البنك المركزي: التضخم يدفع المستثمر للابتعاد عن السندات والاتجاه للأسهم والعقارات

استقرار الأسعار من شروط فعالية السياسات النقدية والمالية.
“الاقتصادية” تنشر تقرير ديناميكية الأسعار وتأثيرها على استقرار ونمو الاقتصاد الكلي
القمية الحقيقية للأموال المدخرة تنخفض مع ارتفاع التضخم.
كتب حازم مصطفى:
أكد بنك الكويت المركزي على أن التضخم يلعب دوراً حاسماً في تحديد توجهات المستثمرين في أسواق الأسهم والعقارات والسندات، موضحاً بأن هناك علاقة متعددة الأبعاد بين التضخم والسندات، حيث يدفع التضخم المستثمرين للعزوف عن السندات حيث تصبح عوائدا أقل جاذبية فيما يكون البديل الأسهم والعقارات.
وأوضح البنك المركزي في تقرير حول ديناميكية الأسعار وتوقعات التضخم والاقتصاد الكلي، أن ديناميكية الأسعار تعد من المفاهيم المحورية المرتبطة بأبعاد الاقتصاد الكلي، حيث تنعكس آثارها بوضوح في كل من التوقعات بشأن التضخم واستقرار ونمو الاقتصاد الكلي. فمن منظور التضخم، تتأثر مستويات الأسعار في الاقتصاد بالتوقعات بشأن التضخم، والتي تعرف بدورها بأنها التصورات والتوقعات لدى الأسر والشركات والمستثمرين بشأن وتيرة ارتفاع الأسعار في المستقبل، حيث أن معدل التضخم الفعلي لا يعتمد فقط على العوامل الاقتصادية المباشرة، بل يتأثر أيضا- بشكل جزئي- بما تتوقعه قطاعات الاقتصاد بشأن مستويات الأسعار في المستقبل وتلعب هذه التوقعات دوراً رئيسياً في توجيه قرارات الإنفاق والاستثمار وعمليات تحديد أسعار السلع والخدمات، مما يجعلها عاملاً أساسيا في فهم كيفية تطور التضخم مع مرور الوقت، وتقدير اتجاهاته المستقبلية.
وأكد”المركزي” أنه من منظور الاقتصاد الكلي، تلعب ديناميكية الأسعار دورأ أساسياً في التأثير على التوازن بين العرض والطلب الكلي، وعلى سلوك القطاعات الاقتصادية المختلفة بما في ذلك قطاع الأسر والشركات والمستثمرين. كما يُعد استقرار الأسعار من الشروط الرئيسية لتعزيز فعالية السياسات الاقتصادية الكلية، سواء كانت نقدية أو مالية، وبالتالي تقليص حالة عدم اليقين، وتوفير بيئة اقتصادية أكثر وضوحا وثقة للأسر والشركات والمستثمرين. ويُسهم ذلك بدوره في تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، والذي يُعد ركيزة رئيسية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وتشجيع الاستثمار طويل الأجل.
أهمية توقعات التضخم
تؤثر توقعات التضخم ومدى استقراره في المجتمع على القرارات الاقتصادية إلى حد ما التي تتخذها قطاعات الأسر (مثل: قرارات الإنفاق والادخار) والشركات (مثل: قرارات تحديد الأجور والأسعار) والمستثمرون (مثل: قرارات شراء السندات الحكومية)، كما أنها تساهم في التأثير على مستويات التضخم الفعلية، ويمكن إيجاز ذلك على النحو التالي:
قطاع الشركات
* تؤدي التوقعات بشأن التضخم إلى تغييرات في استراتيجيات التسعير، والأجور، والتخزين، والاستثمار لدى الشركات. فعندما تتوقع الشركات ارتفاعاً في الأسعار، فإنها غالبا ما ترفع أسعار منتجاتها بشكل استباقي للحفاظ على هوامش أرباحها. وتطالب العمالة ونقابات العمال بزيادات في الأجور لمواجهة ارتفاع تكلفة المعيشة. وقد تقوم الشركات أيضا بزيادة مخزونها من المواد الخام لتجنب دفع أسعار مرتفعة لاحقا، وهو ما يُعرف بسلوك “الشراء التحوطي”. أما على صعيد الاستثمار، فقد تؤجل الشركات بعض الاستثمارات في حال كانت تتوقع بيئة تضخمية غير مستقرة، أو أنها تقوم بإعادة تقييم هيكل تكاليف الإنتاج في ضوء التغيرات المتوقعة في أسعار المدخلات.
قرارات الاستثمار
* يلعب التضخم وتوقعاته دوراً حاسماً في تحديد توجهات المستثمرين، خاصة في أسواق السندات والأسهم والعقارات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك علاقة متعددة الأبعاد بين التضخم وأسواق السندات. فمن ناحية، يمكن أن يؤدي التضخم إلى تآكل قيمة استثمارات السندات، مع انخفاض القوة الشرائية لمدفوعات الفائدة الثابتة بمرور الوقت. ومن ناحية أخرى، تميل عائدات السندات إلى الارتفاع عندما ترتفع توقعات التضخم، حيث يطالب المستثمرون بتعويض أعلى عن مخاطر فقدان القوة الشرائية. وكذلك، عندما يتوقع المستثمرون ارتفاع معدل التضخم، فإنهم يعزفون عن شراء الأصول ذات العوائد الثابتة مثل السندات الحكومية، لأن العائد الحقيقي (أي بعد خصم التضخم) يصبح أقل جاذبية. وبدلا من ذلك، يتجهون نحو الأصول الحقيقية مثل العقارات، أو الأسهم المرتبطة بقطاعات مقاومة للتضخم (مثل السلع الأساسية والطاقة).
لذلك، فإنه في حال جاءت التوقعات بارتفاع المستوى العام للأسعار، مثلا بنسبة 3% خلال العام المقبل، ستقوم الشركات بالعمل على رفع أسعار منتجاتها بنسبة 3% على الأقل- وستقوم نقابات العمال بالمطالبة بزيادات مماثلة في الأجور، ويتوجه قطاع الأسر من جانبه نحو زيادة الإنفاق بدلا من الادخار. كما سوف يتراجع إقبال المستثمرين على شراء السندات الحكومية لأن ارتفاع التضخم من شأنه أن يقلل من القيمة الحقيقية للعائد..
وبوجه عام، فإن التوقعات بشأن التضخم قد لا تكون متماثلة بين مختلف شرائح الاقتصاد (الأسر، والشركات، وأسواق المال)، وذلك بسبب اختلاف معاملاتهم وأولوياتهم. ونظراً لأن تلك التوقعات تؤثر على القرارات المتعلقة بالاستهلاك والاستثمار، والتي قد تؤثر بدورها على الأسعار والأجور، حيث أصبح التوصل للطريقة المثلى لتوفير ركيزة معلومات أفضل لآراء الناس عن التضخم من الاعتبارات الهامة لصناع السياسات والبنوك المركزية.
* قطاع الأسر
تؤثر توقعات التضخم بشكل مباشر على قرارات الأسر بشأن الإنفاق والادخار. فعندما تتوقع الأسر ارتفاعا في الأسعار خلال الفترة المقبلة، فإنها تميل إلى شراء السلع والخدمات قبل ارتفاع الأسعار، ويؤدي ذلك إلى زيادة الطلب الكلي. وفي المقابل، تتراجع معدلات الادخار، لأن القيمة الحقيقية للأموال المدخرة تنخفض عند ارتفاع معدل التضخم. كما قد تؤثر التوقعات على قرارات الاقتراض، حيث تفضل الأسر الاقتراض عند التوقعات بارتفاع معدلات التضخم للاستفادة من أسعار الفائدة قبل أن ترتفع.