مقالات

مؤشرات الأداء الوظيفية… لغة المؤسسات الحديثة ” للتميز والاستدامة “

 

بقلم: تـامــــــر عبدالعزيز

أمين سر – مدير إدارة الموارد البشرية.

 

في ظل التحولات السريعة التي يشهدها عالم المال والأعمال، لم تعد المؤسسات تعتمد فقط على الخبرة أو الحدس في إدارة مواردها البشرية أو قياس نجاح عملياتها. اليوم، أصبحت مؤشرات الأداء الوظيفية (KPIs) بمثابة البوصلة التي توجه حركة المؤسسات نحو التطوير، وتمنحها القدرة على التقييم الموضوعي واتخاذ القرارات المبنية على بيانات دقيقة. فهي الأداة التي تتجاوز الشعارات، وتُحوِّل الخطط والاستراتيجيات إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.

تزداد أهمية مؤشرات الأداء مع تعقّد أسواق العمل وازدياد المنافسة، إذ أصبح من الضروري أن تكون المؤسسات قادرة على قراءة أدائها بصورة مستمرة، وتحديد نقاط القوة والضعف، وصياغة خطوات تطويرية بناءً على معلومات واضحة وليست مجرد توقعات. والمؤسسات التي تهتم بقياس أدائها بانتظام، غالبًا ما تكون الأسرع في النمو، والأكثر قدرة على جذب الكفاءات، والأعلى استقرارًا في أسواق المال.

أداة للتطوير الحقيقي لا للتقييم فقط

تقدّم مؤشرات الأداء دورًا يتجاوز وظيفة “الرقابة”، فهي اليوم أحد أهم محركات التحول المؤسسي. فحين يكون الموظف قادرًا على رؤية أهدافه بوضوح، وتَعرِف الإدارة مستوى تقدمها بالأرقام، يصبح التطوير عملية مستمرة لا تتوقف. هذه الشفافية تعزز من ثقافة الحوكمة داخل المؤسسات، وتخلق بيئة عمل مستقرة، قائمة على العدالة، وتربط بين الجهد والنتائج بصورة مباشرة.

وتشير تجارب عالمية إلى أن المؤسسات التي تبني هياكلها الإدارية على أساس مؤشرات واضحة، تنجح في رفع مستوى إنتاجيتها وتحسين جودة خدماتها وتقليل الهدر. كما تمثل هذه المؤشرات أساسًا مهمًا في ربط المكافآت والتحفيزات بالأداء، ما يجعل الموظفين أكثر التزامًا وتفاعلًا.

نماذج عالمية أثبتت نجاحها

تعد شركات التكنولوجيا الكبرى من أبرز المؤسسات التي اعتمدت KPIs كعنصر أساسي في تطورها. فـ أمازون، على سبيل المثال، أعادت تشكيل مفهوم التجارة الإلكترونية من خلال مؤشرات دقيقة لزمن تجهيز الطلبات ونسبة الأخطاء في الشحن، وهو ما جعلها قادرة على تقليل وقت التوصيل إلى يوم واحد في كثير من الدول، وزيادة رضا العملاء بصورة غير مسبوقة.

أما تويوتا، فقد اعتمدت على مؤشرات أداء مرتبطة بجودة التصنيع وتقليل الهدر، مما ساهم في بناء واحدة من أكثر المنظومات الإنتاجية كفاءة في العالم. كذلك حققت بنوك وشركات الاستثمار في المنطقة قفزات كبيرة بعد تطبيق نظام متكامل لقياس أداء العمليات وخدمة العملاء وسرعة إنجاز معاملات التمويل، وهو ما انعكس على مستوى الخدمة ورضا العملاء، وعلى مكانة الإمارات كمركز مالي متطور.

هذه الأمثلة تعكس حقيقة واضحة: المؤسسة التي تقيس بشكل صحيح… تنمو بشكل صحيح.

 

أنواع مؤشرات الأداء: تعد قراءة شاملة للمؤسسة، وعلى سبيل المثال وليس الحصر:

* مؤشرات الأداء وفق نشاط المؤسسة، لكن معظم المنظمات تعتمد على أربعة محاور رئيسية:

* مؤشرات مالية: تشمل الإيرادات، التكاليف، هامش الربح، ومعدلات النمو.

* مؤشرات تشغيلية: تقيس الإنتاجية، جودة العمليات، وزمن إنجاز المهام.

* مؤشرات الموارد البشرية: مثل معدل دوران الموظفين، نسبة الغياب، ورضا العاملين.

* مؤشرات خدمة العملاء: وتشمل معدل الشكاوى، زمن الاستجابة، ونسبة الاحتفاظ بالعميل.

* مؤشرات الابتكار: كعدد المنتجات الجديدة، ونسبة التحسينات التشغيلية.

تكامل هذه المؤشرات يمنح الإدارة صورة حقيقية عن وضع المؤسسة، ويكشف الثغرات بدقة، ويُسهّل عملية اتخاذ القرار.

من الدول الأكثر تقدمًا في تبني مؤشرات الأداء

تتصدر الإمارات، وسنغافورة، والدنمارك، وكندا، وكوريا الجنوبية، والسويد قائمة الدول التي طورت أداء مؤسساتها العامة والخاصة عبر أنظمة KPI قوية. ففي هذه الدول، تُعد مؤشرات الأداء جزءًا من ثقافة الإدارة، وليست مجرد أدوات شكلية على مستوى التقارير.

الخلاصة ببساطة: الأرقام تصنع الفرق.

الاستثمار في مؤشرات الأداء ليس رفاهية إدارية، بل ضرورة لضمان النمو والاستدامة. فالمؤسسة التي تعتمد KPIs واضحة وقابلة للقياس، وتستخدم هذه المؤشرات في اتخاذ قراراتها، هي المؤسسة المؤهلة لمواجهة التحديات، وجذب الكفاءات، وتحقيق أفضل النتائج في سوق يتغير كل يوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى