مقالات

الركيزة الثانية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) وضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية (DMTT): إضافة محورية تُعيد تشكيل المشهد الضريبي في الكويت

لطالما عُرفت الكويت بنظامها الضريبي المبسط والجاذب، لا سيما عند مقارنته بما هو مطبق في دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة الأوسع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فالدولة لا تفرض ضرائب على الدخل الشخصي، ولا تُطبق ضرائب على الثروة أو الميراث أو الأرباح الرأسمالية، مما جعل من هذا النظام عنصر جذب أساسي للوافدين والمستثمرين على حد سواء.

لكن مع تسارع وتيرة الإصلاحات الضريبية عالميًا، خصوصًا في ظل مبادرة تآكل الوعاء الضريبي وتحويل الأرباح (BEPS) بقيادة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بدأت الدول بإعادة تشكيل أنظمتها الضريبية — والكويت ليست استثناءً. فبدءًا من 1 يناير 2025، تدخل ضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية حيّز التنفيذ، في خطوة استراتيجية لمواءمة النظام الضريبي للشركات مع المعايير الدولية.

 

فيما يلي نظرة شاملة على البنية الضريبية المتغيرة في الكويت:

 

1- الضرائب الشخصية

تظل الكويت بيئة ضريبية محفزة للأفراد:

* عدم فرض ضريبة دخل شخصي:

لا تُفرض ضرائب على الأجور أو الرواتب أو دخل العمل الحر، سواء على المواطنين أو الوافدين.

* عدم فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية أو الثروة أو الميراث:

لا تفرض الدولة أي رسوم على أرباح رأس المال الشخصية أو الثروات المكتسبة أو التركات.

ويواصل هذا الإعفاء الشامل ترسيخ تنافسية الكويت في جذب الكفاءات والاستثمارات الأجنبية.

 

2- الضرائب على الشركات

رغم غياب الضرائب الشخصية، إلا أن النظام الضريبي الموجّه للشركات في الكويت أكثر تركيزًا وانتقائية:

 

* ضريبة دخل الشركات:

تُفرض على الشركات الأجنبية ضريبة ثابتة بنسبة 15% على صافي الأرباح الناتجة من أنشطتها داخل الكويت. بينما تُعفى الشركات المملوكة بالكامل للكويتيين أو لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي، ما لم يكن لديها مكون ملكية أجنبية.

 

* ضريبة دعم العمالة الوطنية:

تلتزم الشركات الكويتية المساهمة العامة بسداد نسبة 2.5% من صافي أرباحها لصندوق حكومي يُعنى بدعم توظيف وتدريب الكويتيين في القطاع الخاص.

 

* حصة الزكاة:

تُفرض بنسبة 1% من صافي الأرباح على الشركات المساهمة، التزامًا بأحكام الشريعة الإسلامية.

 

* حصة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (KFAS)

مساهمة إضافية بنسبة 1% من صافي الأرباح تُسددها الشركات المساهمة لدعم البحث العلمي ومبادرات الابتكار داخل الكويت.

وتُسهم هذه الالتزامات في توفير فرص العمل للكويتيين وتعزيز المسؤولية الدينية ودعم التنمية المعرفية.

 

3- الضرائب غير المباشرة

* الرسوم الجمركية:

تُفرض ضريبة جمركية بنسبة 5% على الواردات إلى الكويت، مع وجود إعفاءات لبعض السلع الأساسية مثل المواد الغذائية، والأدوية، والمواد الخام الصناعية.

 

* ضريبة القيمة المضافة:

لم تطبق الكويت بعد ضريبة القيمة المضافة، إلا أن المناقشات ما زالت قائمة ضمن إطار العمل المشترك في دول مجلس التعاون الخليجي. وفي حال تم تطبيقها، فمن المتوقع أن تكون بنسبة 5%، بما يتماشى مع المعدلات المعتمدة خليجيًا. وتجري حاليًا دراسة التشريعات التمهيدية والبنية التحتية الإدارية اللازمة.

 

4- الاشتراكات في التأمينات الاجتماعية

* للموظفين الكويتيين:

يلتزم أصحاب العمل بسداد 11.5% من الراتب الشهري، بينما يساهم الموظف بنسبة 8%، وذلك لصالح المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. وتشمل هذه الاشتراكات التقاعد والإعاقة والمزايا الاجتماعية الأخرى.

 

* للموظفين الوافدين:

لا يخضع غير الكويتيين لمنظومة التأمينات الاجتماعية في الكويت، بل يُلزَم أصحاب العمل بمنحهم مكافأة نهاية الخدمة حسب ما ينص عليه قانون العمل الكويتي.

 

5- تطبيق الركيزة الثانية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: ضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية

في تحول ضريبي لافت، بدأت الكويت اعتبارًا من 1 يناير 2025 بتطبيق ضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية ضمن إطار الركيزة الثانية لمبادرة الحد الأدنى العالمي للضريبة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتهدف هذه الخطوة إلى الحد من تحويل الأرباح من قبل الشركات متعددة الجنسيات، وضمان دفع معدل ضريبة فعال لا يقل عن 15% في كل دولة تمارس فيها تلك الشركات أنشطتها.

 

🔍 الملامح الرئيسية والمتطلبات:

النطاق:

تنطبق ضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية على الشركات متعددة الجنسيات التي تتجاوز إيراداتها المجمعة عالميًا 750 مليون يورو، ويقل معدل الضريبة الفعلي (ETR) لها في الكويت عن نسبة 15%.

 

الكيانات المستثناة:

تُعفى بعض الكيانات من ضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية، من بينها:

* الكيانات الحكومية

*  المنظمات غير الربحية

* صناديق التقاعد

* صناديق الاستثمار وصناديق الاستثمار العقاري (REITs) التي تستوفي معايير محددة

 

 الملاذ الآمن:

لن تُطبق ضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية على الشركات متعددة الجنسيات التي يقل متوسط إيراداتها في الكويت عن 10 ملايين يورو وأرباحها عن مليون يورو خلال ثلاث سنوات متتالية.

 

الموعد النهائي للتسجيل:

يتعين على الشركات متعددة الجنسيات المتأثرة التسجيل لأغراض ضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية في موعد أقصاه 30 سبتمبر 2025، أو خلال 120 يومًا من تجاوزها للحدود المحددة.

الالتزامات بتقديم الإقرار:

يجب تقديم الإقرار الضريبي خلال 15 شهرًا من نهاية السنة المالية، مرفقًا بالبيانات المالية المدققة وكافة الإفصاحات المطلوبة.

عقوبات عدم الالتزام:

تُفرض غرامات كبيرة في حال عدم الالتزام، قد تصل إلى 25% من الضريبة المستحقة، أو غرامة لا تقل عن 5,000 دينار كويتي، أيهما أكبر.

 

🧮 منهجية الاحتساب

– تُحسب ضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية على أساس الفرق بين معدل الضريبة الفعلي المدفوع في الكويت وبين نسبة 15% كمعدل عالمي أدنى.

– قد تُستثنى بعض أنواع الدخل — مثل توزيعات الأرباح والأرباح الرأسمالية — من قاعدة الاحتساب، بناءً على ما سيصدر من توضيحات لاحقًا.

– من المتوقع صدور اللائحة التنفيذية بحلول 30 يونيو 2025، والتي ستوضح بالتفصيل إجراءات الالتزام، ومتطلبات حفظ السجلات، وآليات تسوية النزاعات.

 

الخلاصة: مسار متوازن نحو الالتزام الدولي

يمثل تطبيق ضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية اتساقًا مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خطوة محورية تعكس التزام الكويت بالشفافية الضريبية والعدالة في تقاسم العبء الضريبي العالمي. وبينما تحتفظ البلاد بمزاياها التنافسية — مثل عد فرض الضرائب الشخصية والرأسمالية — فإنها تعزز في الوقت نفسه مكانتها كدولة تواكب المعايير العالمية وتكافح تآكل الوعاء الضريبي وتحويل الأرباح.

بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات العاملة في الكويت، فإن هذا التغير الرقابي يفرض ضرورة إعادة التقييم الاستباقي لاستراتيجيات التخطيط الضريبي، إذ يُعد فهم تداعيات ضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية، وضمان الالتزام بمتطلبات التسجيل والإبلاغ والاحتساب، أمرًا بالغ الأهمية.

ويؤكد هذا التحول أيضًا نية الكويت تحديث بنيتها المالية، مع الحفاظ على بيئة استثمارية جاذبة. وبينما تصبح الأنظمة الضريبية عالميًا أكثر تعقيدًا وترابطًا، تمضي الكويت قدمًا في تحقيق توازن دقيق واستراتيجي بين أولوياتها الوطنية والتزاماتها الدولية.

 

نظرة استراتيجية للمستثمرين الأجانب

بالنسبة للمستثمرين الأجانب، يشكّل المشهد الضريبي المتطور في الكويت مزيجًا فريدًا من الفرص والالتزامات. فلا تزال الدولة توفر مزايا ضريبية لافتة، من أبرزها غياب ضريبة الدخل الشخصي، وعدم فرض ضرائب على أرباح رأس المال أو الميراث، إلى جانب نظام ضريبي معتدل نسبيًا على الشركات، لا سيما تلك ذات الملكية المحلية أو الخليجية — وهي عوامل ما زالت تشكّل حوافز قوية لممارسة الأعمال في الكويت.

غير أن اعتماد ضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية في إطار الركيزة الثانية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يفتح فصلًا جديدًا من التعاون الضريبي العالمي. إذ بات على الشركات متعددة الجنسيات التي تمارس أنشطة في الكويت وتتجاوز إيراداتها العالمية 750 مليون يورو أن تستعد للامتثال لمتطلبات ضريبية جديدة تهدف إلى ترسيخ مبادئ العدالة والاتساق في النظام الضريبي الدولي.

ومن منظور المستثمر، تعزز هذه الخطوة من مصداقية الكويت وشفافيتها في الأوساط المالية العالمية. كما أن مواءمة السياسات الضريبية مع إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يعكس التزام الدولة بالحوكمة الرشيدة، والتحديث الرقابي، وتبنّي أفضل الممارسات العالمية — وهي عناصر من شأنها الحد من المخاطر الرقابية والسمعة التي قد تواجه الكيانات الأجنبية.

لذلك، ينبغي للمستثمرين اتخاذ الخطوات التالية:

* تقييم مدى خضوعهم المحتمل لضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية والاستعداد للتسجيل والإبلاغ.

* الاستعانة بمستشارين ضريبيين وقانونيين لتحليل القرار الوزاري رقم 55 لسنة 2025 بشأن اللائحة التنفيذية.

* إعادة هيكلة آليات تسعير التحويل، وهيكلة المجموعات، واستراتيجيات تحسين معدل الضريبة الفعلية.

 

في نهاية المطاف، تظل الكويت سوقًا استراتيجيًا في منطقة مجلس التعاون الخليجي، بما توفره من اقتصاد مستقر، وبنية تحتية قوية، وبيئة رقابية داعمة للأعمال. ومع الاستعداد الجيد والحصول على التوجيه المحلي المناسب، يمكن للمستثمرين الأجانب مواصلة النجاح بثبات — مع ثقة متزايدة بأنهم يعملون ضمن منطقة منسجمة مع معايير النزاهة الضريبية العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى