قراءة تحليلية في تحذيرات ديفيد روزنبرغ

بقلم – ليما راشد الملا
حذر ديفيد روزنبرغ، الاقتصادي المعروف الذي كان ممن توقعوا بدقة أزمة الرهن العقاري أواخر عام 2008، من تراكم التحديات أمام الاقتصاد الأمريكي، حيث عاد روز ليرفع صوته من جديد، مشيراً إلى أنّ في الأفق أرقام تحتاج التعامل معها بجدية أعمق لتجنب أزمة اقتصادية ومالية قد تواجه الولايات المتحدة، مؤسِّساً تحذيراته على أرقام مالية، ما لم تتخذ التدابير والاحترازات الكافية واللازمة للنهوض من هذا الواقع.
سوق الديون
تشير البيانات إلى أنّ أكثر من 27 مليون أميركي غير قادرين على سداد ديون بطاقاتهم الائتمانية، فيما يعجز نحو 9.4 مليون عن دفع الإيجار الشهري. الأخطر أنّ 6.6 مليون أميركي متأخّرون عن سداد قروضهم العقارية، وهذه الأرقام تؤكد هشاشة الوضع المالي للأسر. وفي الوقت نفسه، بلغت قيمة الديون المتأخرة المستحقّة للبنوك 186 مليون دولار، وهو رقم يسلّط الضوء على حجم التراكمات التي قد تتحوّل إلى كرة ثلج يصعب السيطرة عليها.
سوق العمل تحت الضغط
إلى جانب أزمة الديون، ترتفع معدلات البطالة إلى مستويات وصفتها بعض التقارير بأنها “تاريخية وخطيرة”. هذا يعني أنّ شريحة واسعة من الأميركيين تخسر مصدر دخلها الأساسي في وقت تتزايد فيه أعباء المعيشة. البطالة لا تُختصر في رقم إحصائي، بل تُظهر حقيقة القوة الشرائية للأشخاص، واستقرار الأسر، ومستوى الثقة العام بالاقتصاد.
فقاعة مالية
روزنبرغ يلفت الانتباه أيضاً إلى فقاعة تضخمية تتشكّل في الأسواق، إذ يُظهر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 مستويات تقييم مبالغاً فيها قياساً إلى ضعف المؤشرات الاقتصادية. ويشير في هذا السياق إلى مؤشرات بديلة مثل مؤشر التقدّم الحقيقي (GPI) الذي يوضح التباين بين النمو الاقتصادي الظاهري وجودة الحياة الفعلية.
المفارقة أنّ هذا الصعود المستمر يأتي في وقت تُظهر فيه الولايات المتحدة مؤشرات ركود واضحة، ما يدفع المستثمرين إلى الشراء تحت تأثير “نشوة غير واقعية” ــ وفق تعبير روزنبرغ ــ بدلاً من الاستناد إلى أسس اقتصادية راسخة.
الدروس المستفادة من 2008
ما يثير القلق أنّ المشهد الحالي يُشبه إلى حدّ بعيد ما سبق أزمة 2008: ديون متراكمة، تقييمات مالية غير واقعية، ومؤسسات مصرفية معرضة لمخاطر كبيرة إذا تعثّر المقترضون. الفرق اليوم أنّ حجم الدين أكبر، والاقتصاد العالمي أكثر ترابطاً، ما يجعل التداعيات المحتملة أكثر خطورة وأوسع نطاقاً.
نتائج إقليمية وعالمية
أي انهيار في الاقتصاد الأميركي ستكون له تداعياته فمن المعروف أنّ الدولار الأميركي يشكّل العمود الفقري للنظام المالي العالمي. انهيار الثقة به سيؤدي إلى تقلبات حادّة في أسواق العملات، وإلى تراجع الاستثمارات العالمية، وربما إلى موجة ركود. الدول الناشئة ستكون الأكثر عرضة للضرر نتيجة اعتمادها على التمويل الخارجي، فيما ستجد اقتصادات كبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي نفسها أمام تحديات إضافية لاحتواء آثار العدوى.
ما الذي يعنيه هذا للمستثمر؟
بالنسبة للمستثمرين، فإن تحذيرات روزنبرغ تستحق المتابعة الدقيقة. الأسواق حالياً تبدو وكأنها في حالة إنكار جماعي، حيث ترفع الأسعار، وفي مثل هذه الأوضاع، يصبح تنويع المحفظة الاستثمارية ضرورة وليست خياراً، مع التوجّه إلى أصول أكثر أماناً مثل الأسهم الممتازة واسهم التوزيعات والنمو والموثوقة من التي لديها مشاريع واضحة ومصادر تدفق مستقرة غضافة إلى الذهب أو السندات الحكومية ذات التصنيف العالي. كما أنّ الاستثمار في أسواق ناشئة مستقرة أو في قطاعات غير مرتبطة بالدورة الاقتصادية (مثل الغذاء أو الطاقة المتجددة) قد يوفّر حماية نسبية.
الكلمة الأخيرة
إنّ الصورة التي يرسمها ديفيد روزنبرغ تحتاج تمعن، وقراءة الأرقام ذات الصلة بالديون، والبطالة، والتقييمات المبالغ فيها التي قد تدعم فرضية التحديات التي تواجه الاقتصاد الأميركي. وبينما يختلف المحلّلون حول توقيت الوصول للمنطقة الحمراء، إلا أنّ المؤشّرات الميدانية تذكّرنا بأنّ التحذيرات يجب أن تؤخذ في عين الإعتبار وبمزيد من الاهتمام كي لا تكون التبعات مكلفة للغاية.
المستقبل القريب سيكشف ما إذا كان الاقتصاد الأميركي قادراً على تجنّب الانهيار عبر إصلاحات سريعة وعميقة، أم أنّنا أمام أزمة جديدة ستعيد للأذهان مشاهد 2008 الفرصة سانحة للنهوض والتماسك وتجنب التباطؤ ، والجهود المبذولة كفيلة بتجنب التعثر وهو ما نأمله للعالم أن يسوده اقتصاد مشرق ومزدهر.