الخداع والتضليل في المعلومات المُفصَح عنها في سوق الأوراق المالية

بقلم/ د. محمد غازي المهنا
دكتوراة في الرقابة القانونية على هيئة سوق المال
m7md_almuhanna@hotmail.com
تُعَدُّ المعلومات الدقيقة والشفافة حجر الأساس في بناء الثقة داخل الأسواق المالية، إذ يعتمد المستثمرون على صحة البيانات المعلنة لاتخاذ قراراتهم الاستثمارية. غير أن بعض المتعاملين في هذه الأسواق قد يسلكون طرقًا غير مشروعة، أبرزها الخداع والتضليل في المعلومات المُفصَح عنها، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار السوق والإضرار بالاقتصاد الوطني.
ماهية الخداع والتضليل
الخداع في اللغة نقيض الصدق، واصطلاحًا هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، سواء كان ذلك عمدًا أو عن طريق الخطأ. ويُعدّ الخداع والتضليل وجهين لعملة واحدة، ويُقصد بهما هنا إخفاء الحقيقة أو تحريفها في المعلومات التي تُعَدّ أحد العناصر الأساسية في سوق الأوراق المالية، بهدف تحقيق مصالح أو مكاسب غير مشروعة.
إن مثل هذه الأفعال تُحدث تأثيرًا مباشرًا في قرارات المستثمرين والمتعاملين داخل السوق، وتؤدي إلى نتائج سلبية تهدد استقراره وتُضعف الثقة في المؤسسات المالية. وقد عُرّف الخداع والتضليل كذلك بأنهما القيام بعمل أو إجراء يخلق انطباعًا غير صحيح أو مضللًا حول السوق أو الأسعار أو قيمة الأوراق المالية، بقصد التأثير على الآخرين ودفعهم إلى البيع أو الشراء أو الاكتتاب أو العزوف عن ذلك.
انعكاسات الخداع والتضليل على السوق
التعامل في البورصة هو أحد أشكال التجارة التي تقوم أساسًا على المنافسة المشروعة والمساومة والبحث عن الربح. وعندما يلتزم المتعاملون بالقواعد الأخلاقية والقانونية، تُؤدّي السوق دورها الطبيعي في دعم الاقتصاد. إلا أن انتشار ممارسات الخداع والتضليل يُفقد السوق توازنها ويقوّض مبادئ العدالة والشفافية، ويجعلها عُرضة للتقلبات الحادة.
فالأسواق التي تُدار بالشائعات بدل المعلومات الحقيقية، لا يمكن أن تحافظ على مصداقيتها. فإذا شاع أن الأسعار سترتفع، تدافع المستثمرون إلى الشراء، وإذا ترددت إشاعة بانخفاضها، باعوا على عَجَل، فتحدث اضطرابات لا علاقة لها بالواقع الاقتصادي.
صور وأساليب الخداع والتضليل
تتعدد صور الخداع والتضليل في سوق الأوراق المالية، فمنها ما يرتبط بطبيعة المنشأة أو الشركاء، ومنها ما يتخذ شكل الإعلان عن مشروع أو ربح وهمي. وجميع هذه الأفعال تُعَد مخالفات يُعاقب عليها القانون وفقًا للتشريعات المنظمة لسوق المال، إلى جانب القوانين المساندة كقانون الشركات والقانون التجاري.
1- تضمين بيانات كاذبة عمدًا في عقود التأسيس أو النظم الأساسية أو نشرات الاكتتاب أو غيرها من الوثائق، بما يخالف أحكام القانون.
2- توجيه دعوات غير مشروعة للاكتتاب في أسهم أو سندات صادرة باسم شركات غير مساهمة، وهو فعل محظور في جميع أنواع الشركات عدا شركات المساهمة والتوصية بالأسهم.
3- تقييم الحصص العينية بسوء نية بأكثر من قيمتها الحقيقية من قِبل بعض المساهمين.
4- توزيع أرباح أو فوائد وهمية على خلاف أحكام القانون أو النظام الأساسي للشركة، سواء من قِبل الإدارة أو من يقرّ هذا التوزيع كمراجع الحسابات.
5- إخفاء أو تحريف البيانات الجوهرية في الميزانية أو في حساب الأرباح والخسائر، بقصد تضليل المساهمين بشأن المركز المالي الحقيقي للشركة.
6- الامتناع عن الإفصاح عن معلومات جوهرية تؤثر في تقييم الأوراق المالية، مما يؤدي إلى تضليل المتعاملين في السوق.
خاتمة
إن حماية الأسواق المالية من الخداع والتضليل تمثل ركيزة أساسية لاستقرار الاقتصاد، وضمانًا لثقة المستثمرين في بيئة الاستثمار. ولا يتحقق ذلك إلا من خلال تعزيز الشفافية، وتفعيل الرقابة القانونية، وتطبيق العقوبات الرادعة على كل من يعبث بصدق المعلومات أو يستغلها لتحقيق مكاسب غير مشروعة. فالسوق التي تُبنى على الصدق والنزاهة تُسهم في تنمية الاقتصاد وتحقق العدالة بين جميع المتعاملين، أما السوق التي تحكمها الشائعات والمعلومات المضللة، فلا تنتج سوى الخسارة وعدم الاستقرار.



