ارتفاع غير متوقع للتضخم في يناير 2025: تحديات جديدة أمام الاحتياطي الفيدرالي

شهد الاقتصاد الأميركي في يناير 2025 تطورًا لافتًا مع تسجيل ارتفاع غير متوقع في معدلات التضخم، مما يعكس استمرار الضغوط الاقتصادية ويضع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أمام اختبارات صعبة في إدارة السياسات النقدية.
التضخم في أرقام
ارتفع مؤشر أسعار المستهلك (CPI) بنسبة 0.5% على أساس شهري، مقارنة بـ 0.4% في ديسمبر، بينما زاد المؤشر الأساسي، الذي يستثني تكاليف الغذاء والطاقة، بنسبة 0.4% مقارنة بـ 0.2% في ديسمبر. وعلى أساس سنوي، ارتفع معدل التضخم العام إلى 3.0% من 2.9% في الشهر السابق، بينما سجل معدل التضخم الأساسي ارتفاعًا طفيفًا من 3.2% إلى 3.3%.
ما وراء الأرقام: العوامل المؤثرة
عدة عوامل أسهمت في هذا الارتفاع، أبرزها:
*زيادة أسعار الغذاء والطاقة:
*سجلت أسعار البيض قفزة كبيرة بنسبة 15.4% نتيجة تفشي إنفلونزا الطيور.
*ارتفعت أسعار الطاقة بنسبة 1.1%، مع زيادة ملحوظة في زيت الوقود بنسبة 6.2% وأسعار البنزين بنسبة 1.8%.
*الارتفاع في أسعار السلع والخدمات:
*شهدت أسعار السيارات والشاحنات المستعملة زيادة بنسبة 2.2%.
*ارتفعت تكاليف الإقامة والتأمين، مما أدى إلى تسجيل أكبر زيادة في أسعار الخدمات منذ مارس 2024.
ضغوط تضخمية متزايدة
ما يثير القلق هو اتساع نطاق التضخم، إذ ارتفعت أسعار حوالي 38% من مكونات مؤشر أسعار المستهلك (باستثناء تكاليف السكن) بمعدل يزيد على 5%، وهي أعلى نسبة منذ منتصف 2023، مما يعكس عمق الضغوط التضخمية واستمرارها.
انعكاسات على سياسات الاحتياطي الفيدرالي
هذه البيانات دفعت بالتوقعات إلى ترجيح استمرار الاحتياطي الفيدرالي في تبني سياسة نقدية متشددة. ومن المتوقع أن تُحافظ أسعار الفائدة على مستوياتها الحالية بين 4.25% و4.5% طوال عام 2025.
وأكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في شهادته أمام الكونغرس، أن قرارات البنك ستعتمد على البيانات القادمة. ومع ذلك، أشار إلى أن السياسات التجارية الأخيرة، مثل زيادة التعريفات الجمركية، قد تسهم في رفع تكاليف السلع الأساسية، مما يُضيف مزيدًا من التعقيد إلى المشهد الاقتصادي.
تأثير السياسات الحمائية
من المتوقع أن تزيد التعريفات الجمركية الجديدة من الضغوط التضخمية، وتشمل:
*زيادة بنسبة 10% على المنتجات الصينية اعتبارًا من فبراير.
*تعريفات محتملة بنسبة 25% على السلع القادمة من المكسيك وكندا في مارس.
*فرض تعريفات إضافية على الصلب والألمنيوم لاحقًا هذا العام
هذه الإجراءات قد تعزز التضخم على المدى القصير نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد، ما يزيد التحديات أمام صناع القرار.
تداعيات اجتماعية واقتصادية
*ضغط على الأسر ذات الدخل المنخفض:
رغم أن معدل التضخم العام بلغ 3.0%، إلا أن الفئات ذات الدخل المنخفض تواجه “شعورًا حقيقيًا” بالتضخم بنسبة 3.2%، نظرًا لاعتمادها المتزايد على القروض لمواكبة ارتفاع التكاليف.
*ارتفاع الديون الاستهلاكية:
شهد ديسمبر 2024 زيادة قياسية بقيمة 40.8 مليار دولار في ديون المستهلكين، مما يعكس مدى الضغط المالي الذي تواجهه الأسر.
النظرة المستقبلية
على الرغم من التراجع المستمر في معدلات البطالة، إلا أن التضخم يُظهر طابعًا هيكليًا، مدفوعًا بسوق عمل ضيقة نتيجة ارتفاع معدلات التقاعد وسياسات الهجرة الصارمة.
في ظل هذه المعطيات، من المتوقع أن يستمر الاحتياطي الفيدرالي في موقفه المتشدد تجاه أسعار الفائدة حتى نهاية العام على الأقل. ومع ذلك، فإن التحديات الاقتصادية والاجتماعية، مثل تفاقم فجوة الدخل وزيادة الأعباء على الأسر، ستظل تُلقي بظلالها على عام 2025، مما يجعل إدارة التضخم واستقرار الاقتصاد مهمة معقدة.
خلاصة
يمثل التضخم في يناير 2025 علامة واضحة على استمرار التحديات التي تواجه الاقتصاد الأميركي. يتطلب الوضع الراهن استراتيجية متوازنة تركز على السيطرة على التضخم دون الإضرار بالنمو الاقتصادي، مع توفير الدعم للفئات الأكثر تضررًا لضمان استقرار اجتماعي واقتصادي طويل الأمد.