مقالات

خمسة عشر عامًا على إنشاء هيئة أسواق المال: بين الإنجاز والطموح

 

في فبراير من عام 2010، خطت الكويت خطوة فارقة في مسار تطوير اقتصادها وأسواقها المالية بإصدار القانون رقم 7 لسنة 2010 بإنشاء هيئة أسواق المال. جاءت هذه الخطوة في سياق الحاجة إلى تعزيز الشفافية والعدالة في التعاملات المالية، وحماية المستثمرين، وتحويل سوق الكويت للأوراق المالية من نموذج الإدارة التقليدية إلى نموذج تنظيمي ورقابي يتماشى مع المعايير الدولية.

اليوم، وبعد مرور خمسة عشر عامًا، يقف المراقب أمام سؤال مشروع: هل حققت الهيئة الغاية التي أنشئت من أجلها؟

 

الأهداف التي انطلقت من أجلها الهيئة

منذ تأسيسها، حدد القانون للهيئة مجموعة أهداف طموحة، أبرزها:

  1. تنظيم نشاط الأوراق المالية بما يحقق العدالة والتنافسية والشفافية.
  2. حماية المتعاملين من الممارسات غير العادلة أو غير المشروعة.
  3. تطوير أدوات الاستثمار وتوسيع قاعدة السوق.
  4. نشر الثقافة الاستثمارية بين الجمهور.
  5. مواءمة السوق الكويتي مع أرقى الممارسات والمعايير العالمية في التنظيم والرقابة.

 

محطات رئيسية في مسيرة خمسة عشر عامًا

1- المرحلة الانتقالية وخصخصة البورصة

أولى خطوات الهيئة كانت إدارة المرحلة الانتقالية بين سوق الكويت للأوراق المالية (البورصة القديمة) وبين شركة بورصة الكويت، التي تأسست عام 2014 كشركة خاصة لإدارة وتشغيل السوق. هذه الخصخصة مثلت تحولًا جوهريًا من نموذج السوق الحكومي إلى نموذج السوق الذي تديره مؤسسة خاصة تحت إشراف ورقابة الهيئة.

2- تطوير التشريعات والبنية التحتية

  • أصدرت الهيئة اللائحة التنفيذية لقانون أسواق المال، والتي شهدت تعديلات متكررة لمواكبة التطورات.
  • تم تأسيس مركز المقاصة المركزي وتطوير أنظمة ما بعد التداول، بما يحقق الكفاءة ويقلل المخاطر التشغيلية.
  • في السنوات الأخيرة، أطلقت الهيئة تعديلات لتنظيم التمويل الجماعي، مما أتاح لشركات ناشئة ومشاريع مبتكرة الوصول إلى مصادر تمويل جديدة.

3- التحول الرقمي والخدمات الإلكترونية

  • إطلاق البوابة الإلكترونية عام 2016 لتقديم خدمات المستثمرين والشركات إلكترونيًا، وتقليل الحاجة للإجراءات الورقية.
  • توفير تطبيقات ذكية على الهواتف المحمولة تتيح متابعة الأخبار والإفصاحات والقرارات التنظيمية فور صدورها.

4- إدراج الكويت على مؤشرات الأسواق الناشئة

من بين أبرز إنجازات الهيئة نجاحها في تهيئة السوق للانضمام إلى مؤشرات عالمية مثل مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة (MSCI) ومؤشر فوتسي راسل، مما جذب استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات، وعزز سمعة السوق الكويتي إقليميًا ودوليًا.

 

مكاسب ملموسة على الأرض

  1. زيادة مستوى الشفافية والإفصاح من خلال إلزام الشركات المدرجة بقواعد إفصاح صارمة.
  2. جذب الاستثمارات الأجنبية نتيجة توافق السوق مع معايير الاستثمار العالمية.
  3. تحسين حماية المستثمرين عبر آليات شكاوى وتسوية منازعات أكثر وضوحًا وفعالية.
  4. تنويع الأدوات المالية وإدخال منتجات استثمارية جديدة.

 

التحديات التي لا تزال قائمة

رغم هذه المكاسب، يظل الطريق أمام الهيئة حافلًا بالتحديات ومن أبرزها:

  • ضعف الثقافة الاستثمارية العامة: لا يزال جزء كبير من المتعاملين يفتقر إلى المعرفة الكافية بأساسيات الاستثمار وإدارة المخاطر.
  • محدودية التنوع في المنتجات المالية: رغم التقدم، لا تزال السوق بحاجة إلى المزيد من الأدوات مثل صناديق المؤشرات المتداولة، والمشتقات المالية المتطورة.
  • التكيف مع التكنولوجيا المالية (FinTech): التطور السريع في أدوات التكنولوجيا المالية يفرض على الهيئة مواكبة الابتكار مع الحفاظ على الضوابط الرقابية.
  • تعزيز السيولة: لا يزال السوق بحاجة إلى زيادة عمق السيولة لتحسين كفاءة التسعير وتقليل التقلبات.

 

رؤية مستقبلية: ما بعد الخمسة عشر عامًا

إذا كانت السنوات الماضية قد ركزت على تأسيس البنية التشريعية والتنظيمية، فإن المرحلة المقبلة تتطلب توسيع قاعدة المستثمرين المحليين من خلال برامج تثقيفية ومبادرات تشجيعية وتشجيع الابتكار المالي وفتح المجال أمام منتجات مالية وتقنيات حديثة بالإضافة إلى تعزيز التكامل الإقليمي مع أسواق الخليج العربي لتسهيل الاستثمار البيني وزيادة حجم السوق وتطوير قدرات الرقابة الإلكترونية لمواجهة تحديات الجرائم المالية وغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

 

بعد خمسة عشر عامًا من تأسيسها، يمكن القول إن هيئة أسواق المال في الكويت نجحت إلى حد كبير في تحقيق الغاية التي أُنشئت من أجلها، من خلال تنظيم السوق، وتحسين الشفافية، وجذب الاستثمارات، ومواءمة البيئة الاستثمارية مع المعايير الدولية. لكن النجاح الحقيقي في المرحلة المقبلة سيقاس بقدرة الهيئة على تحويل هذه الإنجازات إلى ثقافة راسخة في المجتمع الاستثماري، وبقدرتها على ابتكار حلول وأدوات مالية تدعم الاقتصاد الوطني وتفتح آفاقًا جديدة أمام المستثمرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى