القهوة الأمريكية على المحك: صراع البورصات والسياسات في فنجانك الصباحي”

وقود أمريكا الصباحي والعمود الفقري لنصف مليار كوب يومي يتحول إلى رفاهية
بعد قرار ترامب.. هل تتحول قهوة الصباح الأمريكية من “نكهة البرازيل” إلى رفاهية مرتفعة الثمن؟
ضرائب جديدة هزت سوق البن العالمي: المستهلك يدفع الفاتورة والعادات اليومية على المحك
ضريبة البن البرازيلي هزت أركان العلاقات التجارية بين أمريكا والبرازيل وتهدد بتغيير طعم الطقس الصباحي للملايين من الأمريكيين.
تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثانية كأكبر مستهلك للقهوة في العالم، وتعتبر البرازيل المورد الأول والأساسي لها.
ثلث إمدادات القهوة في العالم كله تأتي من البرازيل وحدها. هذه ليست صناعة، بل هي إرث وثقافة واقتصاد بأكمله.
لا يمكن الحديث عن القهوة دون التوقف عند العملاق البرازيلي الذي يهيمن على السوق العالمية.
البرازيل تنتج أكثر من 60 مليون كيس بن (60 كغ لكل كيس) سنوياً.”
عملية التحميص هي “العباءة السحرية” التي تضاعف سعر الحبة عشرات المرات!
“لنتقابل على قهوة” – هذه الجملة وحدها تحرك مليارات الاجتماعات، الصفقات، واللقاءات الاجتماعية!
قهوة “Single Origin” أو “التحميص الفاخر” يمكن أن يصل سعرها إلى ٥٠ دولار للكيلو!
في المرة القادمة التي ترفع فيها كوبك، تذكر: أنك لا تشرب قهوة… بل تشرب اقتصاداً عالمياً كاملاً.
الخاسر الأكبر في كل نهاية الحروب التجارية دائماً الطرفين: المنتج والمستهلك، بينما تتصاعد وتيرة التوترات السياسية.
يثبت فنجان القهوة المتواضع مرة أخرى أنه ليس مجرد مشروب، بل هو مؤشر اقتصادي واجتماعي حساس.
البرازيل تزود السوق الأمريكية بتلك الأنواع التي تشكل العمود الفقري لأكواب القهوة الأمريكية اليومية – ليست الأغلى دائماً، ولكنها الأفضل من حيث القيمة والجودة معاً.
هل ستنزلق البرازيل نحو فخ التصعيد المتبادل، فتحول نزاعاً تجارياً محدوداً إلى حرب شاملة لا منتصر فيها؟
من الكويت إلى أعماق مزارع “ميناس جيرايس” الخضراء في البرازيل، إلى أكواب “الستاربكس” في شوارع مانهاتن، وصولاً إلى إبريق القهوة الصباحي في كل منزل أمريكي، تمتد حلقة حيوية ربطت بين قارتين لعقود. لكن هذه الحلقة تواجه أكبر اختبار لها. فبعد قرار الرئيس، دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم من البرازيل، لم تكن الآثار الاقتصادية محصورة في المعادن فقط، بل امتدت ظلالها الثقيلة لتلوح بغيومها فوق محصول أكثر حيوية: البن البرازيلي. هذه الضريبة، التي هزت أركان العلاقات التجارية بين البلدين، تهدد الآن بتغيير طعم الطقس الصباحي للملايين من الأمريكيين، وربما تعيد تشكيل عادة يومية رسختها الثقافة الأمريكية لعقود. هل أصبح فنجان القهوة البرازيلي العطري على موعد مع التحول إلى رفاهية لا يقدر عليها كل أحد؟ وكيف سيكون رد فعل المستهلك الأمريكي إذا ارتفعت أسعار كوبه اليومي؟
البرازيل: “مملكة القهوة” التي تسقي العالم
* لا يمكن الحديث عن القهوة دون التوقف عند العملاق البرازيلي. فالبرازيل ليست مجرد دولة منتجة للبن؛ إنها قوة عظمى تهيمن على السوق العالمية. لتقدير حجم هذه الهيمنة، تخيل أن أكثر من ثلثإمدادات القهوة في العالم كله تأتي من البرازيل وحدها. هذه ليست صناعة، بل هي إرث وثقافة واقتصاد بأكمله.
* تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثانية كأكبر مستهلك للقهوة في العالم، وتعتبر البرازيل المورد الأول والأساسي لها. فهي تزود السوق الأمريكية بتلك الأنواع التي تشكل العمود الفقري لأكواب القهوة الأمريكية اليومية – ليست الأغلى دائماً، ولكنها الأفضل من حيث القيمة والجودة معاً. هذه الشراكة التجارية المتينة جعلت من القهوة البرازيلية عنصراً أساسياً لا غنى عنه في سلاسل التوريد لمحامص القهوة الكبرى، وشبكات المقاهي العالمية مثل ستاربكس ودونكين، وحتى في عبوات البن المطحون التي تملأ رفوف المتاجر من كوستكو إلى وول مارت.
* هذه العلاقة التكافلية المتينة، التي استمرت لسنوات، وفرت للمستهلك الأمريكي كوب قهوة عالي الجودة بأسعار معقولة. لكن هذا التوازن الدقيق تعرض لهزة عنيفة.
صاعقة ترامب: عندما أصبحت القهوة سلعة “إستراتيجية“
* في إطار سياساته التجارية الحمائية، وجه ترامب ضربة للبرازيل في أغسطس 2025 بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب و10%على الألومنيوم القادم منها، وذلك بذريعة حماية الصناعة الأمريكية وتحت بند “الأمن القومي”.
* ورغم أن القهوة لم تكن مستهدفة بشكل مباشر في القرار، إلا أن العواقب غير المباشرة كانت كارثية على القطاع. كيف؟
* تكاليف الشحن والنقل: تعتمد شحنات البن الهائلة على حاويات من الصلب والألومنيوم للتعبئة والنقل. فرض الرسوم على هذه المواد أدى إلى ارتفاع تكلفة هذه الحاويات، وبالتالي ارتفاع تكلفة شحن البن نفسه من البرازيل إلى الولايات المتحدة.
* تأثير الصرف: القرار السياسي خلق حالة من عدم الاستقرار والتوتر التجاري بين البلدين، مما أثر على ثقة المستثمرين وأدى إلى تقلبات في سعر صرف العملات، مما يزيد من عدم اليقين في تسعير السلعة.
* الرسوم المتتالية: هذه الزيادة في التكلفة الأولية لا تتبخر، بل تتراكم. يدفع المستورد الأمريكي التكلفة الإضافية أولاً، ثم يضيفها إلى سعر البيع لمحمص القهوة، الذي بدوره يرفع السعر على المقهى أو المتجر، الذي في النهاية يمرر هذه الزيادة إلى المستهلك النهائي: أنت.
مقارنة بالكويت: فاتورة على فنجان القهوة: المستهلك الأمريكي على خط المواجهة
* ها هي الفاتورة تصل أخيراً إلى مائدة الإفطار. الارتفاع في سعر حبوب البن الخام بسبب زيادة تكاليف الشحن والتأثيرات الاقتصادية، يترجم مباشرة إلى ارتفاع في الأسعار التي يلمسها المستهلك العادي:
* عبوات البن في المتاجر: العبوة التي كانت تباع بـ 9.99 دولار قد تصبح بـ 11.99 أو 12.99 دولار.
* كوب القهوة الجاهز: قد يرتفع سعر الكوب العادي في مقهى الحي من 2.5 دولار إلى 3 دولارات. بالنسبة للعديدين الذين يشربون القهوة يومياً، فإن هذا الفرق الصغير يتراكم إلى مبلغ كبير على مدار الشهر.
* القهوة الفاخرة (Specialty Coffee): التي تعتمد على حبوب (Single-origin) عالية الجودة، ستشهد ارتفاعات أكثر حدة، مما قد يحولها من متعة يمكن تحمل تكلفتها إلى شيء استثنائي.
تمرد على عادة الصباح: كيف قد يتفاعل المستهلك؟
* مثل قوة استهلاك أمريكا وأوروبا، تأتي الكويت في المركز الثاني خليجيًا بعد سلطنة عمان، ويُقدّر إجمالي استهلاك القهوة في الكويت بنحو 10 آلاف طن خلال عام 2023، مع توقعات بارتفاعه إلى 11 ألف طن بحلول عام 2028، مدفوعًا بزيادة الطلب على القهوة المختصة، وتوسع المقاهي المحلية والعالمية.
* الثقافة الأمريكية مرتبطة بشدة بقهوة الصباح، لكنها أيضاً ثقافة عملية. عند ارتفاع الأسعار، لن يتوقف الأمريكيون عن شرب القهوة بين عشية وضحاها، لكنهم سيعدلون من عاداتهم بذكاء. وهنا تتشكل عدة سيناريوهات محتملة:
* التحول إلى بدائل أرخص: قد يبدأ المستهلك في تجربة خلطات بن من دول أخرى غير البرازيل (ككولومبيا أو فيتنام أو هندوراس) قد تكون أسعارها أقل قليلاً، حتى لو اختلفت النكهة المألوفة.
* تقليل الكمية أو التردد: قد يتحول البعض من شراء قهوة جاهزة باهظة الثمن يومياً إلى تحضيرها في المنزل، أو قد يقللون من عدد مرات الذهاب إلى المقاهي، معتبرين إياها “مكافأة” نهاية الأسبوع بدلاً من روتين يومي.
* التمسك بالعادة ودفع الثمن: لفئة ليست بالقليلة، تعتبر قهوة الصباح خطاً أحمر غير قابل للمساومة. هؤلاء سيستمرون في شرب قهوتهم المفضلة ويدفعون الثمن الإضافي، لكنهم سيشعرون بالامتعاض من هذا “الضريبة الصغيرة على الاستيقاظ”.
* الضغط على العلامات التجارية: عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قد يوجه المستهلكون انتقادات لشبكات المقاهي الكبرى إذا رأوا أن الأسعار ارتفعت دون مبرر واضح، مما يضغط على هذه الشركات لامتصاص جزء من التكلفة بدلاً من تمريرها بالكامل.
ما وراء الكوب: انعكاسات أوسع على السوق
* التأثير لا يقف عند المستهلك فقط، بل يمتد ليهز سلسلة القيمة:
* المحمصون المحليون: الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشتري البن الخام وتحمصه محلياً ستجد هامش ربحها يتقلص بشدة، مما يهدد بقاءها في السوق.
* مزارعو البن في البرازيل: على المدى الطويل، إذا لجأ المستوردون الأمريكيون إلى خفض الطلب أو البحث عن موردين آخرين، فإن المزارع البرازيلي البسيط سيدفع الثمن أيضاً، حيث قد تنخفض الأسعار التي يحصل عليها مقابل محصوله.
* الحرب التجارية والخاسر الأكبر: هذه الحالة هي نموذج مصغر لكيفية أن الحروب التجارية، حتى عندما تستهدف سلعاً محددة، لها تبعات واسعة وغير متوقعة. الخاسر الأكبر في النهاية هو دائماً الطرفين: المنتج والمستهلك، بينما تتصاعد وتيرة التوترات السياسية.
ليست مجرد حبوب… إنها “صرعة” بقيمة ١٢٦ مليار دولار!
تخيل أنك تشرب كل صباح ليس مجرد مشروبٍ أسودَ مُنعش… بل تشرب جرعةً من أضخم صناعة ترفيهية واجتماعية على وجه الأرض! الكافيهات المحلية في المجتمعات الغربية والعربية في إدراك أن معيار النجاح لم يعد مقتصرًا على كمية الأكواب المباعة، بل يعتمد بشكل كبير على مدى انطباع اسمها في أذهان الجمهور. لم تعد العلامة التجارية مجرد رمز أو شعار بسيط، بل تحولت إلى تجربة شاملة تبدأ من النظرة الأولى إلى التصميم الخارجي للمكان، وتنتهي بلذة الرشفة الأخيرة من فنجان القهوة. فنجان القهوة الذي بين يديك هو الطرف الظاهر من جبل جليدي عملاق… جبلٌ قيمته ١٢٦ مليار دولار (نعم، بالمليار!). لكن كيف تتحول هذه الحبة الصغيرة إلى إمبراطورية مالية بهذا الحجم الفلكي؟ الأمر أشبه بـ فيلم من هوليوود، وإليك الأدوار:
الممثلون الرئيسيون في هذا الفيلم الضخم:
1- “المزارع البطل” (في البرازيل، كولومبيا، فيتنام): يزرع “الذهب البني” تحت أشعة الشمس، ويخاطر بالطقس والآفات. هو البداية، لكنه بالكاد يحصل على نسبة ١٠٪ من السعر النهائي الذي تدفعه أنت!
2- “التاجر الذكي” (في بورصات نيويورك ولندن): يشترون الحبوب بالطن، ويخزنونها، وينقلونها عبر المحيطات في رحلاتٍ شبيهة برحلات “إنديانا جونز”!
3- “الساحر المُحمص” (العلامات التجارية الكبرى): هنا حيث تتحول الحبة الخضراء المرة إلى كنز ذهبي عطري. عملية التحميص هي “العباءة السحرية” التي تضاعف سعر الحبة عشرات المرات!
4- “الفنان الباريستا” (في المقهى): هو “النجم الروك” الذي يحول المسحوق إلى تجربة فنية برسومات “لاتيه” وأسماء إيطالية مغرية. وهو المسؤول عن أغلى جزء في الرحلة – سعر الكوب الجاهز! ️
لماذا ١٢٦ مليار؟ لأن القهوة لم تعد مشروباً… إنها “هوية”!
هولندا وسويسرا والمملكة المتحدة تتصدر قائمة الدول التي تستورد منها الكويت القهوة، وتحديداً القهوة المحمصة (أي التي تم تحميصها وتجهيزها للاستهلاك المباشر) والقهوة منزوعة الكافيين. وتشير الأرقام إلى أن هذه الدول الثلاث مجتمعة تستحوذ على حصة كبيرة جداً من واردات الكويت من هذه الأنواع من القهوة، حيث تبلغ 54% من إجمالي الواردات. وبعد هذه الدول الثلاث، تأتي دول أخرى كموردين للقهوة إلى الكويت، مثل:
إيطاليا: المعروفة بتقاليدها العريقة في صناعة القهوة.
الإمارات العربية المتحدة: ربما تلعب دوراً في إعادة التصدير أو توريد علامات تجارية معينة.
المملكة العربية السعودية: قد تكون مورداً للقهوة العربية التقليدية أو بعض العلامات التجارية الأخرى.
بالإضافة إلى موردين آخرين: يشير هذا إلى وجود عدد من الدول الأخرى التي تساهم بكميات أقل في واردات القهوة الكويتية.
هيمنة الدول الأوروبية: اللافت هو هيمنة الدول الأوروبية (هولندا وسويسرا والمملكة المتحدة وإيطاليا) على قائمة الموردين الرئيسيين للقهوة إلى الكويت، مما قد يعكس تفضيل المستهلك الكويتي لأنواع القهوة ذات الجودة العالية والمنشأ الأوروبي.
دور الإمارات والسعودية: يشير وجود الإمارات والسعودية في قائمة الموردين إلى وجود حركة تجارية إقليمية نشطة في مجال القهوة، وقد يكون لهاتين الدولتين دور في إعادة تصدير أنواع معينة من القهوة.
تنويع مصادر التوريد: على الرغم من هيمنة عدد قليل من الدول على الواردات، إلا أن وجود “موردين آخرين” يشير إلى وجود محاولات لتنويع مصادر التوريد، وهو أمر إيجابي لضمان استقرار الأسعار وتلبية مختلف الأذواق.
بشكل عام، تعكس هذه البيانات صورة واضحة عن هيكل سوق استيراد القهوة في الكويت، وتُظهر الدور المحوري الذي تلعبه بعض الدول الأوروبية في تلبية احتياجات السوق المحلي.
القهوة الاجتماعي: “لنتقابل على قهوة” – هذه الجملة وحدها تحرك مليارات الاجتماعات، الصفقات، واللقاءات العاطفية!
القهوة الرقمي: إنستغرام، تيك توك – أصبح فن تقديم القهوة محتوىً يضخ الإعلانات والهاشتاقات في شرايين الصناعة!
قهوة البريميوم: لم تعد الكمية هي الهدف… الآن الجودة هي الملك. قهوة “Single Origin” أو “التحميص الفاخر” يمكن أن يصل سعرها إلى ٥٠ دولار للكيلو!
ضرائب ترامب هزت “عالم الديناصورات” هذا!
عندما تفرض ضريبة على الصلب، فأنت لا تضرب مادة خام… بل تهز سفن الشحن، التغليف، وآلات القهوة – كلها حلقات في سلسلة الـ ١٢٦ مليار دولار.
لذا، في المرة القادمة التي ترفع فيها كوبك، تذكر: أنك لا تشرب قهوة… بل تشرب اقتصاداً عالمياً كاملاً… كان ومازال وقود أمريكا الحقيقي، والآن، ذلك الوقود أصبح أغلى… فهل ستستمر في الدفع؟
هل سيتحول وقود أمريكا الصباحي إلى رفاهية؟
الجواب ليس “نعم” أو “لا” مطلقًا، بل “نعم، ولكن بشكل نسبي ومحدود”.
1- لماذا الإجابة “نعم” (نحو الرفاهية):
تآكل القوة الشرائية: الاستمرار في ارتفاع الأسعار، حتى لو كان طفيفًا، يجبر شريحة من المستهلكين (ذوي الدخل المحدود، الطلاب، المتقاعدون) على إعادة النظر في أولوياتهم. ما كان عادةً يومية بـ 3 دولارات أصبح بـ 3.75 دولار. على المدى الطويل، هذا فرق كبير.
التسعير المتصاعد: المقاهي تقدم باستمرار مشروبات “بريميوم” أغلى سعرًا (مشروبات باردة معقدة، خيارات Single-Origin بأسعار مرتفعة). هذا يدفع القهوة التقليدية السوداء أو “اللاتيه” الأساسية إلى أن تُنظَر على أنها الخيار “الأساسي” أو “الرخيص” مقارنة بها، مما يغير من perceived value.
الوعي الصحي والبدائل: يتحول بعض الأشخاص لاعتبار القهوة مشروبًا غير صحي أو مسببًا للتوتر، ويبحثون عن بدائل قد تكون أرخص أو يُنظر إليها على أنها أكثر “نقاء” (شاي، ماء منكه، مشروبات طاقة طبيعية). هذا يجعل شرب القهوة “خيارًا” وليس “إجباريًا”.
2- لماذا الإجابة “لا” (ستبقى عادة جماهيرية):
المرونة السعرية المنخفضة (Price Inelasticity): القهوة، مثل البنزين، سلعة “إدمانية” إلى حد كبير. الطلب عليها لا ينخفض بشكل كبير مع ارتفاع سعرها. الناس يقللون من النفقات في أماكن أخرى قبل أن يتخلوا عن قهوتهم الصباحية.
قوة العادة والطقس (The Ritual): الأمر يتعلق بأكثر من مجرد كافيين. إنه الطقس الاجتماعي، والاستراحة من العمل، والعادة التي يرتبط عليها اليوم كله. هذه القيمة النفسية يصعب تسعيرها والتخلي عنها.
مرونة السوق (Market Flexibility): السوق سيتكيف. ستظهر المزيد من الخيارات المنخفضة التكلفة:
* العلامات التجارية الأرخص في متاجر البقالة.
* عروض الولاء (Loyalty Programs) وتخفيضات المقاهي لجذب العملاء.
* التحول إلى التخمير المنزلي الذي لا يزال أكثر اقتصادًا من الشراء اليومي.
* الاستيعاب (Absorption): قد تمتص الشركات الكبرى والمقاهي جزءًا من التكلفة للحفاظ على حصتها السوقية، بدلاً من تخويف عملائها بارتفاع جنوني.
القهوة لن تتحول إلى “رفاهية” بالمعنى الكلاسيكي (مثل تناول العشاء في مطعم فاخر)، لكنها ستمر بمرحلة “ترشيد استهلاك”.
للفئة المتوسطة والعليا: ستظل عادة يومية غير قابلة للمساومة، وسيدفعون ببساطة المزيد مقابلها.
للفئة الأقل دخلًا: هنا يكمن التهديد الحقيقي. سيجبرهم الارتفاع على اختيارات أكثر ذكاءً وربما أقل جودة: شراء عبوات أكبر، الانتقال إلى علامات تجارية أرخص، تقليل عدد مرات الذهاب إلى المقاهي باهظة الثمن، أو التخمير المنزلي بكميات أكبر.
المنعطف الحاسم: البرازيل بين مغناطيسية الأسواق الجديدة وإغراء المواجهة.
في النهاية، يثبت فنجان القهوة المتواضع مرة أخرى أنه ليس مجرد مشروب، بل هو مؤشر اقتصادي واجتماعي حساس. إنه يرصد نبض العلاقات الدولية، ويترجم قرارات السياسة البعيدة إلى تجربة يومية ملموسة.
الغيوم التي فوق مزارع البن البرازيلية قد لا تعني نهاية عادة الصباح الأمريكية، لكنها بلا شك ستغير من طعمها وطريقة ممارستها. القرار الذي كان يهدف إلى حماية صناعة الصلب الأمريكية، قد ينتهي به المطاف إلى أن يفرض “ضريبة استيقاظ” على ملايين الأمريكيين، متحدياً واحدة من أكثر العادات رسوخاً في الثقافة الحديثة. السؤال الآن ليس إذا ما كان سعر الكوب سيرتفع، بل هو: إلى أي مدى سيتكيف الأمريكيون مع هذه الزيادة، وإلى أي مدى سيدافعون عن طقسهم الصباحي والثقافة الاستهلاكية القائمة بذاتها الذي لا يقدرون بثمن؟ فسلعة “الذهب البني” البرازيلي تشق طريقها بقوة نحو الشرق، حيث أسواق آسيا والدول العربية، منها الكويت ودول الخليج العربي عامة، مسجلةً معدلات نمو لافتة بلغت ١٩٫٤٪ و٣١٫٥٪ على التوالي، وفقاً لأرقام مجلس تصدير البن البرازيلي Cecafé (سيسافيه). هذه الأرقام لا تعكس مجرد زيادة رقمية، بل تحولاً استراتيجياً في خريطة التدفقات التجارية العالمية. غير أن هذه المؤشرات الإيجابية، رغم دلالاتها العميقة، تظهـــر في إطـــارها المحدود. فالقدرة الاستيعابية لهذه الأسواق الوليدة لا تزال هشة، وغير كافية لتعويض الفجوة الهيكلية التي قد يخلقها انكماش الطلب الأمريكي، الذي يظل العمود الفقري لصادرات البن العالمية. وهنا، تُطرح المعضلة الجيواقتصادية التي تواجه برازيليا: أي طريق ستسلك؟ هل تنزلق نحو فخ التصعيد المتبادل، فتحول نزاعاً تجارياً محدوداً إلى حرب شاملة لا منتصر فيها؟ أم تختار دهاء الدبلوماسية، فتفضِّل طاولة المفاوضات لصياغة عقد جديد مع واشنطن، يحفظ مصالح الطرفين ويحول الأزمة إلى فرصة؟
اللحظة الراهنة هي لحظة اختبار للرؤية الاستراتيجية للقادة في برازيليا، حيث تمتزج حسابات الاقتصاد بمنطق السياسة، وموازين القوة بمخاطر الانهيار.