مقالات

وول ستريت …. قصص المخالفين ورسائل للمستثمرين الأذكياء

بقلم – ليما راشد الملا

منذ نشأة أسواق المال، ارتبط اسم وول ستريت بالفرص الهائلة، لكنه ارتبط كذلك بفضائح مالية هزّت ثقة المستثمرين لسنوات. وبينما كان بعض هؤلاء المخالفين يرتقون بسرعة إلى قمة الهرم المالي، فإن سقوطهم كان أكثر قسوة وأشد وقعًا على المدخرات والاقتصادات. واليوم، وبينما يتابع المستثمر العربي تقلبات الأسواق العالمية، فإن مراجعة هذه النماذج لا تهدف إلى استعراض قصص الماضي فحسب، بل لتوجيه البوصلة نحو استثمار أكثر وعيًا وحصافة.

دروس من خمس قضايا شهيرة

أولاً: مايكل دي غوزمان وقضية Bre-X

في منتصف التسعينات، خدع دي غوزمان المستثمرين بتزييف عينات ذهب من منجم إندونيسي. تحولت شركة صغيرة إلى عملاق بورصة، قبل أن ينكشف الخداع وتنهار القيمة السوقية، مخلفة خسائر تجاوزت 3 مليارات دولار. الرسالة هنا واضحة: لا تنبهر بالأرقام المعلنة، بل ابحث دائمًا عن مصادر التحقق المستقلة.

ثانياً: ريتشارد ويتني

رئيس بورصة نيويورك الأسبق، الذي عاش حياة البذخ والرهانات، انتهى به المطاف إلى السجن بعد اختلاس أموال من صناديق الأيتام والأرامل. من قصته يتضح أن المكانة المؤسسية أو المنصب الرفيع لا يعني العصمة من الفساد، وعلى المستثمر أن يراقب سلوك المسؤولين لا خطاباتهم فقط.

ثالثاً: إيفان بوسكي

الذي اشتهر بلقب “المضارب الأكبر”، صنع ثروته في الثمانينات عبر التداول على معلومات داخلية حول صفقات الاستحواذ. سقوطه أدى إلى تشديد التشريعات وإقرار قانون Insider Trading Act عام 1988. الدرس للمستثمر: الطفرات المفاجئة في أسعار الأسهم ليست بالضرورة دليل كفاءة، بل قد تخفي خلفها تلاعبًا يعاقب عليه القانون.

رابعاً: مايكل ميلكن

المعروف بـ “ملك السندات الرديئة”. استخدم أدوات الدين عالية المخاطر لتمويل استحواذات وعمليات إعادة هيكلة، حتى تحولت أنشطته إلى هرم مالي انهار على رؤوس المستثمرين. النتيجة كانت غرامات بمئات الملايين وأزمة مدخرات وقروض. العبرة أن العوائد المرتفعة جدًا لا تأتي بلا ثمن، وغالبًا ما تخفي وراءها مخاطر نظامية تهدد السوق بأكمله.

خامساً: برنارد إيبيرز

الرئيس التنفيذي لشركة WorldCom الذي أدار أكبر عملية تزوير محاسبي في تاريخ الاتصالات. اعتمد على إخفاء الخسائر عبر دمجها في ميزانيات لاحقة حتى وصلت الشركة إلى الإفلاس. هنا يظهر الدرس الجوهري: لا تستند إلى بيانات الأرباح المعلنة فقط، بل تابع جودة الإيرادات واستدامة النمو.

ما الذي يعنيه هذا للمستثمر اليوم؟

هذه النماذج تبيّن أن الطمع، حين يقترن بالإهمال، قد يدمّر ثروات بأكملها. المستثمر الذكي لا يكتفي بتتبع العوائد، بل يطرح الأسئلة الصعبة:

-هل الشركة تتبنى حوكمة رشيدة أم تعتمد على أسماء لامعة؟

-هل النمو ناتج عن نشاط حقيقي أم عن عمليات محاسبية معقدة؟

-هل مصادر المعلومات متنوعة وموثوقة أم تنحصر في تصريحات الإدارة؟

إن وجود قوانين وهيئات رقابية لا يعني غياب المخاطر. فحتى مع أكثر التشريعات صرامة، يجد بعض المخالفين طرقًا للالتفاف. لذلك، يبقى الوعي الفردي والتحليل المتأني خط الدفاع الأول أمام أي استثمار.

نصيحة ختامية

إلى المستثمر العربي، خصوصًا في زمن الذكاء الاصطناعي والتدفقات الإعلامية الهائلة: لا تسمح للترند اللحظي أو البريق الإعلامي أن يقود قراراتك. يثبت التاريخ أن وراء كل قفزة غير مبررة، احتمال وجود خلل جوهري. استثمر بعقل ناقد، اسأل قبل أن تثق، ولا تجعل الطمع يعمي بصيرتك. فالأسواق ستبقى دائمًا ميدانًا للفرص، لكن أيضًا ساحة للتجارب القاسية لمن يفتقد الحكمة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى