من المؤسس إلى المدير التنفيذي: متى يجب أن تسلم القيادة لغيرك؟

يقود المؤسسون 82% من الشركات الناشئة خلال أول 3 سنوات.
هل وجود المدير التنفيذي ضروري في كل مرحلة من مراحل دورة حياة المؤسسة؟
كل مرحلة من حياة المؤسسة تحمل تحدياتها الخاصة، وتتطلب مهارات قيادية واستراتيجيات تنظيمية مختلفة.
20% فقط من الشركات الناشئة تعين مديراً تنفيذياً رسمياً منفصلاً عن المؤسس في مراحلها الأولى.
المدراء التنفيذيون الذين ينهضون لمواجهة التحديات ويعتبرون المرونة الاستراتيجية أولوية قصوى، سيكونون أكثر ثقةً في تبني الفرص الجريئة والمبتكرة.
الشركات الناشئة تحتاج إلى هوس المؤسس، وليس إلى حذر المدير.
مع نمو الشركة، تتضاعف التعقيدات والتحديات، والحاجة إلى أنظمة قابلة للتوسع.
تأثير المدير التنفيذي على أداء الشركات تضاعف خلال الخمسين عاماً الماضية.
الحاجة للمدير التنفيذي ليست ثابتة؛ بل تتغير حسب حالة ومرحلة الشركة المعقدة، حجمها، وأفقها الاستراتيجي.
يدرك قادة اليوم التنفيذيون أن الاضطرابات لم تعد مجرد احتمال بعيد، بل أصبحت حقيقة لا مفر منها.
عند مرحلة التوسع، غياب المدير التنفيذي قد يؤدي إلى فوضى تنظيمية وفرص ضائعة.
30% فقط من شركات فورتشن 500 تبقى في القائمة بعد 20 عاماً، ما يبرز الحاجة الدائمة للتجديد.
كل شركة تحتاج إلى قيادة، لكن ليس كل مرحلة تتطلب نفس نوعية المدير التنفيذي.
اتخاذ القرار الصحيح بشأن القيادة في كل مرحلة ليس فقط حوكمة رشيدة، بل ضرورة استراتيجية.
أصبح على القادة اليوم أن يلعبوا دورًا أكثر فاعلية في قيادة الحوارات الاستراتيجية وتشكيل آراء الآخرين.
هل تحتاج إلى مدير تنفيذي (CEO) في كل مرحلة من مراحل دورة حياة المؤسسة؟
المقدمة:
المدير التنفيذي—أسطورة، ضرورة أم خيار استراتيجي؟
تتجسد صورة المدير التنفيذي (CEO) في المخيلة العالمية كقائد ملهم، صاحب القرار النهائي، والوجه الإعلامي للشركة. الرئيس التنفيذي يقع في صميم عمل الشركة، حيث يجمع بين جميع جوانبها الحيوية: بدءًا من وضع الاستراتيجيات الكبرى، ومرورًا بإدارة الشؤون المالية، ووصولًا إلى متابعة التفاصيل التشغيلية اليومية. هذا الموقع المحوري يمنحه دورًا استثنائيًا كقائد مسؤول عن تعزيز مرونة المؤسسة. فالمرونة لا تقتصر على حماية الشركة من التحديات المفاجئة أو التقلبات غير المتوقعة والانتقال السلس من مرحلة إلي مرحلة، ، بل تمكّنها أيضًا من تحويل تلك التحديات إلى فرص استثنائية. ومع ذلك، يظل سؤال جوهري يشغل رواد الأعمال والمستثمرين ومجالس الإدارة: هل وجود المدير التنفيذي ضروري في كل مرحلة من مراحل دورة حياة المؤسسة؟ أم أن الحاجة لهذا الدور تتغير مع تطور المؤسسة؟
في هذه المقالة، نستعرض القيمة المتغيرة، والمهام، والأثر الحقيقي للمدير التنفيذي عبر مختلف مراحل دورة حياة المؤسسة، مع توضيح بعض البيانات العالمية، والدراسات، وأخرالأبحاث.
دورة حياة الشركة: من الفكرة إلى النضج
تمر معظم الشركات بمراحل متوقعة:
1- مرحلة الفكرة والبداية
2- مرحلة النمو والتوسع
3- مرحلة النضج والاستقرار
4- مرحلة التجديد أو الخروج أو التراجع
كل مرحلة من مراحل حياة المؤسسة تحمل تحدياتها الخاصة، وتتطلب مهارات قيادية واستراتيجيات تنظيمية مختلفة.
المرحلة الأولى: الفكرة والبداية—هل المؤسس هو المدير التنفيذي أم لا حاجة لهذا الدور؟
إحصائيات:
* وفقاً لمؤسسة كوفمان (Kauffman Foundation)، يقود المؤسسون 82% من الشركات الناشئة خلال أول 3 سنوات.
* فقط 20% من الشركات الناشئة في مراحلها الأولى تعين مديراً تنفيذياً رسمياً منفصلاً عن المؤسس.
التحليل:
في هذه المرحلة المبكرة، غالباً ما يكون المؤسس هو المدير التنفيذي بحكم الواقع، لكن اللقب هنا رمزي أكثر منه تنظيمي. التركيز منصب على الرؤية، التجارب السريعة، والبقاء. المدير التنفيذي هنا هو “المنفذ الأول” وليس فقط “صاحب القرار”.
* المهام الأساسية: تحقيق ملاءمة المنتج للسوق، جمع الموارد، وبناء الفريق الأساسي.
* المخاطر: التنظيم المبكر والمبالغ فيه قد يقتل روح الابتكار والمرونة.
رأي الخبراء:
“الشركات الناشئة تحتاج إلى هوس المؤسس، وليس إلى حذر المدير”، كما يقول نعوم واسرمان (Noam Wasserman) من كلية هارفارد للأعمال. دور المدير التنفيذي هنا مرن وغالباً ما يتوزع بين الشركاء المؤسسين.
المرحلة الثانية: النمو والتوسع—صعود المدير التنفيذي المحترف
إحصائيات:
* أظهر استطلاع لينكدإن (LinkedIn ) 2024 أن 60% من الشركات الناشئة التي تصل إلى المرحلة الثانية من النمو والتوسع تعين مديراً تنفيذياً محترفاً خلال 5 سنوات.
* الشركات التي تعين مديراً تنفيذياً محترفاً في هذه المرحلة تحقق نمواً في الإيرادات بمعدل 2.5 ضعف مقارنة بغيرها.
التحليل:
مع نمو الشركة، تتضاعف التعقيدات: موظفون أكثر، عملاء أكبر، تحديات تنظيمية، وحاجة إلى أنظمة قابلة للتوسع. هنا يصبح دور المدير التنفيذي محورياً:
* الرؤية الاستراتيجية (Strategic vision): وضع وتوضيح التوجه طويل المدى.
* التنفيذ(Execution): بناء القدرات التنظيمية، تعيين القيادات العليا، وإدارة المخاطر.
* الثقافة ( Organizational Culture): ترسيخ القيم المؤسسية والحفاظ على الروح المعنوية في ظل التغير السريع.
دراسة حالة:
عندما عيّن مؤسسو جوجل إريك شميدت(Eric Schmidt) مديراً تنفيذياً في 2001، كان عدد الموظفين أقل من 300. خلال 5 سنوات، تجاوز العدد 10,000 وقفزت الإيرادات من 86 مليون دولار إلى 10.6 مليار دولار.
رأي الخبراء:
وجود مدير تنفيذي محترف في هذه المرحلة ليس فقط مفيداً، بل غالباً ما يكون ضرورياً لاحترافية العمليات وجذب المستثمرين.
المرحلة الثالثة: النضج والاستقرار—الحفاظ على المكتسبات والتجديد الاستراتيجي
الإحصائيات:
* وفقاً لاستطلاع جارتنر 2024(Gartner’s) : 62% من المديرين التنفيذيين في الشركات الناضجة يعتبرون “النمو” أولويتهم القصوى، وهي النسبة الأعلى منذ عقد.
* تأثير المدير التنفيذي على أداء الشركات تضاعف خلال الخمسين عاماً الماضية.
التحليل:
في الشركات الناضجة، يتحول دور المدير التنفيذي من البناء إلى المحافظة:
* الحفاظ على الأداء: إدارة الكفاءة والربحية والمخاطر.
* التجديد: البحث عن قنوات نمو جديدة، الإشراف على الاستحواذات أو الطروحات العامة.
* إدارة أصحاب المصلحة: تحقيق توازن بين مصالح المستثمرين، الجهات التنظيمية، الموظفين، والعملاء والمجتمع ككل.
رأي الخبراء:
“قرارات المدير التنفيذي في هذه المرحلة قد تصنع أو تهدم قيمة عقود من العمل”، حسب تقرير القيادة العالمية لماكينزي 2023.
دراسة حالة:
قيادة ساتيا ناديلا ( Satya Nadella’) لمايكروسوفت مثال نموذجي: تحت قيادته تضاعفت القيمة السوقية للشركة ثلاث مرات في 6 سنوات بفضل التحول إلى الحوسبة السحابية وتجديد ثقافة الشركة.
المرحلة الرابعة: التجديد أو الخروج أو التراجع—المدير التنفيذي كقائد تغيير أو منفذ
الإحصاءات:
* فقط 30% من شركات فورتشن 500 تبقى في القائمة بعد 20 عاماً، ما يبرز الحاجة الدائمة للتجديد.
* 45% من الشركات التي تمر بمرحلة انتقالية (اندماج، استحواذ، إعادة هيكلة) تعين مديراً تنفيذياً جديداً خلال 12 شهراً.
التحليل:
في هذه المرحلة الحرجة، يصبح دور المدير التنفيذي وجودياً:
* التحول: قيادة التحولات الرقمية، إعادة الهيكلة، أو إدارة الأزمات.
* استراتيجيات الخروج: التحضير للطروحات العامة، البيع، أو التصفية المنظمة.
