مقالات

كيف تحوّل الرأي الشخصي إلى أداة اقتصادية؟

بقلم – ليما راشد الملا

لم تعد الأسواق المالية تعتمد فقط على تقارير الأرباح أو المؤشرات الاقتصادية، بل باتت كلمة واحدة من شخصية مؤثرة كفيلة بتحريك المليارات. هذا ما أثبته مجددًا الملياردير الأميركي إيلون ماسك، بعدما أشعل عاصفة مالية ضد عملاق البث الرقمي نتفليكس، تسببت في هبوط أسهمها بأكثر من 2% خلال ساعات قليلة، أي ما يعادل خسارة تتجاوز 15 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة.

القصة بدأت عندما غرّد ماسك، الذي يتابعه أكثر من 226 مليون مستخدم على منصة X، داعيًا متابعيه إلى إلغاء اشتراكاتهم في نتفليكس، متهمًا المنصة بأنها “تروّج أفكارًا شاذة للأطفال”. وكتب في منشور مختصر ولكنه مؤثر: “أوقفوا اشتراكاتكم… هذا من أجل صحة أطفالكم.”

ورغم بساطة العبارة، إلا أن تأثيرها كان مدويًا في الأسواق، حيث تحرك المستثمرون بسرعة خوفًا من موجة إلغاءات جماعية قد تضرب الشركة.

ردود الفعل: بين الدفاع والانتقاد

شبكة نتفليكس لم تُصدر بيانًا مباشرًا يرد على ماسك، لكنها اكتفت بالتأكيد عبر مصادر قريبة منها على “التزامها بالتنوع والتعبير الإبداعي”. إلا أن الغضب الشعبي تصاعد بسرعة، خصوصًا بعد أن أشار ماسك إلى مسلسل كرتوني تُتهم الشركة من خلاله بـ”تطبيع مفاهيم الترانسجندر لدى الأطفال”، ما فتح بابًا جديدًا في النقاش حول حدود حرية التعبير الفني ومفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات الإعلامية.

وفي المقابل، اعتبر محللون اقتصاديون أن ما حدث يُظهر هشاشة سمعة الشركات الكبرى أمام موجات الرأي العام، خصوصًا حين تأتي من شخصيات ذات نفوذ رقمي ضخم. فالأسواق اليوم، كما يقول أحد المحللين في “وول ستريت جورنال”، “لا تتأثر فقط بالأخبار، بل أيضًا بالتصورات… وماسك يعرف جيدًا كيف يصنع تصوّرًا.”

التأثير الاقتصادي الفوري

هبوط سهم نتفليكس بنسبة تجاوزت 2% قد يبدو محدودًا في الظاهر، لكنه في سوق المال يعني مليارات الدولارات من الخسائر الورقية. فخلال ساعات من تغريدة ماسك، تراجع السهم إلى أدنى مستوى له منذ شهرين، وبدأ المستثمرون يتحدثون عن “تأثير ماسك” كعامل حقيقي يجب أخذه بالحسبان في تحليلات السوق المستقبلية.

من الناحية الاقتصادية، تتعامل نتفليكس منذ فترة مع تحديات متعددة، أهمها تشبّع الأسواق، وارتفاع تكاليف الإنتاج، والمنافسة القوية من ديزني بلس وأمازون برايم. لكن أزمة ماسك أضافت بُعدًا جديدًا: الخطر المجتمعي والأيديولوجي. فالحملات الرقمية المقاطِعة، حتى وإن كانت مؤقتة، تترك أثرًا نفسيًا طويل الأمد على ثقة المستثمرين والمستهلكين معًا.

ما وراء المال: الاقتصاد الأخلاقي في عصر المؤثرين

الأزمة الحالية تفتح بابًا مهمًا حول العلاقة بين القيم الاجتماعية والاقتصاد الرقمي. فبينما كانت الشركات في السابق تُقاس بقوتها الإنتاجية أو ربحها الصافي، أصبحت اليوم تُحاسَب على مواقفها الثقافية.

وماسك، بصفته أحد أقوى المؤثرين في العالم، يمثّل تحوّل القوة الاقتصادية نحو الاقتصاد القيمي، حيث يمكن لتغريدة أن تتحول إلى حركة، والحركة إلى خسارة في البورصة.

ويرى خبراء الإعلام أن سلوك ماسك لم يكن فقط رد فعل عاطفي، بل جزء من استراتيجية نفوذ رقمي. فالرجل الذي يملك “X”، ويقود تسلا وسبيس إكس، يدرك تمامًا أن كل تغريدة منه تحمل وزنًا اقتصاديًا وإعلاميًا مزدوجًا. ومن هذا المنطلق، فإن حربه مع نتفليكس قد تكون أيضًا رسالة للمنصات الإعلامية الأخرى حول حدود ما يمكن عرضه أمام جمهور العائلات.

 

في الخلاصة

ما بين القيم والمصالح، والحرية والمسؤولية، تقف نتفليكس اليوم أمام اختبار صعب. فهل يمكن للشركة أن تتجاهل تأثير شخصية مثل ماسك؟ وهل يكفيها أن تراهن على دعم جمهورها الليبرالي لتعويض الخسائر المؤقتة؟

الواقع يشير إلى أن المستقبل الاقتصادي للشركات الإعلامية لم يعد يُبنى فقط على المحتوى، بل على صورة الشركة في الوعي الجمعي الرقمي. وماسك، بكلمة واحدة، ذكّر العالم أن الاقتصاد في عصر المنصات لا يتحرك بالأرقام وحدها… بل بالمشاعر أيضًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى