رؤية السعودية 2030 والدور الهام للإدارة المالية العامة

شهدت المملكة العربية السعودية تحولاً اقتصادياً كبيراً، مدفوعاً بتنويع اقتصادها القائم تاريخياً على النفط. وفي قلب مبادرة التنويع الاقتصادي التي تنتهجها المملكة هناك صندوق ثروة سيادي يعد من بين أكبر الصناديق الاستثمارية في العالم. وبينما تحظى الأجندة الطموحة لرؤية السعودية 2030 باهتمام عالمي، يحدث وراء الكواليس تحولاً حاسماً آخراً – وهو تطور ممارسة إدارة المالية العامة في المملكة العربية السعودية.
تعتبر الإدارة الفعالة للأصول أمراً أساسياً للإدارة المالية العامة الجيدة. وخلال انتقالها من المحاسبة النقدية إلى المحاسبة على أساس الاستحقاق، ستعمل المملكة العربية السعودية على تعزيز سجلات إدارة الأصول لديها، والتي ترصد كمية ونوعية الأصول المتاحة، وبالتالي تسهيل إنشاء جداول الصيانة والتجديد.
تُعرّف إدارة المالية العامة، بكلمات بسيطة، بأنها عملية إعداد الميزانية والحسابات للشؤون المالية للدولة. وفي ظل ما تواجهه البلدان في جميع أنحاء العالم من ضغوطات اقتصادية متفاوتة، أصبحت الإدارة الفعالة للمالية العامة محط اهتمام أكبر لدى العديد من الحكومات. وفي حين أن الأسعار المتضخمة للطاقة ربما كانت بمثابة نعمة للمنطقة، فإن القيادات الحكومية سوف تدرك الوتيرة المتغيرة لظروف الأسواق والتي قد تُعطل أهدافها التنموية. ونتيجة لذلك، انتقلت الحكومة السعودية إلى إدارة المالية العامة بما يتوافق مع أفضل الممارسات الدولية، على غرار تلك المتبعة في المملكة المتحدة.
وكان التغيير الرئيسي هو التحول من المحاسبة القائمة على النقد إلى المحاسبة على أساس الاستحقاق باستخدام إطار المعايير المحاسبية الدولية للقطاع العام (IPSAS)، وهو ركيزة أساسية لأي نظام قوي لإدارة المالية العامة. وللمحاسبة على أساس الاستحقاق ميزة وجود ميزانية عمومية لتسجيل الأصول والالتزامات في مكان واحد – مما يؤدي إلى تحسين الشفافية وإدارة الأصول والمخاطر. إن دراسة كيفية تحسين هذه العناصر الثلاثة تؤكد أهمية المسار الجديد الذي اتخذته المملكة العربية السعودية في إنشاء إدارة مالية عامة قوية.
الشفافية
ستكون الحكومة السعودية قادرة على اتخاذ قرارات ثاقبة فيما يتعلق بالسياسة المالية من خلال النظر في تأثير السياسات الحكومية على مقاييس الميزانية العمومية. وهذا يتيح رؤية أوسع للميزانية العمومية للقطاع العام بأكمله، بما يتخطى نطاق الدين العام فقط، مما يعزز تقييمات الاستدامة المالية.
وستكون الحكومة أيضاً مجهزة بشكل أفضل لاتخاذ القرارات بشأن شراء أو بيع الأصول وتسوية الالتزامات أو تحملها، حيث لن تتمكن من استخدام الميزانية العمومية فحسب، بل أيضاً تدفقات الدخل على المدى الطويل. وسيساعد هذا أيضاً في تقييم القيمة مقابل المال، والأساس المنطقي لإدارة الأصول.
إدارة الأصول
تعتبر الإدارة الفعالة للأصول أمراً أساسياً للإدارة المالية العامة الجيدة. وخلال انتقالها من المحاسبة النقدية إلى المحاسبة على أساس الاستحقاق، ستعمل المملكة العربية السعودية على تعزيز سجلات إدارة الأصول لديها، والتي ترصد كمية ونوعية الأصول المتاحة، وبالتالي تسهيل إنشاء جداول الصيانة والتجديد.
ومن خلال هذه العملية، تستطيع الحكومة أيضاً ترشيد أصولها، وفهم أي الأصول ضرورية لتقديم الخدمات العامة، وأي الأصول يمكن تأجيرها، وما إذا كانت الأصول في القطاع الصحيح.
إدارة المخاطر
تتطلب الإدارة المالية العامة الجيدة تحديد وتخفيف مخاطر الميزانية العمومية. وهذا أمر مهم بشكل خاص، لأن الحكومات غالباً ما يُطلب منها العمل كملاذ أخير للضمان عندما تتوقف الأسواق فعلياً عن العمل. على سبيل المثال، يمكن للحكومة أن تعمل كضامن للأصول التي قد تتأثر بالكوارث الطبيعية. ومع تزايد التأثيرات المرتبطة بالمناخ، فإن تنفيذ ممارسات قوية لإدارة المالية العامة أمر ضروري لإدارة هذه المخاطر المحددة.
كما أن تغير المناخ يؤثر على الاقتصادات والمجتمع والبيئة أكثر من مجرد مخاطر تتعلق بالميزانية العمومية. ففي سبتمبر 2025، من المتوقع أن ينشر مجلس معايير المحاسبة الدولية في القطاع العام أول معيار للاستدامة يركز على الإفصاحات المتعلقة بالمناخ، والتي من المرجح أن تكون مرتبطة بشكل وثيق باتفاقية باريس، وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs).
الطريق نحو رؤية السعودية 2030
ومع التركيز بشكل أكبر على مخاطر المناخ، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به على مستوى المملكة التي تمتلك ثروة نفطية كبيرة. وتتطلب المهمة المطروحة استراتيجية واضحة ومتماسكة، مدعومة بإصلاح السياسات، وتكون مفهومة ومتفق عليها على نطاق واسع. ومن خلال الإدارة المالية العامة الفعالة، ستضمن المملكة تطبيق ودمج هياكل إعداد التقارير، وكذلك تدفقات المعلومات، وأطر الحوكمة.
ومع ذلك، أظهرت المملكة العربية السعودية التزاماً واضحاً بتنفيذ عمليات وأطر قوية للحفاظ على طموحاتها في رؤية السعودية 2030 – ولا شك أن تحركها لتبني ممارسات أقوى لإدارة المالية العامة سيعزز جهودها للبقاء مستدامة اقتصادياً.