لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأتِي مِثْلَهُ ….. عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ

جزاك الله خيراً أيها الشاعر والفقيه والنحوي المكي المولد، أول من وضع النقط على الحروف، فها هو بيتك أعظم نقطة وضعتها لتكون بمثابة نقطة كاشفة فاضحة تكشف أصحاب المعايير المزدوجة، تكشف من يرون بعين واحدة، ولا يرون إلا ما يريدون أن يروه.
يعبثون ويعتقدون أنهم في العصور الحجرية، ويلبثون المواد والنصوص بما ليس فيها، ويكيلون بغير الحق، ويحيدون عن الطريق المستقيم… في عصر التنوير والتقنيات، عصر التكنولوجيا، عصر الومض، عصر الروبوتات التي تنفذ أعقد الجراحات عن بعد، عصر الفضاء الرقمي والشفافية المطلقة، يريدون إعادة تلك الابتكارات التي أنارت العالم إلى عصر الضبابية، بل قل عصر الظلام إن شئت.
لا تكشفوا أخطائنا، لا تتكلموا عنا، حتى ولو بالأرقام وبالدليل وبالواقع الملموس… دعوا العجلة تتحرك بأي وضع … نعم هناك أخطاء لكنكم تضخمونها! لا تتحدثوا عن الأخطاء واتركوا القافلة تسير وتمضي.
دعونا نحصل على أعلى الرواتب والمميزات والحصانات، ونتمترس خلف ما لدينا من سلطات واسعة نضرب بها من نشاء ومن نريد، ونلبس الحق بالباطل، ونؤول ونفسر كما نشاء وكما نرى، والقانون يخدم ادعاءاتنا ويطال ويغطي كل كيانات العالم والقطاعات الميكانيكية والهندسية والصناعية والفلسفية والزراعية والترفيهية والفندقية ومبيعات التجزئة والجملة وكل فرضات العالم والفضاء الرقمي (…)
دعونا نعيش في عزلتنا بعيداً عن الأعين، ليستمر شلال الرواتب الباهظة والمكافآت الفارهة غير المبررة، قياساً لحجم الإنجاز الفعلي وليس الورقي والخططي، وفق قاعدة “نسمع جعجعة بلا طحين”، فالجعجعة صوتها أعلى وأسهل ولا تحتاج مجهود.
لماذا نتعاون ولا نهدد ونزبد ونرعد؟ لماذا لا نرمي الكرة في ملعب الآخرين ونبعد عن أنفسنا الشبهات؟ ولماذا نتحمل أخطاء الآخرين التي نحن مسؤولين عن تقويمها ومراقبتها وتصويبها؟
لماذا لا نحصل على أفضل الكوادر ونعيش في الظل بأقل مجهود وأقل ضوضاء طالما يمكننا ذلك؟
لماذا لا نفعل الشيء ونقيضه طالما لا يحاسبنا أحد؟ ونعيش في مملكة عاجية خاصة… لا يحاسبنا أحد، فنحن من نملك “الخيط والمخيط”.
الأخطاء والخطايا مسموحة لنا فقط ممنوعة على غيرنا، نحن من يحق له الحديث والنقد والزجر والآخرون لا حق لهم!
نحن من يدفن القضايا ويخفي نتائجها، ولا يحق لأحد أن يكشف أسرارها أو يعلن أخبارها، فنحن المحصنون في الأرض ولا نرى أحداً.
لماذا لا نغطي فشلنا بنسج الخلافات والمشاكل وتأجيج الصراعات مع الآخرين، فهي وسيلة وطريق سهل.
لماذا لا نصنع الأعمال والمهام الوهمية والواجبات الورقية لتشغيل الطابور “البطالي” في مسؤوليات فرعية؟
لماذا لا نبحث عن بطولات زائفة ووهمية تغطي فشلنا في صميم أعمالنا التشغيلية، وصميم المهام الموكلة إلينا، وصميم أدوارنا الفنية التي أنتجت بعد سنوات خطايا كثيرة وأزمات كبيرة؟
بصمات ورقية روتينية نظرية هم فقط من يرونها إنجازات عالمية.
“الرول” طويل، وقد قالها منذ قرون الفقيه والنحوي مؤسس علم اللغة أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤليّ…
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ…عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ
كي تكون قدوة ونموذج ومثال يحتذى به ويحترم، ابدأ بنفسك أولا، كما قال أيضا “أبو الأسود الدؤلي”:
ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا… فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى… بِالْقَوْلِ مِنْك وَيحصل التسليمُ
ها هي كلماتك أيها العالم النحوي الفقيه، بعد قرون، ما زالت تكشف زيفهم وتظهر حقيقتهم، وكأنك كنت ترى معادن القادمين لهذه الدنيا، وتصوب سهامك نحوهم فتوجعهم.
لكن متى يخجلون من سوء صنائعهم ويؤدون الأمانة ويحللون معاشاتهم.