تصفية الشركات وضربة المقفي من كبار المستثمرين ضد صغار المستثمرين والدائنين

المقفي هو الشخص الذي يدير ظهره للآخرين، ومعنى ضربة المقفي هو عكس معنى الضربة الاستباقية، فبينما الضربة الاستباقية تعني تلك الضربة التي يبدأ بها الخصم ضد الخصم الآخر، فإن ضربة المقفي تعني آخر ضربة يستطيع أن يوجهها الخصم ضد الخصم الآخر.
تصفية الشركة تعني إنهاء الوجود القانوني لها، وهناك أشكال عديدة للتصفية، ولكن ما نقصده في هذا المقال هو التصفية الإجبارية، أي صدور قرار من الجهات الحكومية المختصة بضرورة تصفية الشركة، وذلك بعد انقضاء المدة القانونية التي منحتها تلك الجهات إلى القائمين على إدارة الشركة لتصويب أوضاع الشركة خلال مدة زمنية محددة، وعدم تمكن الشركة من ذلك بسبب تعثرها ماليا وعدم قدرتها على الاستمرار في مزاولة أعمالها وتراكم الخسائر والديون وصولا إلى الإفلاس، مع عدم وجود الأموال الكافية لتوزيعها على كافة الدائنين والمساهمين.
بعد تعيين مصفي للشركة، يبدأ المصفي بتسييل أصول الشركة من أجل تسديد التزاماتها حسب الأولوية بدءاً من أتعاب المصفي، ثم حقوق العاملين، حقوق الدولة أي الخزينة العامة، الدائنين، والباقي يوزع على المساهمين، إلا إنه يتم استثناء الدائنين الذين يمتلكون حق التصرف ببعض الأصول المرهونة لديهم، بحيث يتم إعطاؤهم الأولوية في حالة أن تلك الأصول المرهونة ذات قيمة عالية ويتطلب الأمر فك الرهن لبيعها والحصول على المال.
تتكون الشركات المساهمة العامة من فئتين من المستثمرين، الفئة الأولى وهي فئة المؤسسين الذين يحتفظون بحزمة الأسهم الذهبية، أي ما يزيد عن ٥٠٪ من رأس مال الأسهم، وبالتالي يصبح لهم الحق في التحكم بالشركة، أما فئة المساهمين فإنهم يساهمون في رأس مال أسهم الشركة وغالبا ما يكونوا من صغار المستثمرين وحديثي العهد والمعرفة بطبيعة عمل الشركات المساهمة، وكذلك ليس لديهم علم بالأطر والأشكال القانونية لتلك الشركات، ومعظمهم لا يجيد قراءة قوائم البيانات المالية كالميزانية العمومية، وقائمة الدخل، وقائمة التدفقات النقدية وقائمة التغيرات في حقوق الملكية، بل حتى لا يفهم النظام الداخلي للشركة ولم يكلف نفسه حتى بتفهمه، بالرغم من أنه مساهم في تلك الشركة، أما كبار المساهمين أو المؤسسين فهم أصحاب الخبرات في آلية عمل الشركات المساهمة ويتمترسون خلف مجموعة من المستشارين الماليين والقانونيين، ويتحصنون بغالبية حصص الأسهم العادية، ومجموعة من الأسهم الممتازة القابلة للاستدعاء والتي تحميهم من مخاطر انخفاض قيمة الأسهم في السوق وتمنحهم الحق في تحديد وقت استرداد قيمتها أو الحصول على علاوة الاستدعاء متى ما قررت الإدارة إعادة شراءها، أي متى ما قررت إدارة الشركة التي هم قائمين على إدارتها وهم المؤسسون طبعا أو من يتم تعيينه من قبلهم.
وحتى يكون الطرح موضوعي فإننا لا نتحدث عن جميع كبار المستثمرين في الشركات المساهمة، بل نتحدث عن ممارسات بدأت تصبح وكأنها ظاهرة آخذة بالانتشار في عالم المال والأعمال.
أمثلة على بعض سلوكيات كبار المستثمرين ضد صغار المستثمرين والدائنين في الشركات المساهمة وعادة ما يستفيد منها كبار المستثمرين:
أولاً: التوسع في أخذ القروض وزيادة عدد الموردين الدائنين
بحجة أن القرض سوف يكون تمويل بدون تكاليف على الشركة من خلال خصم مصروف فائدة القرض من صافي الربح قبل الضريبة، وبالتالي فإن مصروف ضريبة الدخل الذي تفرضه الحكومة على الشركة يقل بمقدار مصروف الفائدة البنكية المدينة، وكذلك التوسع في أخذ بضائع من الموردين بالدين، أي ذمم دائنة.
ثانيا: تضخيم الأرباح لإغراء المستثمرين الصغار على شراء أسهم الشركة
على سبيل المثال لا الحصر:
* زيادة أو المبالغة في تقييم بضاعة آخر المدة، فكلما زادت قيمة بضاعة آخر المدة، قلت قيمة تكلفة البضاعة المباعة وزاد مبلغ مجمل الربح.
* عدم اقتطاع مصاريف نسب استهلاك الآلات والمعدات والمصانع والممتلكات بطريقة صحيحة، أي تخفيض نسب الاستهلاكات وبالتالي زيادة الأرباح.
* عدم معالجة التسويات الجردية بالطريقة المحاسبية الصحيحة وحسب أساس الاستحقاق، مثل المصاريف المدفوعة مقدما، والمصاريف مستحقة الدفع، والإيرادات المقبوضة مقدما، والإيرادات مستحقة القبض.
* الاعتماد على تقييم الممتلكات والآلات والمعدات والمصانع بطريقة التكلفة التاريخية والابتعاد عن التقييم بالقيمة العادلة.
ثالثا: القرارات الاستثمارية الخاطئة
حيث تعمل تلك القرارات على تلبية المصالح الشخصية لكبار المستثمرين، كالتوجه إلى الاستثمار في مشاريع عالية المخاطر وغير مجدية يستفيد منها أطراف ذات علاقة، أو الدخول في مشاريع وأعمال غير شفافة يدخل فيها العامل الشخصي بعيدا عن شروط الاتفاقيات والعقود الواضحة، مثل المناقصات من الباطن والتي تلفها الكثير من البنود الغامضة.
رابعا: سحب الأموال بطريقة غير مشروعة لصالحهم الخاص أو التوسع في النفقات والمصاريف غير الضرورية
مثل المبالغة في تجديد أثاث مبنى الإدارة العامة وشراء ذلك الأثاث من مصنع لأحد المقربين لرئيس مجلس الإدارة، أو التوسع في توزيع الأرباح النقدية والحصول على رواتب ومكافآت ضخمة مقابل الإشراف على سير نشاط الشركة وإدارتها وشراء السيارات والباصات الفارهة …إلخ.
خامسا: تسخير موارد الشركة لمصالحهم الشخصية
يتم ذلك إما من خلال تحويل موارد الشركة المساهمة إلى طرف ذات علاقة كشركة تابعة، أو لمشروع يملكه طرف من ذوي القربى، أي الدخول في معاملات غير شفافة أو غير قانونية.
وفي كل الأحوال فإن كبار المستثمرين لم يتأثروا في حال خسارة الشركة وتصفيتها، حيث نجدهم خططوا سلفا للقفز من السفينة قبل غرقها،
أما معظم الخسائر يتكبدها بعض الدائنين وصغار المستثمرين.
بقلم محمد سعد خليل