مقالات

جريمة إساءة استعمال أو استغلال المطلع للمعلومات

بقلم المستشار القانوني، د. جلال سعد

هذه الجريمة نص عليها قانون هيئة أسواق المال في المادة 118 والمعدلة بالقانون رقم22 لسنة 2015

بحيث تقع الجريمة على كل مطلع قام ببيع أو شراء ورقة مالية أثناء حيازته لمعلومات داخلية عنها أو كشف عن المعلومات الداخلية أو أعطى مشورة على أساس المعلومات الداخلية لشخص آخر، كما يعاقب بذات العقوبة أي شخص قام بشراء أو بيع ورقة مالية بناء على معلومات داخلية حصل عليها من شخص مطلع مع المعلومات بغرض تحقيق أي منفعة له أو لغيره.

وبمقتضى هذه المادة أصبح كل شخص يمكن أن يكون محل مساءلة على النحو الوارد بنص المادة118.

ويكاد يجمع فقهاء القانون الجزائي على أن السبب الرئيسي لوجود هذه الحماية هو تحقيق المساواة بين كافة المساهمين والمستثمرين بحيث لا تكون هناك تفرقة بين كبارهم وصغارهم، وبصفة خاصة بين القائمين على الإدارة والمقربين منهم وبين بقية المساهمين.

ولا شك أن هذه المساواة تتحقق بإعلان الوضع المالي والاقتصادي للمؤسسة أو الشركة والتطورات التي تطرأ عليه، وكافة العمليات المستقبلية التي يمكن أن تؤثر على مركزها، كالاندماج مع شركة أخرى، أو الدخول في عمليات صناعية أو تجارية، أو جلب عدد من المستشارين الماليين للشركة ممن يعترف لهم الكافة بالكفاءة والقدرة على القيام بعمليات ناجحة لمصلحة الشركة أو المؤسسة مصدرة الأوراق المالية.

وهذا الإعلان يوجه ليس فقط إلى المساهمين في الشركة وإنما إلى العامة حتى يتسنى لهؤلاء الإقبال على أسهم هذه الشركة أو تلك وهم على بينة من أمرهم.

ولكن البعض يرى في هذا الإفصاح – والذي يقود إلى العقاب الجنائي في حالة عدم الالتزام به اعتداء على مصالح الشركة أو المؤسسة ذاتها وعلى مصالح كبار المساهمين فيها.

وسنده في ذلك أن الإفصاح يقود إلى توفير بيانات الشركة للجميع بمن فيهم منافسيها التجاريين على نحو يمكنهم من التعرف على مواطن الضعف والقوة بالشركة، فضلا عن أن كبار مالكي الشركة لا يحبذون هذا الإفصاح لأن في ذلك إعلان عن حجم ثروتهم، إذ إن من متطلبات الإفصاح إعلان نسبة ملكية كل مساهم بالشركة، وبالتالي يُصبح من السهل التعرف على قيمة استثمارات المساهمين بالشركة من خلال ضرب عدد أسهمهم في سعر سهم الشركة.

الرد على هذا التحفظ

بيد أن هذا التحفظ مردود عليه من منظورين كما يقول الدكتور فيصل عبدالله الكندري:

المنظور الأول: أن الالتزام بالإفصاح لا يقع على شركة دون أخرى، فهو إلزام عام يقع على كافة الشركات المقيّدة في سوق الأوراق المالية، وبالتالي لا يصح النعي على هذا الالتزام بأنه قد يكشف أسرار الشركة أمام غيرها من الشركات.

المنظور الثاني: أن هذا التحفظ يُعد تعبيراً عن مصالح مرجوحة، بل يمكن القول إنه تعبير عن مصالح خاصة وأنانية، وبالتالي لا يصمد أمام المصالح الراجحة التي يحققها هذا الإفصاح خاصة أنه يؤكد مبدأ دستورياً وهو المساواة بين الكافة. أ.هـ

ويبدو أن هذه الآراء التي ترفض تدخل القانون الجنائي في مجال سوق الأوراق المالية تتسم بالمبالغة والمغالاة وتمثل تطرفاً يصعب قبوله، فالقانون الجنائي يتدخل – ليس لعرقلة السير العادي للسوق كما يدعي ـ وإنما للحفاظ على ذلك بالقضاء على التدخلات التي من شأنها تسميم السوق وعرقلة سيره الطبيعي وهو في هذا الصدد لا يتدخل إلا بالقدر اللازم والمفيد.

تحرير المصطلحات الواردة بالمادة

ولنعطي الآن نظرة سريعة على المصطلحات الواردة بهذه المادة.

وردت بالمادة، محل التعليق، بعض المصطلحات رأينا أن نقوم بتعريفها قبل التعليق على المادة حتى يسهل فهمها واستيعابها.

أولاً: المطلع: أي شخص اطلع بحكم موقعه على معلومات أو بيانات ذات أثر جوهري عن شركة مدرجة لم تكن متاحة للجمهور ويشمل ذلك الحالات الآتية:

1 – أعضاء مجلس الإدارة والجهاز الإداري لدى الشركة المدرجة وشركتها الأم وشركاتها التابعة الذين لديهم معلومات داخلية تتعلق بالشركة المدرجة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

2 – موظفو الجهات الأخرى الذين يطلعون على معلومات داخلية تتعلق بالشركة المدرجة أو بالأوراق المالية المدرجة ويدخل في ذلك مراقب الحسابات والجهات الاستشارية ووكالات التصنيف الائتماني.

3 – المساهمون الذين أطلعهم ممثلوهم بمجلس إدارة الشركة المدرجة عما لديهم من معلومات داخلية عن هذه الشركة.

4 – موظفو الشخص المرخص له ممن توافر لديهم معلومات عن قيام أحد العملاء ببيع أو شراء ورقة مالية مدرجة.

5 – الأشخاص الذين يطلعون – بشكل غير مشروع – على المعلومات الداخلية عن شركة مدرجة أو تداول ورقة مالية مدرجة.

6 – أي شخص أخر ينطبق عليه تعريف المطلع.

ثانياً: المعلومات الداخلية: هي المعلومات أو البيانات غير المعلن عنها للجمهور والتي لو أعلن عنها يكون من شأنها التأثير على سعر أو تداولات الورقة المالية»، ويجب أن تتوافر في المعلومات الداخلية الشروط التالية:

1 – أن تتعلّق بورقة مالية أو بشركة مدرجة في البورصة.

2 – ألا تكون متاحة للجمهور بأي شكل من الأشكال

3 – أن يكون من شأنها التأثير على سعر أو تداولات.

ولا تعد المعلومات داخلية في الأحوال التالية:

1 – إذا تم الإفصاح عنها في البورصة

2 – إذا كانت ضمن سجلات متاحة للاطلاع عليها من أي شخص.

3 – إذا كانت عبارة عن تحليل فني أو دراسة بحثية عن ورقة مالية وتم إعدادها بناء على معلومات متاحة للجمهور.

حالات التداول أثناء حيازة معلومات داخلية أو استغلالها:

ينطبق حكم المادة (118) من القانون إذا تم البيع أو الشراء – بشكل مباشر أو غير مباشر – على الورقة المالية المدرجة من المطلع أثناء حيازته للمعلومات الداخلية، ويدخل في ذلك الحالات التالية:

1 – إذا قام المطلع بالبيع أو الشراء نيابة عن شخص آخر.

2 – إذا كلف المطلع شخصاً آخر بالقيام نيابة عنه بالبيع أو الشراء.

3 – إذا استغل المطلع حسابات أشخاص آخرين لإجراء عمليات البيع أو الشراء.

يعد الشخص مرتكباً للجريمة المنصوص عليها في المادة (118) من القانون على سبيل المثال لا الحصر في الأحوال التالية:

1 – إذا قام المطلع بالبيع أو الشراء على ورقة مالية أثناء حيازته المعلومات داخلية عنها.

2 – إذا كان المطلع موظفاً لدى شخص مرخص له وكان لديه معلومات داخلية عن نية أحد العملاء بالتداول على ورقة مالية، فقام هذا المطلع بإدخال أوامر على ذات الورقة قبل إدخال أوامر العميل للحصول على أسبقية من شأنها تحقيق منفعة له أو لغيره.

3 – إذا كان المطلع لديه معلومات داخلية عن عرض استحواذ على ورقة مالية فقام ببيع أو شراء ذات الورقة أثناء حيازته للمعلومات، فيما عدا الحالات المسموح فيها بالبيع أو الشراء طبقاً لأحكام الاستحواذ الواردة في الكتاب التاسع (الاندماج والاستحواذ) من هذه اللائحة.

4 – إذا قام المطلع بالكشف عن المعلومات الداخلية أو أعطى المشورة على أساس المعلومات الداخلية لشخص آخر.

5 – إذا قام الشخص بالبيع والشراء على ورقة مالية بناء على معلومات داخلية حصل عليها من شخص مطلع مع علمه بطبيعة تلك المعلومات بغرض تحقيق أي منفعة له أو لغيره.

الأحوال المشروعة التي لا تعد تداولاً أثناء حيازة معلومات داخلية ولا يعد المطلع قد ارتكب الجريمة المنصوص عليها في المادة (118) من القانون في الأحوال التالية:

1 – إذا كان المطلع يقوم بالبيع أو الشراء تنفيذاً لتعليمات شخص آخر بسبب وظيفته أو عمله دون أن يكشف عما لديه من معلومات داخلية.

2 – إذا كان يقوم بالبيع أو الشراء تنفيذاً لحكم قضائي أو لالتزام ناشئ عن القانون وهذه اللائحة فرض عليه قبل حيازته المعلومات داخلية.

3 – إذا كان يقوم بالبيع أو الشراء تنفيذاً لعملية استحواذ أو اندماج بشرط أن يتم البيع أو الشراء لهذا الغرض، وأن يتم الإفصاح عن المعلومات الداخلية للجمهور وفقاً للقواعد المنصوص عليها في كتاب الاندماج والاستحواذ من هذه اللائحة.

4 – إذا أثبت المطّلع أنه قد وضع أمر بيع أو الشراء قبل حيازته للمعلومات الداخلية.

لا يعد الشخص الاعتباري المطلع مرتكباً للجريمة المنصوص عليها في المادة (118) من القانون إذا كان من قام بتنفيذ صفقات البيع والشراء على الورقة المالية لا يعلم عن المعلومات الداخلية وقت قيامه بذلك، وذلك بشرط إثبات الشخص الاعتباري أنه قد التزم بأحكام الكتاب الخامس (أنشطة الأوراق المالية والأشخاص المسجلون والكتاب السادس السياسات والإجراءات الداخلية للشخص المرخص له والكتاب الثامن (أخلاقيات العمل).

تعليق

وتعتبر المعلومات الداخلية للشركات المساهمة المتعلقة بالأوراق المالية التي تصدرها تلك الشركات بمثابة العمود الفقري لسوق الأوراق المالية، فهي تلعب دوراً أساسياً ومباشراً في اتخاذ قرارات الشراء أو البيع من قبل المتداولين في السوق، كما أن كفاءة واستقرار سوق الأوراق المالية في أي دولة تقدر بمدى مصداقية المعلومات وتوافرها للكافة على قدم المساواة والعدالة بين المتداولين في السوق، لذلك حرصت تشريعات الدول المختلفة – ومنها الكويت – عن سن الأنظمة التي تكرس مبدأ الشفافية والإفصاح وتحدد مضمونه ونطاق تطبيقه، وتلزم الشركات بتطبيقه وتزويد المساهمين والمتداولين في السوق بالمعلومات الداخلية للشركات، وتتيح الفرصة لهم على قدم المساواة بالحصول عليها دون تفرقة بين كبار المساهمين أو صغارهم في الشركة نفسها، وكذلك دون تفرقة بين المساهمين في الشركة وغير المساهمين فيها، وذلك لإتاحة الفرصة لهم على قدم المساواة باستغلالهم والقيام بالتداول بناء عليها وعدم السماح لبعضهم بأولوية

استغلالها قبل الآخرين.

خصائص المعلومات الواجب الالتزام بنشرها:

هناك بعض الخصائص التي يجب توافرها في المعلومة الواجب نشرها وتتلخص هذه الخصائص فيما يلي:

  1. يجب أن تكون المعلومة المعطاة للجمهور صحيحة ودقيقة وصادقة، إذ يعتبر نشر معلومة غير صحيحة أو غير دقيقة أو مضللة انتهاكاً لمبدأ توفير المعلومات للجمهور، كما يُعد مساساً بمبدأ إعلام الجمهور إذا تم النشر لغرض معين.
  2.  يجب أيضاً نشر المعلومة التي تتعلق بحدث هام إذا كان من شأنه، لو عرف، أن يكون له أثر ملموس على سعر الورقة المالية.
  3. كما يتعين أن يكون وقت نشر هذه المعلومة في الوقت المناسب لهذه المعلومة، فلا يتم النشر في وقت متأخر عن الوقت اللازم لنشرها، إذ يدخل في عناصر تقدير أهمية المعلومة وقت نشرها بالإضافة إلى مضمونها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى