلم بها محصوراً في أشخاص محدودين، وأن توجد مصلحة مشروعة في إبقاء العلم في ذلك النطاق” وهو تعريف ينطبق تماماً على السر المنصوص عليه في المادة 119.

وقد عرف البعض المعلومة السرية: بأنها المعلومة غير المعلنة أو هي التي لم تنشر بطريقة تجعلها متوافرة لعموم المستثمرين وبالتأكيد لا يعني ذلك تطلب علم الجميع بها، بل يكفي الأشخاص المهتمين بتداول الأوراق المالية.

وقد أكدت محكمة أسواق المال الكويتية على أن المعلومة السرية: هي تلك المعلومة التي لا يعلمها الجمهور بقولها وذلك أن الثابت للمحكمة أن المتهم الأول هو مطلع بحكم موقعه كرئيس لمجلس إدارة البنك على معلومة اعتزام البنك بيع ما مجموعه 15600000 سهم من أسهم الخزينة في يوم 26/7/2012 دون أن تكون هذه المعلومة متاحة للجمهور.

أما عن وقت إعلان السر للعامة أو زوال صفة السرية عنه.

فيكون وقت إعلانه وفقاً لقواعد الإفصاح المقررة أو زوال المصلحة المشروعة بالحفاظ عليه كسر أو قيام الرئيس الإداري أو الشخص الذي يتعلق به السر بإذاعته.

كما يجب أن يكون السر محدداً وقد قضى بأن معرفة المبلغ المحدد من الخسائر التي ستعلن أو الأرباح التي سيتم توزيعها على وجه اليقين تعد من المعلومات المحددة”

كما قضى أيضاً “بأن من المعلومات المحددة العلم بتوقيع عقد لإعادة هيكلة الشركة واقتناء أو التخلص من بعض المصالح أو الاستثمارات”.

كما يُعد من قبيل المعلومة المحددة العلم بفرض نجاح المفاوضات. وفي شرطي عدم الإعلان للكافة والتحديد تتفق المعلومة محل الجريمة المنصوص عليها في المادة 119 مع تلك المنصوص عليها في المادة 118 لذلك فإن السر قد يكون سراً ومعلومة ذات الوقت.

وقد وصفت محكمة أسواق المال المعلومة الداخلية بالسر بقولها “بل إن تلك الظروف سالفة البيان يستظهر منها العقل والمنطق أنها لا تجتمع مالم يكن هناك كشف عن المعلومة وهي توقع البيع وكمية الأسهم وهو أمر تحت يد المتهم كشف به للمتهم الثاني فضلاً عن أنه أفشى سر للمتهم الثاني”

بقى في موضوع السر: – الشرط الثاني وهو السر محل الحماية الجنائية:-

السر محل الحماية الجنائية المقررة بالمادة 119 من قانون هيئة أسواق المال…

أولاً: بالنسبة لهذا السر فقد أضفى المشرع الكويتي صفة السرية على أربعة أنواع من البيانات وجعل لها خصوصية قانونية.

النوع الأول: –

كل البيانات والمعلومات المتعلقة بعمل الهيئة:

وذلك بنص الفقرة الأولى من المادة 150 “تتمتع كل البيانات والمعلومات المتعلقة بعمل الهيئة بالسرية” وهذا يعني أن جميع معلومات هيئة أسواق المال تعتبر سرية مالم تكن كذلك بحسب طبيعتها فأي معلومة تصل إلى أي مفوض أو موظف بالهيئة توجب عليه حفظها ولو لم ينطبق عليها وصف السرية.

وقد حددت المادة 150 شرطاً خاصاً للكشف عن معلومات وبيانات هيئة أسواق المال بقولها: ولا يجوز الكشف عنها إلا بموافقة الهيئة أو بموجب أمر من القاضي.

بل إن السؤال الذي يطرح نفسه، بل ربما يفرض نفسه، وهو إذا كانت بيانات هيئة أسواق المال في التشريع الكويتي غير قابلة للكشف ومشمولة بالحماية الجنائية المقررة للأسرار إلا بأمر من القاضي فهل يشمل ذلك باقي مؤسسات وهيئات الدولة كالبنك المركزي مثلا… وألا يؤدي ذلك إلى تعطيل للكثير من الصلاحيات والسلطات القانونية.

يرى الدكتور حسين بوعركي: أن الذي يظهر أن المشرع الكويتي أعطى البيانات ومعلومات هيئة أسواق المال صفة السرية عن جميع جهات الدولة بما فيها البنك المركزي ولا يجوز الكشف عنها إلا بموجب حكم قضائي.

وفي تقديري الشخصي رغم وجاهة رأي الدكتور بوعركي إلا أنني أرى فيه تعطيل للكثير من الصلاحيات والسلطات القانونية المنصوص عليها في النظام التشريعي للدولة.

النوع الثاني: –

بيانات ومعلومات الأشخاص المرخص لهم والمتعاملين.

فالمادة 150 أضفت صفة السرية على جميع بيانات ومعلومات الأشخاص المرخص لهم وكذلك جميع المتعاملين في سوق الأوراق المالية وبالتالي فإن الكشف عنها يُعد كشفاً عن السر المحمي بموجب المادة 119 حتى ولو لم تكن المعلومة أو البيان سري بطبيعته.

النوع الثالث:

سرية معلومات البورصة.

وقد نص على ذلك البند الثامن من المادة 38 إذ يقول يجب على البورصة ما يلي: –

أن تحافظ على سرية كل المعلومات الموجودة في حوزتها فيما يتعلق بأعضائها وعملائها باستثناء ما يوجب عليها القانون أو اللوائح نشرها أو الإفصاح عنها ولا يجوز لها أن تفصح عن هذه المعلومات إلا للهيئة أو بأمر من القاضي.

وننبه هنا: –

إلى أن النص واضح بإسباغ صفة السرية على جميع المعلومات التي تحوزها البورصة والمتعلقة بطريقين: –

  1. أعضاء البورصة كشركات الوساطة وصانعي السوق والصناديق.
  2. عملاء البورصة، كالشركات المقيدة بالبورصة.

النوع الرابع: –

سرية معلومات وبيانات وكالة المقاصة.

فهناك نص في البند الخامس من المادة 51 ينص على “يتعين على وكالة المقاصة التقيد بالالتزامات الآتية:

المحافظة على سرية كل المعلومات والبيانات الموجودة في حوزتها باستثناء ما تطلبه الهيئة أو الجهات القضائية.

فالجهات المسموح لها بالكشف عنها هي:

  1. هيئة أسواق المال.
  2. الجهات القضائية.

ويلاحظ أن هذه المادة أشمل من المادة 150، 38/8 اللذين تطلبا صدور أمر من القاضي حيث إن هذه المادة تشمل جهات الادعاء.

وفي المقال القادم – بإذن الله – سنتحدث عن مصدر الالتزام القانوني بحفظ السر.

مع بيان لأركان الجريمة المادية والمعنوية.

د. جلال سعد عثمان

المستشار القانوني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى