مقالات

لجان مجلس الإدارة: أدوات حوكمة أم نقاط ضعف خفية

قراءة تحليلية في ضوء قانون الشركات الكويتي وقواعد الحوكمة الصادرة عن هيئة أسواق المال

بقلم عماد الحسين

شريك – الرئيس التنفيذي لشركة الحوكمة والالتزام للاستشارات الإدارية والاقتصادية.

 

مقدمة

تُعد لجان مجلس الإدارة من الركائز الأساسية للحوكمة المؤسسية الحديثة، وقد تطورت بشكل ملحوظ على مستوى العالم منذ تسعينات القرن الماضي، كرد فعل مباشر للأزمات المالية والإدارية التي شهدتها العديد من الشركات الكبرى. وفي دولة الكويت، بدأت هذه المتطلبات تفرض على الشركات والبنوك من قبل بنك الكويت المركزي آنذاك في بداية سنة 2003، وقد أخذت هذه الممارسات طابعًا رسميًا أكبر مع صدور قانون الشركات رقم (1) لسنة 2016 ولائحته التنفيذية، إلى جانب قواعد الحوكمة الصادرة عن هيئة أسواق المال، التي فرضت تكوين عدد من اللجان المتخصصة داخل مجالس إدارات الشركات المُدرجة والمرخصة.

ورغم الفوائد العديدة لهذه اللجان، فإن التوسع في تشكيلها دون ضوابط واضحة قد يؤدي إلى تشتت المسؤوليات، وخلط مفاهيم المساءلة، وهو ما يدعو إلى مراجعة فعّالة لتوازن الصلاحيات والمسؤوليات داخل هذه المنظومة.

 

أولًا: تطور مفهوم اللجان داخل مجالس الإدارة

ظهر مفهوم اللجان المتخصصة داخل مجالس الإدارة بشكل بارز في التسعينات، بعد سلسلة من الأزمات المالية مثل فضيحةEnron (عملاق الطاقة) في الولايات المتحدة، والتي كشفت عن ضعف الرقابة الداخلية وسوء الإدارة المالية. وقد دفع ذلك المنظمات الدولية — مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) — إلى إصدار توصيات واضحة بشأن ضرورة تشكيل لجان مستقلة تعزز الشفافية والمساءلة داخل الشركات.

ثم جاء قانون “ساربينز أوكسلي” (SOX) الأمريكي عام 2002، ليجعل لجنة التدقيق مثلًا إلزامية في الشركات المدرجة وحدد أدوراها في التأكد من استقلالية ومهنية مراقبي الحسابات قبل تعيينهم وغيرها من المهام، وامتدت هذه الممارسات تدريجيًا إلى الأسواق النامية، ومنها السوق الكويتي، الذي استحدث الإطار التنظيمي للحوكمة عبر هيئة أسواق المال وبنك الكويت المركزي ووحدة تنظيم التأمين، وفرض وجود لجان دائمة داخل المجالس لتعزيز الفاعلية والرقابة.

 

ثانيًا: اللجان… ضرورة تنظيمية أم مدخل لتجزئة المسؤولية؟

تُلزم قواعد الحوكمة في الكويت الشركات المدرجة بتشكيل لجان دائمة، أهمها، لجنة التدقيق ولجنة الترشيحات والمكافآت ولجنة إدارة المخاطر والهدف من هذه اللجان هو دعم المجلس في أداء مهامه، من خلال توزيع المسؤوليات الفنية، والتعمق في الملفات المعقدة، وتمكين اتخاذ قرارات أكثر كفاءة.

ومع ذلك، فإن الإفراط في تشكيل اللجان دون وضوح وظيفي دقيق قد يؤدي إلى تضارب في الصلاحيات، وتكرار للأدوار، وربما تأخير في اتخاذ القرارات بسبب تشتت خطوط الاتصال.

 

ثالثًا: تشتت المسؤولية وتحدي المساءلة

في الممارسة العملية، يبرز سؤال جوهري: من المسؤول عند حدوث خلل أو فشل في القرارات؟
هل تُحمَّل المسؤولية للجنة؟ أم لأعضاء مجلس الإدارة ككل؟ أم للعضو المنفرد الذي شارك أو صوّت؟

يُؤكد قانون الشركات الكويتي على أن المجلس يتحمل المسؤولية التضامنية، وأن اللجان تُعد أدوات استشارية ومساعدة لا تنقل لها المسؤولية النهائية. ومع ذلك، فإن الواقع يُظهر أحيانًا ضبابية في المساءلة، خصوصًا عندما يُعتمد على توصيات اللجان بشكل شبه مباشر دون مراجعة كافية من المجلس.

 

رابعًا: الحاجة إلى وضوح هيكلي وتشغيلي

وبرأينا حتى تكون اللجان فعّالة دون أن تُسبب تشتتًا في المسؤوليات، يجب الانتباه إلى الجوانب التالية:

  1. تحديد صلاحيات دقيقة لكل لجنة، وربطها بميثاق معتمد من المجلس.
  2. تجنب ازدواجية المهام بين اللجان أو بينها وبين المجلس.
  3. توثيق التوصيات والقرارات بدقة، مع رفعها لمجلس الإدارة
  4. التدريب المستمر لأعضاء اللجان لضمان إدراكهم للأبعاد القانونية والحوكمة لعملهم.

 

خامسًا: التدرج والمواءمة في التطبيق المحلي

في دولة الكويت، أثبتت تجربة هيئة أسواق المال نجاحها في ترسيخ ممارسات الحوكمة تدريجيًا، من خلال فرض متطلبات محددة على الشركات المدرجة، ومتابعة تطبيقها بمراحل متدرجة. هذا التدرج ساعد الشركات، وخاصة تلك التي كانت تُدار وفق أنماط تقليدية أو عائلية، على الانتقال المنظم نحو بيئة مؤسسية أكثر انضباطًا.

غير أن هذا النموذج لا يُمكن تعميمه على كل القطاعات أو الشركات بنفس الأسلوب. فهناك حاجة دائمة إلى المواءمة بين القواعد العامة وطبيعة نشاط الشركة، بما يحقق الفاعلية دون أن يُسبب عبئًا بيروقراطيًا أو يضعف سرعة اتخاذ القرار.

وأخيرا نؤكد على أن لجان مجلس الإدارة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتعزيز فعالية الحوكمة وتحقيق الشفافية والمساءلة داخل الشركات. لكن فعاليتها مرهونة بوضوح أدوارها ومسؤولياتها، وتكاملها مع المجلس، وتوازنها مع حجم الشركة وطبيعة أعمالها.

في ضوء قانون الشركات الكويتي وقواعد هيئة أسواق المال، يبرز التحدي الرئيسي في تحقيق التوازن بين التخصص وتوزيع الأدوار، دون تفتيت المسؤولية أو إضعاف المساءلة.

ومن هنا، فإن المرحلة القادمة تتطلب تعزيز البنية التنظيمية لتلك اللجان، ومواءمتها مع أفضل الممارسات العالمية، بما يتماشى مع خصوصية البيئة الكويتية وتطلعاتها نحو سوق أكثر كفاءة واستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى