الرهن العقاري: بين الحاجة والواقع العالمي

بقلم: د. محمد جميل الشبشيري
مع تفاقم أزمة الإسكان في مختلف أنحاء العالم، وارتفاع أسعار العقارات بشكل يفوق قدرات معظم الأسر، بات الرهن العقاري يشكل أحد الأدوات التمويلية الأساسية التي تُمكّن الأفراد من امتلاك منازلهم. لكن ما هو الرهن العقاري فعلياً؟ وكيف يختلف عن التمويل العقاري؟ وما أبرز التحديات التي تواجهه على المستوى الدولي؟
أولاً: ما هو الرهن العقاري؟
الرهن العقاري ببساطة هو قرض تمنحه جهة تمويلية (غالباً بنك أو مؤسسة مالية) لشخص يرغب في شراء عقار، ويُستخدم العقار ذاته كضمان لهذا القرض. أي أن المشتري يضع العقار تحت الرهن لصالح الجهة الممولة، وفي حال عجزه عن السداد، يحق للمُمول أن يبيع العقار أو يتملكه لاسترداد أمواله.
ويشمل عقد الرهن عادة بنوداً واضحة تحدد قيمة القرض، فترة السداد، نوع الفائدة (ثابتة أو متغيرة)، والمبلغ المستحق شهرياً. ولا تنتقل ملكية العقار الكاملة إلى المشتري إلا بعد سداد القرض بالكامل، بما يشمله من فوائد.
ثانياً: الفرق بين الرهن العقاري والتمويل العقاري
يخلط كثيرون بين المصطلحين، لكن التمييز بينهما مهم.
الرهن العقاري غالبًا ما يتم على عقار يملكه الشخص مسبقًا، لكنه يحتاج لسيولة نقدية، فيرهنه مقابل قرض.
أما التمويل العقاري فهو مخصص لشراء عقار جديد، حيث لا يملك المقترض المنزل بعد، بل يحصل على القرض لشرائه، وتبقى ملكية العقار من الناحية القانونية للجهة الممولة حتى السداد الكامل.
ومع ذلك، بات مصطلح “الرهن العقاري” يُستخدم شائعًا للدلالة على كافة القروض العقارية، خاصة المتعلقة بشراء المساكن.
ثالثاً: أنواع الرهن العقاري
لأن الاحتياجات تختلف، ظهرت عدة أشكال للرهن العقاري لتلبية الظروف المختلفة:
- رهن بفائدة ثابتة: يضمن استقرارًا في القسط الشهري، وهو مناسب لمن يفضلون تخطيطًا ماليًا طويل الأمد.
- رهن بفائدة متغيرة: يتغير حسب السوق، ما قد يمنح فائدة مبدئية منخفضة، لكنه يحمل خطر ارتفاع الأقساط لاحقًا.
- إعادة التمويل: هو استبدال الرهن القديم بآخر جديد بشروط أفضل، كخفض الفائدة أو تمديد فترة السداد.
رابعاً: المشهد العالمي وتحدياته
شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تحولات جذرية في سوق الرهن العقاري. فبعد أن دفعت جائحة كورونا بأسعار الفائدة إلى مستويات متدنية، عاد التضخم للواجهة، مما دفع البنوك المركزية إلى رفع الفائدة بشكل حاد.
أبرز التحديات:
- ارتفاع الفائدة: هذا الارتفاع المفاجئ رفع كلفة القروض العقارية، ما أثر على القدرة الشرائية للمواطنين في دول عديدة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.
- تباطؤ في سوق العقارات: نلاحظ ركودًا نسبيًا في بعض الأسواق الكبرى، حيث تراجعت المبيعات وانخفضت الأسعار، ما أثر سلباً على الثقة في القطاع العقاري.
- ضعف القدرة على تملك السكن: في دول كثيرة، لم يعد دخل المواطن كافيًا لمواكبة الارتفاع المستمر في أسعار المنازل، خاصة لدى فئة الشباب وذوي الدخل المحدود.
اتجاهات جديدة في الأفق:
- التحول الرقمي: بدأت مؤسسات التمويل في توظيف التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين لتسريع الإجراءات وتحسين تقييم المخاطر.
- الرهون العقارية الخضراء: وهي قروض مخصصة لشراء أو ترميم مساكن موفّرة للطاقة، تشجع على البناء المستدام.
- تنظيمات أكثر صرامة: منذ الأزمة المالية العالمية، عززت الحكومات القيود المفروضة على الإقراض لضمان استقرار السوق وحماية المستهلك.
- الأسواق الثانوية: تطوير أسواق مثل سوق السندات العقارية يساعد على تعزيز السيولة وتقليل المخاطر على المقرضين.
خلاصة القول:
لا شك أن الرهن العقاري يلعب دورًا محوريًا في تمكين الأفراد من امتلاك مساكنهم، لكنه لا يخلو من تحديات، خاصة في ظل ظروف اقتصادية عالمية متقلبة. ورغم ذلك، فإن التقدم التقني والنزعة نحو التمويل المستدام يوفران فرصًا واعدة لإعادة هيكلة هذا القطاع.
وفي الدول الساعية لتطوير أنظمتها العقارية، كالكويت مثلاً، فإن إدراك الفروق الدقيقة بين مفاهيم الرهن والتمويل، ومتابعة الاتجاهات العالمية، أمر ضروري لبناء سياسات تمويلية فعالة تتماشى مع الواقع المحلي وتستفيد من التجارب الدولية الرائدة.