حين تتعثر الشركات… أين دور المساهم؟”

بقلم: عماد الحسين
تواجه العديد من الشركات المدرجة في أسواق الأسهم حالات تراجع وأزمات مالية أو إدارية، مما يؤدي إلى تآكل قيمتها السوقية وخسارة المساهمين لأموالهم. وفي مثل هذه الظروف غالبًا ما يتوقع المساهمون أن تتدخل الجهات الرقابية (مثل هيئة أسواق المال ووزارة التجارة والصناعة) لإنقاذ وضع الشركات، إلا أن الواقع يشير إلى أن المساهمين وحدهم يملكون الأدوات القانونية والأثر الحقيقي في إصلاح أوضاع شركاتهم. فقد أشارت تقارير اقتصادية إلى أن المساهمين «ليس لديهم من حيلة في كثير من الأحيان إلا الجهات الرقابية المعنية». وهذا يؤكد أن شيوع ثقافة الانتظار حتى تتحرك الجهات التنظيمية، رغم محدودية صلاحياتها في معالجة المشكلات الجوهرية داخل الشركات. ولذلك، ينبغي للمساهمين أن يتفهموا حقوقهم ويمارسوا دورهم الرقابي والإصلاح، بدلاً من الاتكاء كلياً على الهيئة أو الجهات الأخرى.
دور الجهات الرقابية وصلاحياتها
تنص القوانين المحلية على أن هيئة أسواق المال (CMA) هي الجهة المختصة بالإشراف على شركات المساهمة المدرجة في البورصة وإصدار القواعد المنظمة لها. فمهام الهيئة تقتصر على تنظيم السوق المالية وتطويره وحماية المستثمرين عبر فرض قواعد الحوكمة وإلزام الشركات بالإفصاح والشفافية. ويذكر القانون أن الهيئة تضع «قواعد لحوكمة الشركات المساهمة تتضمن قواعد لقيادة الشركة وتوجيهها… بغرض حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح». وعلى الرغم من أن هذا الدور مهم لضمان نزاهة السوق، إلا أنه لا يمنح الهيئة سلطة مباشرة لإدارة شركات بعينها أو تغيير هيكل مجالس إدارتها. فالهيئة لا تملك مثلاً صلاحية عزل أعضاء مجلس إدارة شركة أو تعيين بدلاء لهم (إلا في حدود معينة وضيقة) – فهذا من صلاحية الجمعية العامة للمساهمين التي يملك زمام أمرها المساهمون.
أما وزارة التجارة والصناعة المسؤولة عن تطبيق قانون الشركات، فيمكنها اتخاذ إجراءات احترازية محدودة حال إخفاق الإدارة في الدعوة لاجتماع الجمعية العامة أو إذا ظهر قصور إداري جسيم. فعلى سبيل المثال، ينص القانون على أنه إذا طلب مراقب الحسابات الخارجي أو مساهمون (يمثلون نسبة محددة) انعقاد الجمعية العامة ولم يدعُ مجلس الإدارة لاجتماع خلال فترة محددة، فإن وزارة التجارة تتخذ الإجراءات اللازمة لعقد الجمعية. وحتى في هذه الحالة، قد تتولى الوزارة رئاسة الاجتماع إذا تعذّر انتخاب رئيس له. ولكن هذه التدخلات استثنائية ومحدودة الأثر، وتهدف فقط إلى تفعيل حقوق المساهمين الأدنى (كالانعقاد والتصويت)، ولا تتعدى ذلك إلى إعادة هيكلة الإدارة أو الإصلاح الإداري الفعلي.
باختصار، فإن دور الجهات الرقابية يظل شكلياً نسبياً ويقتصر على ضمان تطبيق النظام والقوانين، ولا يعد بديلاً عن دور المساهمين في إدارة شركاتهم وتحمل مسؤولية الإصلاح.
حقوق المساهمين وصلاحيات الجمعية العامة
يمتلك المساهمون مجموعة حقوق قانونية قوية تتيح لهم السيطرة على تركيبة مجلس الإدارة وتوجهات الشركة. أهم هذه الحقوق تتلخص في التالي:
* الدعوة إلى عقد الاجتماع الجمعية العامة: يحق لمساهم أو أكثر يمتلكون 10% من أسهم الشركة المطالبة بدعوة مجلس الإدارة لاجتماع الجمعية العامة العادية، وكذلك، يحق لمراقب الحسابات الخارجي طلب دعوة لعقد جمعية عامة. كما ينص القانون على أن الجهة المختصة – وزارة التجارة والصناعة) يمكنها هي الأخرى الدعوة إلى الجمعية العامة اللازمة واتخاذ الإجراءات الضرورية إذا امتنع المجلس عن الدعوة.
* انتخاب وعزل مجلس الإدارة: الجمعية العامة العادية هي الجهة المعنية التي «تنتخب أعضاء مجلس إدارة الشركة»، وعادة تجتمع كل 3 سنوات أو أقل من ذلك لانتخاب أعضاء جدد أو إعادة انتخاب من انتهت ولايتهم. وفي المقابل، يمتلك المساهمون حق عزل أعضاء المجلس خلال الجمعية العامة. ويقر القانون بأن «الجمعية العامة العادية يجوز لها عزل جميع أعضاء مجلس الإدارة أو بعضهم، وفي هذه الحالة يجب عليها انتخاب مجلس بديل أو تعيين من يحل محل العضو المعزول. وهذا يعني أن أي مساهمين متحالفين يملكون أغلبية مقبولة في الجمعية لديهم سلطة تغيير مجلس الإدارة بالكامل إذا اقتنعوا بعدم جدواه.
* طرح البنود على جدول الأعمال :لكل مساهم (أو مجموعة) يملك 5% على الأقل من أسهم الشركة حق المطالبة بإضافة موضوعات إلى جدول أعمال الجمعية عند إعداده. وهذا يمكّن المساهمين النشطين من تسليط الضوء على المشاكل الجوهرية أو اقتراح حلول أو تغييرات محددة قبل انعقاد الاجتماع، ومن ثم التصويت عليها. كما يكفل القانون لكل مساهم الحق في مناقشة البنود المدرجة في جدول الأعمال وطرح الأسئلة على أعضاء مجلس الإدارة ومراقب الحسابات، مما يعزز حقه في مراقبة أداء الإدارة والاطلاع على المعلومات الضرورية لاتخاذ القرار.
* صوت المساهمين في اتخاذ القرارات : تخضع قرارات الجمعية العامة العادية لمجموعة من قواعد التصويت، وغالباً ما يتطلب إصدار القرارات العادية موافقة أغلبية الحضور. أما القرارات الاستثنائية (مثل زيادة رأس المال أو حل الشركة أو تغيير أغراض الشركة) فتتطلب أغلبية خاصة (أكثر من 50% من إجمالي عدد الأسهم المصدرة للشركة في بعض الحالات). وبشكل عام، فإن أغلبية المساهمين هي الفيصل في قرار تعيين مجلس الإدارة، ومن انتخاب ومحاسبة أعضاء المجلس إلى اعتماد الموازنات السنوية وتوزيع الأرباح.
وباختصار، فإن القانون يمنح المساهمين جميع الصلاحيات اللازمة لحكم الشركة وتغيير إدارتها من خلال الجمعية العامة، وهم بذلك لا يفتقدون أدوات القانون لإنقاذ شركاتهم.
أسباب تردد المساهمين وعدم تحركهم
على الرغم من امتلاكهم لهذه الصلاحيات القانونية، يعاني عدد كبير من المساهمين من تراجع الفعالية وعدم التحرك لجني ثمار حقوقهم. ويمكن تلخيص أبرز الأسباب فيما يلي:
* تجزئة ملكية الأسهم: غالباً ما تكون ملكية الشركات المتعثرة موزعة على عدد كبير من المساهمين الصغار، بحيث لا يملك أي طرف واحد قوة تصويت تذكر بمفرده. هذه التجزئة تجعل الأفراد يشعرون بالعجز ويصعب عليهم تكوين أغلبية للتغيير.
* ضعف التنظيم والتنسيق: يفتقر المساهمون الصغار في كثير من الأحيان إلى التنظيم المؤسسي أو الجمعيات التي تجمعهم، ولا توجد ثقافة عمل جماعي بينهم. لذا يبقى كل مستثمر يتابع وضعه منفرداً أو عبر وسطاء دون حراك مشترك.
* الثقة بالجهات الرقابية: ينعكس في بعض الأحيان اعتماد المساهمين على الرقابة الحكومية؛ فهم يتوقعون أن تحميهم هيئة أسواق المال أو وزارة التجارة والصناعة ويحلّ محل الإدارة عند التعثر. هذا التوجه يعكس ضعف الثقافة الاستثمارية، إذ يحصر الجمهور مسؤولية الإصلاح بالجهات التنظيمية بدلاً من التحرك الذاتي.
* مخاطر التعرض والجمود: يخشى بعض المساهمين النشطين من الانتقام (كالدعاوى القانونية) إذا اشتكوا بشدة من الإدارة. إضافةً إلى أن مثل هؤلاء المستثمرين قد يواجهون موقفاً حرجاً في حال انقسام الآراء بينهم، فيضيع رصيد تحركاتهم دون تغيير فعلي.
* نقص المعلومات والرؤية: في بعض الشركات قد يكون هناك نقص في الشفافية أو ضعف في الإفصاح، مما يعيق قدرة المساهمين على تقييم مدى سوء الإدارة واتخاذ موقف دقيق. وعندما تنشر المعلومات عبر السوق أو الإعلام، قد لا يصلها الاتجاه الصحيح في الوقت المناسب للتحرك.
تبقى هذه المعوقات حكماً منطقية، لكنها ليست حكمًا قاطعًا. فكما سنعرض، هناك أدوات وآليات يمكن للمساهمين استخدامها لتجاوز هذه العراقيل والتأثير في إدارة شركاتهم.
آليات التغيير من داخل الشركة
على ضوء ما سبق، فإن الخيار الأفضل للمساهمين هو المبادرة بأنفسهم عبر آليات مدروسة داخلية، ومنها:
* تشكيل تكتلات وتحالفات مساهمين: يجمع عدد من المساهمين الصغار (أو حتى المؤسسات) حصصهم معاً في كتلة واحدة ذات وزن تصويتي مؤثر. هذا التحالف يمكنه التصويت كجسم واحد والضغط على الإدارة لتلبية مطالبه. وتُعدّ هذه الطريقة فعّالة خصوصاً إذا نجحت في حشد نسب مؤثرة.
* ترشيح مرشحين بديلين لمجلس الإدارة: يحق للمساهمين تقديم قوائم ترشيح لعضوية المجلس في الجمعيات العامة، بحيث ينافسون القوائم القديمة. يمكن للمجموعة النشطة اختيار مرشحين مؤهلين تملك دعم المستثمرين الرافضين لإدارة الشركة الحالية، ثم حشد أصواتهم لانتخابهم. هذه المبادرة تتطلب استعداداً مسبقاً وتنسيقاً جيداً مع بعض الجهات وتقديم مرشحين مؤهلين قانونياً. وقد يلجأ بعض المستثمرين إلى تعميم انتشارهم الإعلامي والدعوة إلى التصويت لقوائم معينة، بهدف كسر احتكار الإدارة القديمة لمقاعد المجلس.
* الضغط الإعلامي والتوعوي: أداة فاعلة تلوّح بطلاء الشفافية على الصراع الداخلي. يمكن للمساهمين تنظيم لقاءات صحفية أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر تقارير تحليلية حول المخالفات الإدارية أو الأداء الضعيف للشركة. وهذا يخلق رأياً عاماً ضاغطاً على مجلس الإدارة الحالي ويجعل الإعلام والجهات الرقابية تتابع عن كثب، مما يدفع شركات الاستثمار والصناديق إلى الوقوف مع مطالب المساهمين. مثل هذا الضغط الخارجي قد يخيف الإدارة أو يدفعها للمساومة مع الأقلية النشطة لتجنب تدهور سمعة الشركة.
* استنزاف الإدارة بالقنوات القانونية والتقارير المالية في حال وجود تجاوزات قانونية أو مالية يتمكن المساهمون أيضاً من اللجوء إلى رفع دعاوى مسؤولية على أعضاء المجلس لإهدار الأموال
باستخدام هذه الأدوات وغيرها، ينتقل مركز المبادرة من الخارج (الجهات الرقابية) إلى الداخل (المساهمين أنفسهم). تكوين تكتلات ناجحة، وإدارة حملة انتخابية داخلية، وتعبئة الرأي العام – كل ذلك يجعل للمساهمين تأثيراً حقيقياً في قرار الجمعية العامة، ويجبر مجلس الإدارة على الإصغاء أو الاستقالة طواعية.
ويتبيّن مما سبق أن الإصلاح الحقيقي في الشركات المتعثرة لا يأتي من تدخّل جهة تنظيمية خارجية بمفردها، بل يبدأ بالمساهمين أنفسهم وهم يمارسون حقوقهم كاملةً. فالجهات الرقابية تقوم بدورها المهم في ضبط السوق وضمان الشفافية، لكنها ليست البديل الذي يعوض عجز المساهمين عن القيام بمسؤولياتهم. فعندما تتحد جهود المساهمين لتشكيل رأي موحّد واتخاذ إجراءات قانونية حاسمة، فإنهم يكتسبون قوة حقيقية لإقالة المجلس الفاشل وقيادة الشركة نحو الاستقرار.
وبناءً على ذلك، يمكن القول بثقة إن أي إصلاح فعّال لا يبدأ من قرارات الهيئة وحدها، بل من قدرة المساهمين على التعاون وتحمل زمام الأمور بأنفسهم.