
كان تأسيس بنك وربة أحد ثمرات قانون البنوك الإسلامية في الكويت، الذي أتاح لأول مرة تأسيس بنوك إسلامية جديدة أو تحويل البنوك التقليدية إلى نظام إسلامي متكامل، وذلك في ظل رقابة شاملة ودقيقة من قبل بنك الكويت المركزي. وقد جاء هذا القانون ليؤطر العمل المصرفي الإسلامي قانونيًا، وينقل البنوك الإسلامية من هامش النظام المالي إلى قلبه.
وبحلول عام 2024، تخطت مؤشرات أداء البنوك الإسلامية لأول مرة نظيراتها التقليدية من حيث النمو في الأصول، والربحية، وكفاية رأس المال، الأمر الذي يؤكد تحول البنوك الإسلامية من بديل إلى منافس فعلي، بل ومتفوق في بعض المؤشرات الجوهرية.
وفي هذا السياق، أُسِّس بنك وربة عام 2010 بموجب مرسوم أميري رقم 289، بمساهمة حكومية فاعلة، ليكون أحد أدوات الدولة في ترسيخ الصناعة المصرفية الإسلامية وتعزيز الشمول المالي. وقد جاء تأسيسه تلبية لحاجة السوق المحلي لمصرف إسلامي حديث قادر على مواكبة تحديات العصر، وتقديم حلول مالية مبتكرة ضمن إطار شرعي وفعال.
أولاً: أهمية الاندماج في البيئة المصرفية الكويتية
يشهد القطاع المصرفي الكويتي، كما في بقية دول المنطقة، موجة اندماجات استراتيجية تستهدف خلق كيانات قادرة على مواجهة تحديات الأسواق، وخفض التكاليف التشغيلية، وتعزيز القدرة التنافسية. وفي هذا السياق، لم يكن استحواذ بنك وربة على شركة الغانم التجارية—التي تمتلك بشكل غير مباشر حصة مؤثرة في بنك الخليج—قرارًا ترفيًا، بل تحركًا محسوبًا يعكس وعي البنك بالتحولات الهيكلية في القطاع. ويُنتظر أن تمكّنه هذه الخطوة من توسيع قاعدة أعماله، وتحقيق وفورات تشغيلية، والنفاذ إلى شريحة أكبر من العملاء والفرص التمويلية.
وأكد تقرير الشال للاستشارات الاقتصادية الصادر يوم السبت18 يناير أن الكيانات الكبيرة قادرة على تمويل مشروعات التنمية الكبرى المحلية حال اعتمادها، وأن البنوك الكبرى هي القادرة على البحث والتطوير والمنافسة في المستقبل.
وفي هذا السياق، فإن مشروع استحواذ بنك وربة على بنك الخليج عبر شراء حصة سيطرة بقيمة تقارب نصف مليار دينار كويتي، يمثل صفقة ضخمة واستراتيجية. ورغم أن شركة الشال للاستشارات كانت المستشار المحلي في مشروع استحواذ بنك بوبيان على بنك الخليج، مما يقتضي الحذر في التعليق، إلا أن من المناسب إبداء رأي محايد فيها.
فالبنكان المعنيان ضمن بنوك الوسط من أصل 9 بنوك تجارية محلية، ويحتل بنك الخليج الترتيب الخامس في الأصول والودائع، والرابع في القروض، بينما يحتل بنك وربة الترتيب السابع في هذه التصنيفات حتى نهاية الربع الثالث من 2024. وإذا تم الاندماج الكامل، سيرتقي الكيان الجديد إلى المرتبة الثالثة بحجم أصول 12.415 مليار دينار، وقروض 9.147 مليار، وودائع 7.761 مليار كما في 30 سبتمبر 2024.
هذا النمو في الحجم يعزز أهداف الاقتصاد الكلي، ويخدم طموح الكويت كمركز مالي، كما أنه يواكب المتطلبات التقنية والرقابية المتزايدة. ولكن، توجد تحديات مثل تأثير الاستحواذ على مؤشرات كفاية رأس المال لبنك وربة، وتحول بنك الخليج من تقليدي إلى إسلامي، فضلًا عن التكلفة المحتملة لتقديم عرض استحواذ إلزامي قد يبلغ مليار دينار.
وتخضع الصفقة لرقابة بنك الكويت المركزي وهيئة أسواق المال، وقد أثارت سرعة الموافقات المبدئية واستباق إعلان الصفقة تساؤلات حول الشفافية. لذلك، يُنصح بإصدار بيانات تفصيلية من الجهتين لشرح مراحل التحضير والتوافق مع الاشتراطات الرقابية، حفاظًا على سمعتهما ومهنيتهما.
ثانيًا: الاكتتاب في زيادة رأس المال… خطوة مفصلية نحو المستقبل
ضمن تحركاته الاستراتيجية الكبرى، أطلق بنك وربة اكتتابًا لزيادة رأس المال بنسبة 100%، ليرتفع من 218.36 مليون دينار كويتي إلى 436.72 مليون دينار كويتي، من خلال إصدار 4.367 مليار سهم بسعر 200 فلس للسهم (100 فلس قيمة اسمية + 100 فلس علاوة إصدار). وقد خُصصت الزيادة للمساهمين بتاريخ 10 أبريل 2025، مع فتح باب الاكتتاب للفائض في الفترة من 1 إلى 12 مايو 2025.
ويمثل هذا الاكتتاب خطوة جوهرية تعزز القاعدة الرأسمالية للبنك وفقًا لمتطلبات بازل 3، وتمنحه قدرة إضافية على التوسع والتمويل والمنافسة. كما يعكس ثقة الجهات الرقابية (بنك الكويت المركزي وهيئة أسواق المال) والهيئة الشرعية في متانة الرؤية المستقبلية للبنك واستدامة نموه.
ثالثًا: أداء مالي وتشغيلي يُعزز الثقة
تُظهر بيانات 2023 أن بنك وربة يواصل مساره الصاعد، مدعومًا بتحسن ملموس في مؤشرات الأداء:
• نمو محفظة التمويل إلى 3.55 مليار دينار كويتي، مع ارتفاع الأصول عالية الجودة إلى 1.66 مليار مقارنة بـ 1.53 مليار في 2022.
• زيادة الأصول المدارة استثماريًا إلى نحو 538 مليون دينار، ضمن إطار استثماري منضبط.
• حفاظ على كفاية رأسمالية قوية تفوق الحدود الرقابية المطلوبة.
• اعتماد متزايد على التحول الرقمي والخدمات المصرفية الإلكترونية لتعزيز الكفاءة وتجربة العملاء.
• سياسات تمويل مرنة ومتنوعة، وتحوط نشط لمخاطر تغير أسعار الفائدة، مما يدعم استقرار هوامش الربح.
رابعًا: المكانة الجديدة بين الكبار
مع تنفيذ الاستحواذ واستكمال الاكتتاب، يُتوقع أن ينتقل بنك وربة إلى مصاف أكبر ثلاثة بنوك كويتية من حيث الأصول والربحية وانتشار الفروع، ما يعزز موقعه التنافسي، ويمكنه من دخول مشاريع وطنية وإقليمية كبرى، وتحقيق وفورات تشغيلية على المدى القصير والطويل.
وفي حال تنفيذ الاندماج بين بنك وربة وبنك الخليج، فإن المؤشرات المالية المجمعة تعكس تحسنًا ملحوظًا في موقع بنك وربة المستقبلي، وتحوله إلى لاعب رئيسي ضمن الكبار في القطاع المصرفي الكويتي. إذ سيرتفع صافي الأرباح السنوية المجمعة إلى نحو 119.2 مليون دينار كويتي، ما يمنحه حصة سوقية تُقدّر بـ 7.2% من إجمالي أرباح البنوك المحلية، ويعزز قدرته على توزيع أرباح مجزية للمساهمين.
كما سيقفز إجمالي الأصول إلى 13.5 مليار دينار، بما يمثل نحو 10.9% من أصول القطاع، مما يمنحه قاعدة مالية قوية لدعم التوسع الإقليمي والمنافسة على تمويل المشاريع الكبرى. كذلك، سيرتفع إجمالي الإيرادات التشغيلية إلى أكثر من 337 مليون دينار، وهو ما يعزز كفاءة التشغيل وتنوع مصادر الدخل.
ومن زاوية التوزيعات النقدية وأسهم المنحة، فإن الكيان المندمج سيتفوق في قدرته على مكافأة المساهمين، مع توزيع نقدي مجمع يقارب 45.8 مليون دينار، وأسهم منحة تتجاوز 32 مليون سهم، ما يعكس نموًا مستدامًا يعزز جاذبية السهم في السوق.
ويُحدث اندماج بنك وربة مع بنك الخليج، وتحول الأخير إلى بنك إسلامي، نقلة نوعية في هيكل القطاع المصرفي الكويتي، حيث تميل الكفة لأول مرة لصالح البنوك الإسلامية كمًّا وكيفًا.
فبناءً على نتائج 2024، سترتفع حصة البنوك الإسلامية من صافي أرباح القطاع من 46.4% إلى 51.8%، ومن إجمالي الأصول من 46.9% إلى 53.5%.
هذا التحول يعكس نمو الثقة بالمنظومة المصرفية الإسلامية، وقدرتها على قيادة القطاع نحو مزيد من الكفاءة والتوسع، خاصة مع ما يوفره الكيان الجديد من قاعدة أصول تتجاوز 13.4 مليار دينار، وربحية تتخطى 119 مليون دينار.
كما يمثل هذا التغيير تحوّلًا استراتيجيًا يضع الصيرفة الإسلامية في موقع الصدارة، لا كمنافس بديل، بل كمكوّن رئيسي للقطاع المالي الكويتي.
خامسًا: آفاق النمو المستقبلي والتقييم العلمي
تشير المؤشرات الاقتصادية إلى تحسن في بيئة التشغيل بدعم من رؤية كويت جديدة 2035، ما يفتح فرصًا تمويلية جديدة أمام البنوك. وفي هذا السياق، يبدو بنك وربة في موقع مثالي للمشاركة في هذه المشاريع، وتنمية محفظته، وتعزيز قدرته على المنافسة.
تُظهر التقارير المالية أن البنك يتمتع بمعدل ربحية متوقع يبلغ 10.6 فلس للسهم بنهاية 2025، مع إمكانية لتعزيز التوزيعات النقدية وتعظيم القيمة السوقية للمساهمين.
خاتمة
بنك وربة اليوم في مرحلة انتقالية تؤهله للعب دور محوري في مستقبل الصناعة المصرفية الكويتية، مستندًا إلى قرارات استراتيجية، وتحول رقمي، وتوسع تشغيلي مدروس. وقد تجاوز مرحلة البناء الأولي إلى طور القيادة والمنافسة بفعالية على المستويات المحلية والإقليمية.
ملاحظة ختامية للمستثمرين
رغم ما تم استعراضه في هذا المقال من معطيات تحليلية وتقييم موضوعي لأداء بنك وربة وآفاقه المستقبلية، فإننا نؤكد أن قرار الاستثمار مسؤولية فردية، وينبغي أن يُتخذ بعد الاطلاع الدقيق على جميع المعلومات الرسمية المتاحة في نشرة الاكتتاب.
ولا يهدف هذا المقال إلى التأثير على قرار المستثمر، بل يُعد دعوة لقراءة أكثر تأنيًا وتعمقًا في أداء البنك، واستيعاب مكانته في السوق، ومتابعة التطورات في البيئة المصرفية الإسلامية، بما يعزز منطقية القرار الاستثماري ويجعله مبنيًا على أسس مالية ومعلوماتية واضحة.