* الإرث: ضمان نقل المعرفة وتخطيط التعاقب القيادي.
رأي الخبراء:
“إدارة دورة الحياة هي الاختبار النهائي للمدير التنفيذي—بين الخروج، التبسيط، وإعادة الهيكلة”، كما تكتب ليكا إيسون(Leica Ison)، المدير التنفيذي المخضرم.
هل تحتاج كل شركة إلى مدير تنفيذي في كل مرحلة؟
الشركات الصغيرة:
* كثير من الشركات الصغيرة تنجح بدون مدير تنفيذي رسمي. غالباً ما يكون المالك/المؤسس هو القائد والمشرف على كل شيء.
* لكن عند مرحلة التوسع، غياب المدير التنفيذي قد يؤدي إلى فوضى تنظيمية وفرص ضائعة.
الشركات الناشئة:
* في البداية، المرونة أهم من الهيكلية. لكن مع زيادة التعقيد، غياب المدير التنفيذي قد يعيق النمو وجذب الاستثمارات والمواهب.
الشركات الكبرى:
* في المؤسسات الكبيرة، وجود المدير التنفيذي لا غنى عنه: فالقيمة المضافة مرتبطة مباشرة بفعالية هذا الدور.
اتجاهات عالمية:
دور المدير التنفيذي يتطور. في 2024، 34% من المديرين التنفيذيين اعتبروا الذكاء الاصطناعي محور التحول القادم، ما يبرز الحاجة لقيادة متجددة ومواكبة للتقنية.
إذا كنت في مرحلة الانتقال كرئيس التنفيذي، إسال نفسك الأسئلة التالية :
1- هل حددت في ذهني الإطار الزمني والنتائج المرجوة من انتقال قيادتي؟
2- كيف سأتحكم في جدول أعمالي وأوزع وقتي؟
3- هل طورت عملية واضحة وإطاراً زمنياً لاختيار فريقي الإداري الأعلى؟
4- هل التزمت بشكل كافٍ ببناء علاقة مع رئيس مجلس الإدارة ومجلس الإدارة؟
5- هل لدي آلية لبناء مكتب الدعم والبنية التحتية اللازمة؟
6- هل فكرت بعمق في خطة التواصل الخاصة بي – الداخلية والخارجية؟
7- هل لدي آلية للحصول على تقييم أدائي مزودة بمعلومات عادلة وموضوعية؟
أخيرا: المدير التنفيذي، دور وأداء يتطور مع الشركة
كل شركة تحتاج إلى قيادة، لكن ليس كل مرحلة تتطلب نفس نوعية المدير التنفيذي. أنجح الشركات هي التي تدرك متى تعيّن هذا الدور، ومتى تطوره، ومتى تغيره. في عصر أصبح فيه تأثير المدير التنفيذي على خلق القيمة أكبر من أي وقت مضى، اتخاذ القرار الصحيح بشأن القيادة في كل مرحلة ليس فقط حوكمة رشيدة—بل ضرورة استراتيجية. فبدلاً من مجرد التركيز على مواجهة التحديات، أصبح على القادة اليوم أن يلعبوا دورًا أكثر فاعلية في قيادة الحوارات الاستراتيجية وتشكيل آراء الآخرين. وهذا يتطلب منهم العمل الدؤوب على تعزيز سمعتهم المؤسسية وإدارة علاقاتهم مع جميع الأطراف ذات المصلحة بذكاء وحنكة. الحاجة للمدير التنفيذي ليست ثابتة؛ بل تتغير حسب حالة ومرحلة الشركة المعقدة، حجمها، وأفقها الاستراتيجي. ففي البداية، تحتاج رؤية المؤسس وإصراره هما الأهم. وفي التوسع، الإدارة الاحترافية والقيادة الاستراتيجية تصبحان حاسمتين. وفي النضج، الحفاظ على المكتسبات والتجديد وإدارة أصحاب المصلحة. وفي الأزمات أو التحول، المدير التنفيذي كقائد تغيير يصبح ضرورياً. يدرك قادة اليوم التنفيذيون أن الاضطرابات لم تعد مجرد احتمال بعيد، بل أصبحت حقيقة لا مفر منها. فالسؤال لم يعد (هل) ستحدث، بل (متى) ستحدث. وبينما يدركون أهمية رد الفعل الأولي عند الأزمات، فإن الأهم هو الدروس المستفادة منها، وكيفية إعادة بناء أنفسهم وفرقهم ومؤسساتهم ليكونوا أقوى بعد كل عاصفة. وتؤكد الأبحاث والتجارب الميدانية أن المدراء التنفيذيين الذين ينهضون لمواجهة التحديات ويعتبرون المرونة الاستراتيجية أولوية قصوى، سيكونون أكثر ثقةً في تبني الفرص الجريئة والمبتكرة. بل سيكونون مصدر إلهام لفرقهم لتحقيق إنجازات استثنائية، وابتكار حلول إبداعية، وتسريع وتيرة النمو بما يتجاوز التوقعات—مما يمكنهم من استغلال كامل إمكانات مؤسساتهم.