مقالات

هل نتجه للتأميم أم الخصخصة؟

بقلم: المهندس مشعل الملحم

هل تصدق أن بريطانيا التي تجلس على رأس هرم الرأسمالية قامت بتأميم بعض الخدمات، فحكومة العمال البريطانية أخذت في أول قراراتها بعد عودتها للحكم في سنة 2024 تأميم بعض خطوط القطارات مثل خط Northern Rail بعد فشل القطاع الخاص في إدارة الخدمات بكفاءة، مما دفع الحكومة إلى التدخل لحماية الركاب وتحسين الأداء. وكان من عيوب القطاع الخاص إلغائه لبعض الخطوط، بحجة عدم جدواها المالية، ناهيك عن تجاهله التوقف في بعض المحطات لنقص الركاب فيها، كما أن القطاع الخاص عمد إلى بيع تذاكر أكثر من قدرة القطار الاستيعابية،  كي يحقق أكبر ربحية ممكنة، مما تسبب بدفع الركاب للوقوف أثناء الرحلة أو الجلوس في الممرات أو بجوار الحمامات أو عند الأبواب، وأذكر شخصياً في أكثر من مرة أني اضطررت أن أقف كامل الرحلة من لندن إلى مانشستر.

أما في التاريخ العربي، فيبقى تأميم قناة السويس عام 1956 أحد أبرز صور السيادة الاقتصادية. فقد حوّلها جمال عبد الناصر من أداة استعمارية إلى شريان وطني، مما أثار أزمة عالمية لكنها كرّست حق الشعوب في امتلاك ثرواتها.

في عالم يتأرجح بين السوق الحر وهيمنة الدولة على مرافق الحياة، تبقى الخصخصة والتأميم خيارين اقتصاديين يثيران جدلًا فكريًا دائمًا، رغم ما تعد به الخصخصة من كفاءة وربحية، فإنها كثيرًا ما تُفضي إلى نتائج عكسية، خصوصًا في القطاعات الحيوية كالصحة، التعليم، والنقل. فمن عيوب الخصخصة  أن القطاع الخاص يسعى للربح متجاهلاًُ وضع المصالح الوطنية في المرتبة الأولى، مما يؤدي إلى إهمال الفئات الأضعف ورفع الأسعار وتقليص الجودة. كما أن الخصخصة تُضعف قدرة الدولة على التحكم في الخدمات الأساسية، وتخلق تبعية اقتصادية لجهات تمسك بمفاصل الدولة. في المقابل، التأميم يمنح الدولة سلطة إدارة القطاعات الحساسة بما يخدم الصالح العام. فهو لا يخضع لمنطق السوق فحسب، بل أيضًا للاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية، ويضمن العدالة في توزيع الخدمات والموارد.

في المحصلة، لا يُمكن تقييم الخصخصة أو التأميم بمعزل عن هدف أساسي: هل تخدم الإنسان بكفاءة عالية؟ أم أن العلاقة يجب أن تكيل بالمصالح المادية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى